هكذا تتعامل جل الحكومات المتعاقبة مع متطلبات المواطن، باللامبالاة والاستخفاف، جل الوزراء يتسابقون لتوظيف الأقارب وضمان المقربين في مراكز مهمة في الدولة، وحين نقول المقربين فهم مقربون بالدم والحزب، فكل قيادي أو حزب ما، يسعى لتوطيد وجوده في هياكل الدولة. الأمر الذي يجعل عمل الوزارات، لا يمشي بالسرعة المطلوبة أو الاستجابة، في الزمان والمكان، لمتطلبات المواطن بالشكل الصحيح، فكم من وزير قضى سنته الأولى فقط في تدبير ملفاته الخاصة والصفقات تحسبا لأي تعديل حكومي يعصف به خارج الحكومة.
تفويت صفقات من بعض الوزراء لمكاتب خاصة لوزراء آخرين، أو توظيف المقربين، أو تفويت أراضي بأثمنة خيالية لبعضهم البعض، خير دليل على الريع الذي نعيشه البارحة واليوم. لا شيء تغير، رغم تغير الأشخاص، أهي تربيتنا هكذا، هل في دمنا كريات فساد؟
فساد بعض السياسيين، ليس وليد اللحظة بل يظهر جليا من خلال تاريخهم الحزبي وأيضا من خلال الوظائف التي شغلوها من قبل، ووصولهم للوزارات، يعد بالنسبة إليهم فرصة لا تتكرر، فيبدأ الاستغلال والاستبداد إلا من رحم ربي.
الغريب في الأمر، أنه بعد كل فضيحة وزارية تتعالى بعض الأصوات التي تدعو للمراقبة والمحاسبة، ثم تهدأ بعد ذلك، ويعود نفس الشخص ليرتكب فضيحة أخرى، وهذا هو الاستخفاف المركب، استخفاف بالقانون وبالمواطن وبالوطن. وهو الطريق المعبد للاستبداد والاستغلال الفاحش للسلطة والحصانة، والاغتناء الغير المشروع، وتبذير المال العام بدون رقيب ولا حسيب.
ولعل ما نراه اليوم، من تصرفات بعض السياسيين، هو قمة العبث بمصالح الوطن والمواطنين، وخيانة للأمانة ولشرف تمثيل المجتمع. مشاهد ذلك كثيرة تتعلق بوعود كاذبة وخرجات بهلوانية وخطابات سياسية جوفاء المظهر والمضمون، تعطينا الصورة الشاملة للمشهد السياسي ببلادنا اليوم. وحين يتحدثون عن السياسات المتبعة للحد من الأزمة فإنهم لا يتحدثون في الحقيقة عن خطوات جريئة لتخفيف مأساة المواطن، بل فقط يذكروننا بالأزمة العالمية ومشاكل الطاقة وتبعاتها، لا أحد يعطينا حلا فوريا وآنيا لمشكلة الطاقة أو تصور واضح للاستراتيجيات الطاقية التي يجب أن نتبعها حتى لا نكون مرة أخرى ضحايا السوق العالمية.
الحرب الروسية الأوكرانية، أظهرت ضعف الفلاحة الوطنية في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب، خصوصا في ظل تحولات مناخية قاسية أرخى الجفاف بظلاله على المنطقة، ولا أحد يحدثنا عن السياسات المائية التي يجب أن نتبعها لمعالجة أزمة نقص المياه والاستعداد لمواجهة ربما أزمات جفاف أخرى في ظل الاحتباس الحراري ومشاكل التلوث والبيئة.
كل تلك المغالطات التي نسمعها في الحملات الانتخابية، والوعود الكاذبة، في نهاية المطاف هي خطابات عبثية، أبعدت الناس عن العمل السياسي وعن المشاركة في التصويت. فالسياسة في الواقع هي الاهتمام بالحياة اليومية للناس بالدرجة الأولى، هي توفير العمل والصحة والتعليم بأقل تكلفة. هذه هي السياسة الواقعية والتي يجب أن تكون بعيدا عن الشعارات والمزايدات بين الأحزاب، والكل أصبح يعرف هذه اللعبة، التي تنتهي بعدم الالتزام بالوعود.
والعجيب، أن جل هؤلاء الوزراء، هم نفسهم من سيعطون النصائح لوزراء آخرين ،غدا، في مشهد مؤلم لحالة الاستخفاف التي يعيشها الفعل السياسي اليوم، سنراهم برلمانيون غدا أو في المعارضة ويتحدثون عن ما يجب فعله وينتقدون بشتى الطرق بعضهم البعض في مشهد يشبه السيرك إلى حد كبير.
نتمنى أن تكون لوزاراتنا الجرأة على اتخاذ قرارات تخدم الوطن أولا، وتخدم المواطن حتى ينعم هذا البلد بالأمن والأمان، فهذه هي مسؤوليتكم أمام الله وأمام الوطن. تحديات كبيرة تواجهنا اليوم داخليا وخارجيا، الحمد لله خارجيا وبفضل السياسة الرشيدة لصاحب الجلالة، فالدبلوماسية المغربية حققت إنجازات غير مسبوقة، لكن داخليا تبقى الحكومة بعيدة كل البعد عن الأهداف المتوخاة والمسطرة، لحل العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العالقة.
كاريكاتير: أطرش في الزفة