خطاب ملكي يشكل إطارا مرجعيا جديدا لعلاقات المملكة المغربية مع العالم
بقلم: البراق شادي عبد السلام
خطاب الذكرى 69 لثورة الملك والشعب يؤسس لبراكسيس جديد لتعامل الدولة المغربية مع ملفات جد مهمة كملف الوحدة الترابية للمملكة المغربية و ملف مغاربة العالم و دورهم المحوري المنشود كجزء من الجبهة الداخلية في إطار تدبير المخاطر و المؤامرات التي تستهدف المملكة المغربية ،خطاب يؤسس لعقيدة جديدة للسياسة الخارجية للمملكة و على أساسها ستحدد بوصلة التوجهات الاستراتيجية للشراكات السياسية و الاقتصادية و التجارية مع جميع دول العالم.
و يشكل إطارا مرجعيا جديدا لإعادة تموقع مغاربة العالم في المعادلات التنموية بالمملكة .
براكسيس جديد ينطلق من تشخيص دقيق يروم تقديم رؤية واقعية و حلول عملية و علمية تؤسس لبرامج و إستراتيجيات وجب العمل على إخراجها و تنزيلها على أرض الواقع من طرف كل الفاعلين .
▪️الصحراءالمغربية :
” أوجه رسالة واضحة للجميع : إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات.”
خطاب جلالة الملك محمد السادس .
هي رسالة مسؤولة واضحة من المملكة المغربية بأن قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية بالنسبة للمغرب في علاقاته المستقبلية و الحالية مع باقي دول العالم يحب أن تكون عابرة للمواقف و لا تتأثر بالظروف الإقليمية، ولا بالتطورات السياسية الداخلية أو التغيرات الجيوسياسية والإنتخابية للدول الشريكة و الصديقة أو تلك التي تريد الإنخراط في شراكات مستقبلية للمغرب .
الموقف من الوحدة الترابية للمملكة المغربية اليوم أصبح محوريا في السياسة الخارجية و عاملا أساسيا لطبيعة العلاقات الديبلوماسية بمختلف أشكالها للمغرب مع باقي دول العالم و
“بشكل خاص من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل.” نص الخطاب الملكي .
المملكة المغربية كقوة إقليمية في منطقة غرب المتوسط و شمال غرب إفريقيا و الساحل وكشريك أساسي في الحفاظ على الأمن الإقليمي بتعدد المخاطر و التحديات تفرض رؤيتها الخاصة المرتبطة بسيادتها الكاملة و بأمنها القومي و الأمن الإقليمي ، و لن تسمح لأي جهة بالعبث معها أو التلاعب بموقفها من الصحراء المغربية لإبتزاز المغرب و فرض أجندتها الخاصة عليه .
مجموعة من الدول مطالبة اليوم بتقديم موقف واضح صريح و مسؤول بشكل جدي و بدون مواربة و غير قابل للتأويل حول الوحدة الترابية للمملكة المغربية لأنها أصبحت تشكل منعطفا أساسيا في ترسيخ المسار الديبلوماسي مع أي دولة في العالم ، المنطقة الرمادية أصبحت متجاوزة و المواقف المرتعشة غير مقبولة من طرف العاصمة الرباط ، اليوم هناك واقع جيوسياسي جديد تكرسه الوقائع على الارض تتمثل في نجاعة مسار ” دبلوماسية القنصليات ” التي أصبحت ورقة أساسية في ترافع المملكة المغربية من أجل الدفاع عن وحدتها الترابية.
جلالة الملك أكد على ضرورة تقوية الجبهة الداخلية من أجل الدفاع عن وحدتنا الترابية و لن يتأتى لنا ذلك إلا بالإنخراط الجدي و المسؤول للقوى الحية في المجتمع المغربي، من أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني، من أجل التعبئة الشاملة للتصدي لكل مناورات خصوم الوحدة الترابية.
ساعة الحسم السياسي مع ميليشيا البوليساريو الإرهابية أصبحت قريبة جدا ..و حقيقتها كجماعة إرهابية أصبح من الصعب إخفاؤها بالشعارات الرنانة و الأكاذيب و التضليل و الحروب الإعلامية الفاشلة ..
اليوم المملكة المغربية تقدم في الأقاليم الجنوبية نموذج تنموي إنتقل بالصحراء المغربية من مداشر صغيرة و خيام في الصحراء إلى مدن عصرية ببنية تحتية متكاملة و مستدامة و موانئ و مطارات دولية تضع الإنسان كأولوية أساسية في التنمية .
▪️مغاربة العالم :
الخطاب الملكي يدعو لوضع إستراتيجية جديدة لتعامل الدولة المغربية ومؤسساتها مع مغاربة الخارج بإعتبارهم جزءا لا يتجزء من الجبهة الداخلية في إطار التحديات الجيوستراتيجية التي تواجه المغرب داخليا و خارجيا و ضرورة تشجيعهم للإنخراط بشكل كامل في ترسيخ مسار التنمية وفق إستراتيجية تنموية تضع الإنسان في قلب جميع المعادلات التنموية المطروحة .
إستراتيجية تهدف لإدماج مغاربة العالم بشكل كامل فـي المعادلات التنموية بالمغرب وتسهيل وتعزيز مساهمتهم في بناء الدولة الإجتماعية عن طريق تغيير النموذج الحالي و القطع مع الصورة النمطية المتوارثة التي تعتبر المغاربة المقيمين بالخارج مصدرا للعملة الصعبة فقط ، يستمدون مكانتهـم داخل النسيج المجتمعي مـن كونهم مكسبا ماليا خام لصالح منطق مجتمعي جديد و رؤية إقتصادية متجددة بروح إستثمارية تبتعد عن منطق الرأسمال الجبان بمبدأ ” رابح – رابح “، الذي يعتبر مغاربة العالم فاعلين أساسيين في تنمية البلاد .
