كنت قبل مدة غير بعيدة عقبت على بعض المتدخلين المغاربة في السجال الذي لا ينتهي ، أو لا يراد له أن ينتهي بين الجزائريين والفرنسيين والذي يحوم حول ما يسمى بالذاكرة ، ونصحتهم بأن لا يخوضوا في نقاش لا يهم وطنهم في شيء لأسباب عدة ، أهمها أنه جدال يتجدد من حين لآخر ، حسب الظروف السياسية لكل طرف من الطرفين لاستغلاله في الحصول على مكاسب معينة ٠.
كانت نصيحتي بابتعادنا نحن المغاربة عن ذلك السجال كون طبيعة ونوع الإستعمار الذي تعرضت له الجزائر ، وعانى منه الجزائريون يختلف تمام الإختلاف عن الأستعمار الذي تعرض له المغرب ٠فالوجود الفرنسي ببلادنا الذي أطلقت عليه تعسفا صفة استعمار ، لم يكن في العرف السياسي والدبلوماسي يحمل هذا الوصف ، إذ كان يخضع لمعاهدات واتفاقات دوليه كان المغرب طرفا فيها ، كما انه كان خاضعا لمعاهدة فرضت على المغرب ، ولكنها لم تجرده من شخصيته سواء ككيان مستقل أو كدولة لها نظامها الخاص ٠
لقد كان الوجود الفرنسي في المغرب تحكمه معاهدة أطلقت عليها صفة الحماية ، وتربط وطننا بعلاقات التعاون مع فرنسا وتتحكم بنودها ومقتضياتها في المهام التي أوكلت للإدارةالفرسية التي استحدثت في المغرب باسم الإقامة العامة وبالتوازي مع الإدارة المغربية ، وهذه الأخيرة كانت خاضعة لنظام المخزن الممثل في السلطة الدينية التي يمارسها السلطان ( أي الملك ) بواسطة القضاة الشرعيين ،إلى جانب ممارسته للسلطة الإدارية عن طريق العمال والباشوات والقياد
وكما سبق لي أن شرحت في مقال نشرته بتاريخ 16 غشت 2022 على موقعي في الفايسبوك تحت عنوان ( عبثا يحولون المساس بمعنوية الشعب المغربي ) ، فإن المغرب الذي كان يطلق عليه إسم الأيالة الشريفة ، لم يخضع للإستعمار المباشر الذي عرفته الجزائر وغيرها من الإقطار الإفريقية التي خضعت للإستعمار الفرنسي ردحا من الزمن ، بل ظل محتفظا بكيانه المستقل وبسيادته على أراضيه سواء منها تلك التي كانت خاضعة للسلطة الفرنسية ويتحكم فيها الملك مباشرة ، أو تلك التي كانت خاضعة للاحتلال الإسباني ، ويحكمها الملك عن طريق خليفة له يتمتع بنفس المعاملة البروتوكولية التي يتمتع بها الملك ، بمعنى أن المغرب احتفظ بنظامه الملكي الذي كان سائدا منذ قرون، ويمتد مفعول سلطة من يتولى الملك على مختلف أنحاء المغرب الذي مزق الإستعمارأطرافه شمالا وجنوبا بن فرنسا وإسبانيا ، غير أنه نظرا لحساسية وأهمية الموقع الأستراتيجي لطنجة ، فقد قرر المجتمع الدولي آن تخضع لنظام دولي تتقاسم السلطة فيها عدة دول ، مع وجود خليفة سلطاني ينوب عن الملك في ممارسة سلطته الشرعية.
