عمر المختار، أسد الصحراء ورمز الكفاح
“يستطيعُ المدفع إسكات صوتي .. ولكنه لا يستطيع إلغاء حقي , وأنا على يقين أن حياتي ستكون .. أطول من حياة شانقي”، هكذا تحدث الأسد، بعد إلقاء القبض عليه في جبال ليبيا وقد تجاوز السبعين، لكنه لا زال يحمل بندقيته ويحارب الجيوش الإيطالية المدججة بالأسلحة الثقيلة والمتطورة. إنه عمر المختار، المقاوم ورمز الكفاح والمقاومة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي. واحد من أشهر رجالات النضال ضد المستعمر في العالم.
ولد عمر بن مختار بن عمر المنفي الهلالي سنة 1862 بقرية زاوية جنزور في برقة شرق ليبيا، مات أبوه وهو طفل، اتجه لحفظ القرآن الكريم في مسجد القرية، ثم ما فتئ أن اتجه إلى واحة جغبوب لينهل من دروس التفسير واللغة العربية على أيدي كبار المشايخ هناك وعلى رأسهم المهدي السنوسي.
وفي الثلاثينيات من عمره، عينه المهدي السنوسي شيخا لبلدة زاوية القصور بالجبل الأخضر، وهناك لُقب ب “سيدي” وهو لقب يطلق عادة على مشايخ الزاوية السنوسية. وفي رحلته هذه بين طلب العلم والتقرب من كبار المشايخ آنذاك، حضي عمر المختار بثقة أساتذته ورفاقه.
بفضل السمعة الطيبة التي حضي بها أسد الصحراء بمنطقته، فقد عينه المهدي السنوسي نائبا عنه بالسودان، حيث كانت تحظر الزاوية السنوسية بقوة، وتم تعيينه شيخا لزاوية عين كلك، وأقام في منطقة قرو غرب السودان.
فقد كانت السودان من المحطات التي صقلت شخصية المختار، فزاد علمه واحتكاكه بالناس والمجتمعات، ففي طريق الرحلة إلى السودان، يحكي مرافقوه، أن أسدا هاجمهم وعوض أن يتركوا له جملا لينجوا بأنفسهم، امتطى عمر المختار حصانه وحارب الأسد حتى هرب، وهناك لقبوه بأسد الصحراء.
وفي سنة 1902 مات المهدي السنوسي، أحد كبار الزاوية السنوسية، فعاد المختار إلى برقة، ليشغل من جديد منصب شيخ بلدة زاوية القصور، تحت إمرة الإمبراطورية العثمانية التي كانت تحكم ليبيا آنذاك. بعد أقل من ست سنوات، سيأتي الخطر البريطاني من الشرق، إذ يخوض عمر المختار وبعض المقاتلين معركة السلوم عام 1908 ضد الجيش الإنجليزي على الحدود المصرية الليبية وبالضبط في مناطق البردية والسلوم ومساعد المتاخمة للحدود.
فكانت من بين أولى المعارك التي يشارك فيها عمر المختار، لكن بلدة السلوم وقعت في أيدي البريطانيين. وقبله، قاتل عمر المختار إلى جانب إخوانه من الزاوية السنوسية، في حرب ضد الفرنسيين بجنوب السودان. كما قاتل الفرنسيين أيضا في مناطق تشادية بعد دخول الفرنسيين إليها سنة 1900.
في سن الثالثة والخمسين، سيدخل عمر المختار حرب المقاومة ضد الاستعمار الإيطالي، ففي سنة 1911 ستعلن إيطاليا، الحرب على الدولة العثمانية، وفي السنة الموالية أي في سنة 1912 ستعلن إيطاليا ليبيا مستعمرة إيطالية.
وبدأ عمر المختار ورفاقه النضال ضد جيوش روما، نضال لم يكن متوازنا لا من حيث العدة ولا العدد. لكنه استمر لعقود، فقد قاد عمر المختار جبهات القتال في معارك درنة في ماي سنة 1913 التي دامت يومين، وانتهت بمقتل 70 جنديا إيطاليا وإصابة نحو 400 آخرين، ومعركة منطقة بوشمال عند عين مارة شهر أكتوبر سنة 1913، كما قاد أيضا معارك أم شخنب وشلظيمة والزويتينة في فبراير سنة 1914.
وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى وبالضبط سنة 1922، وصل الفاشيون للحكم في روما، فأحكموا السيطرة على المناطق الليبية، فاشتدت الحرب وكثرت العمليات العسكرية لجيش روما، إلا أن المقاومة الليبية لم تستلم، واستمرت في كفاحها بقيادة عمر المختار. حاولت روما قطع طرق الإمدادات من الشرق فأحكمت سيطرتها على جغبوب، لكن هذا لم يمنع المقاتلين الليبيين من إيجاد طرق إمداد أخرى.
ومع تصاعد وثيرة المقاومة الليبية، سيقوم موسيليني سنة 1929 بتعيين القائد بادوليو حاكما عسكريا على ليبيا. ودخل القائد الجديد في تفاوض مباشر مع أسد الصحراء، انتهت الاتفاقية بإبرام هدنة لمدة شهرين، ومن شروط الهدنة، عودة إدريس السنوسي والخروج من جغبوب، وإطلاق سراح المعتقلين، إلا أن الإيطاليين لم ينفذوا بنود الاتفاقية. الشيء الذي دفع رجال عمر المختار، لتكثيف الهجمات على الجيوش المستعمرة.
وفي سنة 1931 سيعين موسيليني حاكما عسكريا جديدا لليبيا وهو الجنرال غراتسياني، الذي سيقود حربا شرسة ضد المقاومة الليبية، فسقطت منطقة الكفرة معقل المقاومة، وتم تشديد الخناق على عمر المختار ورجاله. وفي 11 شتنبر من نفس السنة سقط المجاهد أسيرا في أيدي الجيوش المستعمرة، وبعدها بثلاثة أيام وصل الجنرال غراتسياني إلى بنغازي، لتعقد المحكمة جلستها في اليوم الموالي وتحكم على قائد المقاومة بالإعدام شنقا، بعد أن رفض كل المساومات.
وفي صباح يوم 16 شتنبر سنة 1931 سيعدم أسد الصحراء أمام الملأ، فلم يستسلم صاحب مقولة إننا نقاتل لأن علينا أن نقاتل في سبيل ديننا وحريتنا حتى نطرد الغزاة أو نموت نحن، وليس لنا أن نختار غير ذلك إنا لله وإنا إليه راجعون. وحين نطق القاضي بالحكم، ضحك المختار وقال له، الحكم حكم الله لا حكمكم المزيف.
فرغم إعدام الرمز الأول للمقاومة إلا أن رفاق الكفاح قادوا الثورة من بعده، فقد قال المختار قبل إعدامه: “نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه”. نعم كان كذاك حتى تحررت ليبيا واستقلت سنة 1943.