الإستراتيجية الجديدة التي يدعو لها جلالة الملك بلغة صريحة و بتشخيص دقيق تهدف لتحويل إسـتثمارات مغاربة العالم ، التي تقتصر حاليا على تحويلات العملة الصعبة بهدف تضامني دون فائدة إقتصادية مستدامة ، إلى مشاريع إستثمارية قوية ذات قيمة مضافة عالية ، تكون لها نتائح مباشرة على سوق الشغل و المسار التنموي بشكله الشمولي، لأجل تحقيق هذه المقاربة فإن الدولة تعمل على تحسين مناخ الاستثمار بإعتباره ضرورة أساسية من خلال العمل على إدماج مغاربة العالم في البرامج التي يوفرها الميثاق الجديد للإستثمار و العمل على تسريع تحديـث الإدارة وتطوير الخدمات الموجهة لفائدة مغاربة العالم والتخفيـف مـن القيود التي لاتزال قائمة على مستوى الإطار القانوني والضرائب وحقوق الملكية وتمويل الشركات،
و إعتماد سياسة تواصـل استباقية اتجاه مغاربة العالم لتوضيح الإطار التنظيمي والإجرائي الوطني وتقديم معلومات مفيـدة عـن فـرص الاستثمار في المغرب حسب الجهات والقطاعات و ضرورة اعتماد آليات الاحتضان والمواكبة والشراكة من قبل القطاع المالي و المصرفي المغربي .
المقاربة التي يدعو لها صاحب الجلالة الملك محمد السادس ستشكل دفعة قوية من أجل إنجاح الالتقائية والتكامل وتعزيز الحكامة ، وتجويد منظومة الخدمات القنصلية لفائدة المغاربة القاطنين بالخارج وتعبئة كفاءاتهم وخبراتهم خدمة للتطور السوسيو اقتصادي لبلدنا تماشيا مع التوجهات التي تضمنتها الخطب الملكية السامية ، التي تشكل ” قناة تواصل مباشرة مع المغاربة لتحديد الأولويات والمقاربات ، وطرح رؤى وتصورات لإحداث التغيير المنشود في مختلف المجالات .
وهو ما عبر عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه :
“نجدد الدعوة للشباب وحاملي المشاريع المغاربة، المقيمين بالخارج، للاستفادة من فرص الاستثمار الكثيرة بأرض الوطن، ومن التحفيزات والضمانات التي يمنحها ميثاق الاستثمار الجديد.”
مأسسة وتعزيز العرض التربوي والثقافي عبر إجراءات وتدابير
مبتكرة لتعزيز الروابط الوطنية بين مغاربة العالم و أرض الوطن تمر عبر تغيير العرض الثقافي النمطي الكلاسيكي الذي تجاوزه التاريخ المخصص لهذه الفئة العزيزة على كل مغربي و مغربية ، بالاقتصار على بعض المكونات التقليدية لرأس المال اللامادي المغربي ( الفولكلور وفـن الطبخ والموسيقى) من خلال مقاربة قائمة على القوة الناعمة والانفتاح على المستقبل عبر تثميـن الأدوات الرقمية وإستغلال التراث الحضاري و التاريخي و الطبيعي المتنوع من خلال تطوير أفلام ومسلسلات عن التاريخ المغربي العريق المجيد الذي يبعث في روح المغربي أينما كان روح الإعتزاز و الإفتخار بتمغربيت .
نقطة مهمة أثارها خطاب جلالة الملك تمثلت في أن ربط العلاقات وفق منظور هيكلي بين المغرب و اليهود المغاربة في العالم هو خيار دستوري إستراتيجي لا علاقة له بالظرفية السياسية أو توازنات إقليمية كما يروج البعض .
بل هو خيار إستراتيجي يروم فتح قنوات التواصل و التكامل و الشمول لأجل تمكين المغاربة اليهود من لعب دورهم كاملا في الرقي ببلادنا والدفاع عن مصالحها و الترافع عن قضاياها .
وهو ماكرسته مؤخرا جهود المملكة لتأسيس منظومة جديدة تؤطر وجود الرافد العبري في الثقافة المغربية عن طريق إحداث مجموعة من الهيئات، المتمثلة في المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية ولجنة اليهود المغاربة بالخارج ومؤسسة الديانة اليهودية المغربية، هذه المؤسسات ستساعد لا محالة في النهوض بالتراث اللامادي اليهودي المغربي وتعزيز الإشعاع الثقافي للديانة اليهودية وتقوية أواصر ارتباط يهود العالم بالوطن الأصلي.
الخطاب هو دعوة صريحة للجميع بالإنخراط الجدي لبناء مغرب متعدد منفتح بفكر وسطي معتدل قادر إلى إستيعاب كل مكوناته وفق توافق مجتمعي تؤطره الملكية المواطنة و مؤسسة إمارة المؤمنين بإعتبارها الضامن للأمن الروحي للمغاربة بجميع دياناتهم . و هو ما أكد عليه جلالته في خطاب الذكرى 65 لذكرى ثورة الملك و الشعب 20 غشت 2019 : “إننا نتطلع …. لإنبثاق عقد إجتماعي جديد، ينخرط فيه الجميع: الدولة ومؤسساتها، والقوى الحية للأمة، من قطاع خاص، وهيآت سياسية ونقابية، ومنظمات جمعوية، وعموم المواطنين”.
**خبير في إدارة المخاطر و تدبير الأزمات