أخبارفي الصميم

من مظاهر النخبة المريضة..أشباه المثقف والفنان والسياسي

بعد مخاض عسير وكتابات عديدة حول المثقف والثقافة ورهانات التعليم، والأزمة التي يتخبط فيها المثقف والمدرس والمفكر، وصراعه الدائم مع النخب السياسية ومع المجتمع نفسه، وأيضا الوضع الذي أصبحت تعيشه الكثير من الجامعات والمجتمعات العربية، والمستوى الذي وصلته، لم يحن الوقت بعد لنضع الأمور على محمل الجد، لنبحث عن جذور الأزمة ونصل لتوافق بشأن هذه المعادلة الصعبة.

بقلم : عبدالله العبادي

في أولاد حارتنا لنجيب محفوظ هناك مشهد يلخص الواقع العربي برمته، حين اجتمع الجميع حول عرفة المتعلم، رمز العلم والمعرفة وحفروا له حفرة عميقة ورموه فيها، واحتفلوا بدفنه. هنا تتوقف الذات وهي ترى نفسها تغتال، تموت على أيادي من كانت تؤمن أنها تعمل لإحيائهم، رمزية كبيرة ومشهد تاريخي يلخص مشكلة أجيال عديدة مع الفكر والعلم والمتعلم.

يقول بيرتراند راسل، “يمكن للمجتمعات أن تكون جاهلة ومتخلفة، ولكن الأخطر هو أن ترى جهلها مقدسا”.

الأكيد أن أشباه المثقفين أغرقت السوق المحلية بالتفاهات، فراحوا يمرحون على هوامش الأدب والصحافة والرواية والسينما والسياسة … إنهم فعلا مثقفو الزمن الرديء، كرست وجودهم شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي، وزكى حضورهم وجود إعلام تافه، أعطاهم الكلمة ليصبحوا نجوما ومؤثرين، فهم يفهمون في كل شيء وأصبحوا علماء كل تخصص.

يفسرون الحرب الروسية الأوكرانية، خلفياتها وأسبابها، وعلاقة الصين بمهرجان ساوباولو، ويفتون في الدين، إنهم بارعون في كل شيء، يفسرون لك لقاءات الرابطة الأوروبية، على كرسي في مقهى وسيجارة وفنجان قهوة بارد، أفضل من تحليل المدربين العالميين، وينتقدون الأداء الرياضي والحكومي وخرجات جون بايدن.

يحدثوك عن طريقة تربية الأطفال، وينصحوك في الزواج واحترام الزوجة والوالدين، يعطوك دروسا مجانية في الأخلاق، ومجتمعنا يتفكك يوما بعد يوم، يفسرون لك ظاهرة الطلاق ويعطونك الدوافع والأسباب والنتائج، فما حاجتنا لعلماء اجتماع إذن، لدراسة الظاهرة، فنحن لدينا قطيع من التافهين يحلل ويحرم كما يشاء ويوزع صكوك الغفران على من شاء.

تبا لهذا التيهان الذي نعيشه ! وتبا لمجتمع معاق أضاع بوصلة الطريق !

وفئة المثقفين الهامشيين إن لم أقل التافهين، تعتبر عنصرا أساسيا ضمن هذا القطيع، فهم يعيشون حسب ظروف التعايش والانسجام مع الوضع العام وخصوصا السياسي، هم أولئك الذين يغيرون مبادئهم وأفكارهم كما يغيرون ملابسهم. لا رأي لهم، بل لهم آراء تتغير وتتجدد باستمرار، إنهم بلا رأي. فهم يحبون العيش في الماء العكر، لأنه يُسهّل عليهم الاصطياد، يكرهون الأضواء، حتى لا تنكشف حقيقتهم، ولا يحبون سطوع الشمس، حتى لا يظهر زيفهم، إنهم رواد مناطق الظل والظلام.

إنهم يصرخون تارة ويبكون تارة أخرى، يلعبون على أحاسيس الناس، في مجتمع يغلب عليه طابع المشاعر أكثر من المنطق، ليكسبون عطف العامة، ويربحون شهرة التوسع والانتشار والبوز وربح المال. إنهم كارثة بكل المقاييس، وخطر على مستقبل الثقافة والفن والسياسة، لا مشاريع لهم سوى نشر الخزعبلات والتفاهات التي تدمر عقول أجيال بأكملها، وتحكم على مجتمعاتنا بأن تظل معاقة للأبد.

على منابر عديدة، يتفوه الفقهاء بأمور لا علاقة للدين بها ولا علاقة لها بالدين، فقط اجتهادات غير محسوبة العواقب من طرف البعض، خرجات إيمانية تنتقد أمورا لا علاقة لها بصاحبها ولا يفهم فيها، لكنه يفتي فيها. يدافع عن العربية هو لا يتقنها، وينتقد اللغات الأجنبية وهو لا يتحدث ولو واحدة منها، ينتقد المجتمع الغربي، انطلاقا مما يراه في أفلام الأكشن الأمريكية وهو لم يزر أبدا بلدا من الشمال، لكن وبثقة تامة سيحدثك عن مساوئ العيش في المجتمع الغربي.

العديد من أشباه هؤلاء المثقفين، يدافعون عن أمور عديدة من منطق ثقافة الكراهية للآخر، لا يجيدون الحديث عن السلم والسلام والتعايش وحب الآخر. كثيرون منهم يعتبرون أنفسهم أوصياء على قضايا المجتمع، لكنهم في الواقع لا يفهمون أي شيء عن ظواهر المجتمع وحياة الناس. فكلهم ينتقدون رمي القمامة بالشارع والكثير منهم يفعلون، يريدون مجتمعا صالحا وهم أولى بالنقد والصلاح، لأن صلاح المجتمع من صلاح الفرد.

يحدثونك عن شح الأمطار والجفاف، ويحدثوك عن النساء في الشوارع، ويسردون لك قصة التلاقي والأسباب والمسببات، يحدثوك عن جيل جديد لا يسمع ولا يحترم، ونسوا أنهم ثمارنا نحن، ونحن من ربيناهم، وهو أبناء هذا المجتمع، ولم تأتي بهم مياه السيول صدفة. لا يتعبون من الحديث، ولا يكلون من الجدال، على حافات المقاهي لساعات طويلة، إنهم فعلا أصحاب وقت ضائع وطويل.

الكثير منهم يفسر لك أزمة التعليم، والسبب اللغات الأجنبية ومجاراة الغرب، الكثير منهم يتحدث بحماس ويشكر اليسار وهو عبد لأصحاب رؤوس الأموال ومن يدفع أكثر. فعلا، لا دين ولا ملة ولا مبادئ لهم، فقط أشباه كل شيء.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button