وبالرجوع إلى ما تختزنه الخزانات والمكتبات لا يمكن للمرء أن يعوزه ما يعزز ويؤكد الوضع المتميزالذي كان قائما في المغرب ٠ إذ بالنظر إلى ما نصت عليه معاهدة الحماية المبرمة بين المغرب وفرنسا ، ( ولوأنها كانت قد فرضت عليه ) في مارس ١٩١٢ ، فقد كان على فرنسا ، بل ومن واجبها التعاون مع النظام الملكي لإنجاز ما كان يحتاجه المغرب. من إصلاحات لتدارك التأخرالذي كانت عليه بلادنا ، وقد فعلت ، وإن كان البعض من الفرنسيين قد استغلوا إنجازها لمحاولة تطبيق الإستعمار الإستيطاني الذي لم ينجح بالقدر الذي كانت عقول دهاقنة الاستعمار تتخيل تطبيقه ، وذلك نظرا ليقظة المغاربة الذين قاوموه ٠
وبالنظرللتجاوب الذي كان بين الشعب والمؤسسة الملكية ، فكثيرا ما حدثت إستطدامات بين رجال الإقامة العامة الفرنسية وبين السلطة الملكية الممثلة في السلطان في الحالات التي يعترض فيها جلالته على القوانين والإجراءات التي كانت السلطات في الإقامة العامة الفرنسية تعتزم تطبيقها ، إما لأنها تمس بالسيادة المغربية أوتمنح للأروبيين الذين استوطنوا المغرب إمتيازات غير قانونية لم يكن ما تم تحقيقه في الفترات الآولى للحماية كافيا وبالقدر الذي يستجيب بما فيه الكفاية لما كان المغرب يتوق إليه ، ولذلك انبرت الحركة الوطني منذ نشأتها في الثلاثينات من القرن الماضي للمطالبة بتحقيق الإصلاحات المنشودة ، وشرعت في تنظيم حملات وطنية عمت إجزاء كثيرة من الوطن ، فاسطدمت مع المستعمرين الذي قسموا البلاد إلى ما أطلق عليه ( المغرب النافع والمغرب غير النافع ) ٠ بيد أن ما كان قد تحقق لا يمكن الإستهانة به ، من بنيات أساسية كان المغرب في أمس الحاجة اليها ٠ ولقد كانت احدى أهم المنجزات على عهد الحماية قد تمثلت في تشييد السكة الحديدية من مراكش إلى وجدة وعلى طول 1500كيلومتر وربطه بالسكة الحديدية للجزائر٠
ومن سخرية القدر أن ما أنجزه الفرنسيون لربط المغرب بالجزائر وأتاح للموطنين في كلا البلدين فرص التآخي والتصاهر ، عطلوا تشغيله حكام الجزائر وما يزالون مصرين على أن يبقى معطلا وأن تبقى حتى الحدود مغلقة ، وسيحملهم التاريخ وزر إصرارهم على القطيعة التي تعاني منها الأسر في كلا البلدين ،مثلما سيحملهم مسؤولية أستمرار الصراع المرير والمزمن ، وبمبررات تفضح نواياهم السيئة نحو المغرب ، وإصرارهم على منازعته في صحرائه ، مثل إصرارهم على أن تزداد المنطقة المغاربية تمزقا
وكما سبق لي أن شرحت في حديث نشرته بتاريخ 16غشت 2022 في موقعي على الفايسبوك فإن المغرب لم يخضع للإستعمار المباشر الذي عرفته الجزائر وغيرها من الأقطار الإفريقية التي خضعت للإحتلال الفرنسي ردحا من الزمن ، بل إن بلادنا إحتفظت بكيانها المستقل وسيادتها على أرضها وبالنظام الملكي الذي ضمن لها الحفاظ على مقوماتها وأحلها المكانة التي تمتعت بها على مر العصور وما تزال تتمتع بها.
لم نكن في حاجة لتقديم البراهين والدلائل التاريخية لإثبات ذلك ، وكانت شهادة المرشال ليوطي الذي عين أول مقيم عام لفرنسا في المغرب أكبر برهان ، إذ اعترف فيها أنه وجد في المغرب إمبراطورة وكل مقومات الدولة المنظمة ٠ وقد حكيت بعضا من شهادات هذا الرجل التاريخي في مقالي الأخير ، وهو الذي وقع مع السلطان مولاي عبد الحفيظ على معاهدة الحماية في مارس ١٩١٢ وبمدينة فاس ٠ وقد شاء القدر أن يستمر التعاون مع الفرنسيين ، خصوصا أثناء الحرب العالمية الثانية وبرهن المغرب على وفائه لصداقته مع فرنسا التي أعترفت لبلدنا بالجميل ومنح زعيم معركتها ضد النازية الجنرال شارل دوكول الملك محمد الخامس رحمه الله ونور ضريحه صفة رفيق معركة التحرير٠.
يتطلب تسفيه إولئك الزنادقة الذين ينتسبون إلى الجزائر ويتجرأون على الطعن في تاريخ المغرب تظافر جهود ذوي الاختصاص لتقديم التاريخ المجيد للمغرب ، حتى وإن كنّا متأكدين من أنهم لن يتمكنوا بحملاتهم المسعورة من النيل منا ولن يصلوا إلى تزييف تاريخنا المجيد ،وأتمنى أن تتاح لي الفرصة لأساهم بالمزيد مما توصلت إليه من استنتاجات كصحفي ، ولا ادعي أنني أكتب التاريخ لما تحتاج كتابته من بحث واستقصاء لا يملك أدواته سوى المؤرخون ٠.