في بلدان الحقوق العادلة، أبناء الوطن سواسية، ليس هناك فرق بين الفقير والغني، بين المدني والقروي، أطفال سواسية يدرسون نفس المقررات والمناهج وفي نفس المدارس الحكومية وفي نفس الأقسام لا فرق بينهم، إنهم أطفال هذا الوطن الواحد الذي يجمعهم التاريخ والرقعة الجغرافية، لا تعني أصولهم الطبقية شيئا داخل أسوار المدارس.
يتعلمون داخل هذه الحجرات والأقسام حب الوطن ويفهمون مبادئ ودروس الأدب والعلم والحساب والمواطنة وبنفس اللغة، لكن في أوطاننا، للنخبة مدرستها وللعامة مدرستها، نتشارك نفس التاريخ والبقعة الجغرافية لكن تفصل بيننا لغات وقمم ومنحدرات، فلكل طفل حظه من العلم بالنظر للطبقة الإجتماعية التي ينتمي إليها.
أما خطابات العدل والمساواة وتكافؤ الفرص ومدارس المستقبل للجميع باتت فقط شعارات انتخابية ونشرات إخبارية وأكاذيب يتم تمريرها بشكل غبي لإقناع العامة بالواقع ونشر فكرة التسليم بالقضاء والقدر.
كنت أتمنى لو كانت هذه السياسات تكتب بقلم الرصاص ليتم مسحها حتى لا يدفع جيل بكامله أو أجيال بكاملها أخطاء النخبة، ونمسح كل حاضر لا يستحق أن يعاش لنغير الواقع المرير للمدرسة العمومية والتخطيط الخاطئ للمستقبل.
أي ذنب اقترفته الأجيال القادمة ليكون ربيع عمرهم متزامن مع خريف المجتمع المتصدع من الداخل والخارج؟
الموضوع ذاته، يجرنا إلى التساؤل عن دور المدرسة أو المنظومة التعليمية بصفة عامة في تكوين القيم والأخلاق لدى الناشئة، هل تربي جميع المدارس نفس المواطنين وبنفس التربية والقيم.
كيف، أين ولماذا . . .
الظاهرة الفيروسية عرت من جديد وبشكل مأساوي المنظومة التعليمية وهشاشة البنى وقلة الموارد البشرية والتقنية، ووسعت الهوة بين المناطق والطبقات حين تعلق الأمر بالتعلم عن بعد ورقمنة التعليم. مما يوسع الهوة بين التلاميذ الذين يملكون كلفة التقنية ومن لا يملكون، أم أن الوزارة لم تفكر في أطفال الظل، أولئك الذين لا نفكر فيهم كثيرا.
مشكلة التعليم ببلادنا مشكلة جماعية يتحمل فيها الأستاذ والإداري والنيابي والوزاري مسؤولية كبيرة، كيف ستنجح المدرسة العمومية وأطفال المعلمين أنفسهم بمدارس خاصة، مثل ذلك الخباز الذي يحضر الخبز طيلة اليوم لكنه في المساء يمر على فران أخر ليشتري الخبز له. أي مردودية للمعلم وهو يعلم مسبقا ومؤمنا بأن هذه المدرسة غير صالحة لتعليم أبنائه، السؤال الجوهري الآن: كيف نعيد الثقة للمدرسة العمومية وللمعلم خاصة؟
أكيد هي ورطتنا الجماعية ومأزق مجتمع يحاول ترميم ما تبقى من مدرسة الشعب وآمال الصغار ومواطني الظل، لكي يعود الأمل في غد أفضل وتكافؤ الفرص وبناء مجتمع عادل تتساوى فيه الفرص وتتاح للجميع نفس الإمكانيات، فوطننا يتسع للجميع.
فالتعليم من الأولويات التي يجب الإنكباب على دراستها إلى جانب الصحة والبحث العلمي، لكن تبقى المدرسة والتعليم النواة والمحرك الأساسي لكل عملية إصلاح مجتمعية، فالمدرسة هي المكون الأول للطبيب والمحامي والصحافي والمهندس والمعماري والتاجر، بإصلاحها يصلح حال البلاد، والتربية على المواطنة الحقة تنتج لنا مواطنين صالحين وبذلك يصلح حال الوطن وتسود المساواة والعدالة الإجتماعية.
إذن المدرسة هي الورش الأهم في البرنامج الإصلاحي الذي يجب أن تتبناه الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الهادفة إلى التغيير وإعادة المدرسة العمومية إلى سابق عهدها وإعطاءها ما تستحقه من عناية واهتمام، إلى جانب الأطر البيداغوجية (مدرسين وإداريين) التي يجب أيضا الالتفات إليها وتطويرها وتأطيرها، وتوفير ظروف عمل مناسبة لها ماديا ومعنويا حتى يكون المردود في المستوى متبوعا بالمحاسبة والتفتيش والمراقبة المستمرة لأدائها ونتائجها.
أكيد المجامع الحديث سيعرف العديد من التحولات لبناء الغد، وستكون مسألة المدرسة العمومية الملف الأول للإصلاح وهي نواة بناء المجتمع المغربي الحديث، مغرب الكفاءات، مغرب تكافؤ الفرص ومغرب الجميع باختلاف الإنتماء والطبقة.
تأهيل المدرسة العمومية سيسمح بميلاد مجتمع مغربي حديث وعادل، سيضمن الحق للجميع في تعليم لائق وسوي، وتبقى المدرسة الخصوصية لمن أراد لذلك سبيلا، لكن عامة الشعب لها الحق في مدرسة تحقق المبتغى لأطفالها وتسمح لهم بالحلم في تغيير واقعهم نحو الأفضل، وإنهاء الاحتقان الذي يعيشه المهمشون في المجتمع جراء تهميش الشمعة الوحيدة التي يمكنها أن تضيء درب أطفالهم وتعطي الأمل من جديد في غد أفضل بإذن الله.
استشعروا إذن مكانة المدرسة العمومية وأهمية المعلم في تكوين الناشئة وتكوين الأطر وقيمة البحث العلمي، إصلاحات ستعمل على خدمة المجتمع وتقدمه وتكوين جيل في مستوى التحديات المعاصرة.