أزمة “تايوان” والتوتر الأزلي بين بكين وواشنطن
تايوان الجزيرة الصغيرة في أقصى شرق أسيا، في بحر الصين، عاصمتها تايبيه، أصبحت محورا للصراع الصيني الأمريكي والتي تفاقمت بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للعاصمة التايوانية، التي قالت عنها إنها جاءت لتأكيد وفاء الولايات المتحدة بوعدها في مساندة تايوان والعمل على تعزيز العلاقات معها. حيث ردت الخارجية الصينية على هذه الزيارة قائلة، إن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، ومحاولة الولايات المتحدة استخدامها للاحتواء لن تجدي في شيء.
وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي أن تايوان كانت دائما جزءا من الصين ولن تكون أبدا غير ذلك، في حين قالت واشنطن إنها لا تبحث عن أزمة مع بكين لكنها لن تسمح بمنعها من التواجد في المحيط الهادي، مما يؤجج الصراع بين البلدين.
الصراع الأمريكي الصيني هو صراع أمني استراتيجي، حيث تسعى أمريكا لفرض تواجدها بشرق آسيا حفاظا على مصالحها الإستراتيجية وحماية مصالح حلفائها اليابان وكوريا الجنوبية، في حين تسعى الصين لشد الخناق ومنع أي تواجد أمريكي بالقرب من مياهها الإقليمية أو بالقرب من مصالحها الحيوية بالمحيط الهادي.
وفي ختام اجتماعات وزراء خارجية مجموعة آسيان، جدد وانغ يي، أن الأمم المتحدة تعترف بوجود صين واحدة ويتعين على الدول الالتزام بهذا المبدأ، مطالبا بتضافر الجهود لضمان تطبيق مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. كما حذرت الخارجية الصينية نظيرتها الأمريكية من تكرار مثل هذه الزيارات، فيما يقوم الجيش الصيني بمضيق تايوان بأنشطة عسكرية تضم طائرات حربية وسفن، الشيء الذي استفز الجيش التايواني ودفعه للتحرك ونشر منظومات صواريخ لمراقبة الوضع.
وفي تقرير أخير صادر عن مؤسسة راند البحثية الأمريكية، تحت عنوان عودة حرب القوى الكبرى، من إعداد مجموعة من الباحثين في الأمن والسياسة على رأسهم تيموثي هيت وكريستين جونيس. حاول الباحثون من خلال هذا التقرير، الوقوف عند تحليل البيانات الحالية والتاريخية للعوامل ذات الصلة، بالملف الصيني، وجل التوقعات الممكنة مستقبلا.
وكانت نفس المؤسسة قد أصدرت تقريرا سنة 2020، بعنوان استراتيجية الصين الكبرى، أشارت فيه، إلى دخول البلدين في منافسة طويلة الأمد والتي تنبع من احتمالية عدم انسحاب أي منهما من الشؤون الدولية في المستقبل، ولأن كل دولة تنظر للآخر كمنافس لها ومهم، وتشكك بقوة في نوايا وأفعال الآخر.
ويتجلى من خلال التقريرين المتتالينّ، أي في ظرف سنتين، الاهتمام الكبير الذي توليه مؤسسات ومراكز البحث الأمريكية للصين ومستقبل العلاقات الأمريكية الصينية إجمالا، وقد أشار التقرير الصادر حديثا، والذي يرى الخبراء من خلاله سيناريوهين لحرب منهجية بين أمريكا والصين: التصور الأول هو صراع منخفض الشدة يظهر في أنحاء كثيرة من المعمور، عبر الكثير من المجالات، وعلى مدار سنوات طويلة. أما التصور الثاني، فهو عبارة عن حرب عالية الشدة تنجم عن الحرب منخفضة الشدة، ووقوع أعمال عدوانية من جانب الدولتين لتدمير قدرة الخصم على خوض القتال، وهي تحمل في طياتها خطر تصعيد مرتفع للغاية إلى المستويات الأكثر تدميرا.
التقريرين يهدفان لاستكشاف ما تنطوي عليه المنافسة الصينية الأمريكية حتى عام 2050، من خلال التركيز على تحليل الإستراتيجية الصينية الكبرى بجوانبها الاقتصادية، الدبلوماسية، العلمية، التكنولوجية والأمنية، كما يحاول الخبراء تقييم مدى نجاح الصينيين في تنفيذ هذه الّإستراتيجية على مدى الثلاثين سنة القادمة. ويتبنون في ذلك تعريفا استراتيجيا معناه أن الإستراتيجيات الكبرى هي العملية التي تربط من خلالها الدولة الغاية طويلة الأجل بوسائل نحن عنوان رؤية شاملة ودائمة لتعزيز المصلحة الوطنية.
لذلك يظهر أن الصراع الصيني الأمريكي، هو صراع تتشابك فيه المصالح الوطنية والأمنية، وتتشابك فيه الإستراتيجيات الكبرى للقوى العظمى حول فرض الهيمنة دوليا، وهي عبارة عن نزاعات متعددة ومختلفة، لن تكون تايوان الأولى ولا الأخيرة، في مسلسل السباق الصيني الأمريكي على الهيمنة العالمية، وفرض الأمر الواقع على الآخر.