السعودية بحاجة إلى الصين كشريك أمني موازن للولايات المتحدة
(لما تمثله السعودية من دور محوري في التوازن العالمي)
تعزز السعودية دورها المحوري وأهميتها الاستراتيجية إقليميا ودوليا مما يحتم عليها إقامة علاقات متوازنة بين الشرق والغرب، لذلك نشهد نمو العلاقات مع الصين نموا قويا لمواصلة ترسيخ الثقة المتبادلة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وهو ما أكده وزير خارجية السعودية للشؤون الخارجية عادل الجبير إن السعودية لا تقيم علاقات مع دولة على حساب أخرى، وأنها تسعى لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين معا، وفي مقابلة مع شبكة السي أن بي سي الأميركية أن السعودية تفضل بناء جسور التقارب مع جميع الشعوب دون أي تمييز.
ما معناه أن السعودية لا تقيم شراكة مع أي دولة على حساب الدول الأخرى، وأنها ماضية نحو إقامة علاقات موازنة مع الصين لحل مشاكل أمنية في المنطقة، وبشكل خاص حول ملفي إيران واليمن، وهما ملفان مرتبطان بعضهما ببعض، ولن يستمر هذا الملفان وغيرهما في أن يظلا فقط بيد الولايات المتحدة، ولكن تود السعودية أيضا أن تشارك الصين في حل هذين الملفين، لأنه يهدد أمن طريق الحرير الذي تشارك فيه السعودية المتجه نحو أفريقيا بسبب أن التهديد الأمني مشترك بين البلدين، لكنه لا يهدد أمن الولايات المتحدة كثيرا قد ينعكس قليلا على مصالحها في المنطقة.
العهد السعودي الجديد يسعى نحو نهاية الشراكة الحصرية، والتحول نحو الشراكات الاستراتيجية الشاملة، خصوصا وأن الصين سوق ضخم في المستقبل، والصين مستثمر كبير في السعودية كما الولايات المتحدة وهي الشريك الأول الأمني والسياسي، وتود السعودية أن تكون الصين الشريك السياسي والأمني الثاني للسعودية لإنهاء عهد الشراكة الحصرية مع أي طرف.
بعد إعلان السعودية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عراب الرؤية في 2016 اتجه فورا لتعزيز هذه الرؤية أمنيا إلى إقامة قاعدة عسكرية سعودية في جيبوتي لتعزيز التعاون بين البلدين التي ستساهم بشكل إيجابي في مكافحة التهريب والاتجار بالبشر والإرهاب في المنطقة، خصوصا وأن التطورات في المنطقة تؤكد الحاجة إلى إقامة تحالف إسلامي عسكري من أجل تسهيل التنسيق بين الدول الأعضاء لضمان تنفيذ مصالحها الاستراتيجية، ومنع تهريب إيران الأسلحة عبر دول أفريقيا إلى الحوثيين في اليمن الذين يهددون امن اليمن وأمن دول الخليج.
كما أن السعودية لم تعارض إقامة الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي أول قاعدة عسكرية صينية لبكين في الخارج سمتها بكين بإقامة قاعدة لوجستية في جيبوتي التي تحتل موقعا استراتيجيا لإعادة تزويد السفن البحرية المشاركة في مهام حفظ السلام والمهام الإنسانية قبالة سواحل اليمن والصومال على نحو خاص.
ومنذ زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لبكين عام 2019 هدفت الرياض وبكين اللتان تسارعان الخطى تجاه الشراكة الاستراتيجية الكاملة، وأن السعودية تريد خلق شبكة من التوازن، وناقش ولي العهد بجانب التنسيق والتعاون في كافة المجالات على رأسها مكافحة الإرهاب، وأيضا تطرقت المباحثات في الجوانب المتعلقة بالشأن السياسي والأمني، واستعراض آفاق الشراكة الثنائية بين الجانبين في نطاق رؤية 2030 ومبادرة الحزام والطريق.
تم توقيع أول معاهدة صداقة بين البلدين في نوفمبر 1946 رغم أن تمهيد هذه العلاقة بدأت من قبل الرياض عام 1939 ثم توقفت العلاقة بين البلدين لمدة 20 عاما بدءا من 1949 – 1979 ثم عادت العلاقات وتطورت بين عامي 1991 – 1998 توجت بزيارة الملك عبد الله رحمه الله إلى الصين عندما كان وليا للعهد عام 1998، وزارها الملك سلمان حفظه الله في 2014 عندما كان وليا للعهد، ثم أتت زيارة الرئيس الصيني السعودية في 2016 حيث شهد توقيع 14 اتفاقية تنوعت في كافة المجالات التي تم ترقية هذه الشراكة إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، ثم أتت زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 2019 الذي عزز هذه الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
وستكون هناك زيارة مرتقبة للرئيس الصيني للسعودية في 2022 لتعزيز هذه الشراكة الاستراتيجية الشاملة إلى آفاق أعلى، حيث قفز التبادل التجاري بين البلدين من 3 مليار دولار عام 2000 إلى 67 مليار دولار في 2020 تمثل ربع تجارة الصين مع الشرق الأوسط،بينما لا يتجاوز التبادل التجاري بين السعودية وأمريكا في 2020 نحو 20 مليار دولار منها 9 مليارات سلعية سعودية للولايات المتحدة فيما صادرات السعودية السلعية للصين لا تتجاوز 8 مليارات دولار، لكنها قفزت 64 في المائة إلى الصين في 2021، وصدرت للصين نحو 1.67 مليون برميل من النفط يوميا جعلت الميزان التجاري يميل للسعودية ب11 مليار دولار في عام 2021، بينما في 2020 صدرت للصين 39 مليار دولار، واستوردت السعودية من الصين نحو 28 مليار دولار،وهو ميزان تجاري أكبر من الميزان التجاري مع الولايات المتحدة التي تعتبر أيضا شريكا استراتيجيا التي بلغت 37 مليار دولار في 2018 منها 24 مليار دولار صادرات السعودية لأمريكا مقابل واردات بقيمة 13 مليار دولار، لأن السعودية أيضا لديها مصافي لتكرير النفط في أمريكا.
عززت السعودية علاقتها بالصين عبر بناء أكبر مجمع بتروكيماويات في مقاطعة شاندونغ بشرق الصين حيث تتركز 26 في المائة من طاقة التكرير في الصين بسبب أن في الصين نمو اقتصادي هائل.
تأتي زيارة الرئيس الصيني للسعودية في 2022 لها مدلولات عميقة في ظل الاضطرابات التي تعيشها المنطقة بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وزيارة رئيسة البرلمان الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان، مما زاد من الاضطرابات بين بكين وواشنطن، ستنعكس على مستقبل توازن القوى العالمية، لأن السعودية تدرك جيدا التحولات في موازين القوى العالمية.
خصوصا وأن زيارة الرئيس الصيني لنيوم لها دلالات كثيرة على أن السعودية مصممة على الاستمرار في بناء مدينة المستقبل التي يشكك فيها الاعلام الغربي، بينما زيارة الرئيس الصيني تعطي دفعه إلى أن الصين ستشارك في بناء هذه المدينة في جميع مشاريعها العملاقة، وفي نفس الوقت السعودية تدعم مشروع الصين الحزام والطريق وهو بمثابة توجه اقتصادي مشترك بين الجانبين، لتعزيز دورها وبما تمثله من دور محوري في التوازن العالمي.
**أستاذ بجامعة ام القرى