ينظر الرئيس بايدن إلى الاتفاق النووي مع إيران ضمن حساب التوازنات في الاتفاق النووي مع إيران، حيث هناك الكونغرس، والسعودية التي ترفض أي اتفاق دون ضمان وقف نشاط إيران الإقليمي، وإسرائيل التي تقود حملة مكثفة لإقناع دول غربية تتقدمها الولايات المتحدة بالامتناع عن عبور الأمتار الأخيرة الفاصلة عن إحياء الاتفاق النووي الإيراني في وقت بلغت فيه المباحثات بين طهران والقوى الكبرى مرحلة من التسويات والتنازلات يعتقد أنها تجعل التفاهم وشيكا، ولا زالت إسرائيل مستمرة في ضرباتها لمخازن أسلحة في غرب سوريا تابعة لحزب الله كان آخرها في بلدة مصياف سقط نتيجتها 5 قتلى من بين القتلى أربعة جنود في 25/8/2022، أتت بعد أعنف ضربة أتت في أبريل 2022 نتج عنها مقتل 10 مقاتلين، وكانت هناك ضربة أمريكية وهي الثالثة منذ تولي بايدن رئاسة البيت الأبيض كانت ضربات لمخازن للحرس الثوري في شرق سوريا في دير الزور بحجة حماية القوات الأمريكية في 23/8/2022.
وبين أوربا المتعطشة للطاقة التي تأمل في هذا الاتفاق، حيث يمكن أن تضخ إيران 50 مليون برميل نفط متوقفة في أعلي البحار، بجانب ضخ يوميا 4 ملايين برميل لأنها تمتلك احتياطيات تقدر بنحو 157 مليار برميل من أجل خفض التضخم المرتفع في الدول الأوربية، وهو الأعلى منذ خمسة عقود، لكن السعودية ردت بأن أوبك بلس سيقدم على خفض الإنتاج بما يتوافق مع حاجة السوق العالمي، ما يعني أن هذا التسارع بلا أفق واضح لن يفيد في معالجة أزمة قائمة في أوربا أو لمعالجة التضخم، ومن يمتلك أسس سوق النفط السعودية.
ليس هذا فحسب، بل إن المندوب الروسي صرح بان أي طرف في الاتفاق النووي له الحق في طلب تغييرات على النص، وتدرك الولايات المتحدة أيضا أن روسيا لن توقع على هذا الاتفاق حتى يتم تسوية الملف الأوكراني، ورفع العقوبات عن روسيا، فهي تربط الملف النووي الإيراني بالملف الأوكراني، ويصبح هنا الكونغرس الأمريكي والسعودية وإسرائيل وروسيا، يتبق فقط الاتحاد الأوربي المتعطش للطاقة نتيجة الأزمة في أوكرانيا، لكن ليس في يده قرار بل القرار في يد الولايات المتحدة.
ووفق المتداول وضع الطرفان جانبا حاليا طلب شطب اسم الحرس الثوري من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية، بينما يتم الحديث عن ليونة متبادلة في الملف المفتوح من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن مواقع غير معلنة يشتبه بانها شهدت أنشطة نووية، على الرغم من أن اتضاح هذه الصورة نهائيا بشأن هذه المسألة، فيما السعودية تركز على أنشطة إيران الإقليمية،كذلك يهم إسرائيل الملف النووي الإيراني وأيضا الأنشطة الإقليمية في سوريا ولبنان بشكل خاص.
بالطبع ملف الصواريخ البالستية يهم الجميع إذا استمرت أنشطة إيران المزعزعة في المنطقة فإنها تمثل تهديد لسلم المنطقة، وإذا لم يتم معالجة مخاوف المنطقة بجانب الملف النووي من أنشطة إيران الإرهابية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، فإنها ستمنح إيران 100 مليار دولار سنويا ستدعم فصائلها في المنطقة لتقويض الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتنشر الرعب في جميع أنحاء العالم، خصوصا إذا طبق بايدن نظرته بمنع إيران من الحصول على النووي فقط، بل حتى النووي الإيراني لم يلحظ في الاتفاق التخلص بالكامل من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية المتطورة لتخصيب اليورانيوم، سيسمح لإيران استخدامها متى ما شاءت أو أتتها فرصة سانحة.
الأوربيون بسبب تعطشهم للطاقة بعد أزمة أوكرانيا يحاولون استباق لجوء روسيا وإيران إلى تحقيق كارتيل للغاز على غرار أوبك بلس، وسبق أن وقعت روسيا وإيران في يوليو 2022 مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار مع إيران التي وقعتها شركة غازبروم والشركة الوطنية الإيرانية للنفط على أنها نقطة انطلاق لتميكن روسيا وإيران من تنفيذ خطتهما طويلة الأمد لتكونا مشاركتين أساسيتين في الكارتيل، مع رغبة الطرفين أن تكون قطر القطب العالمي الثالث في أوبك للغاز لأنهم الثلاثة يمثلون 60 في المائة من احتياطيات الغاز في العالم حيث تمتلك روسيا احتياطيات تقدر بنحو 48 تريليون متر مكعب وإيران نحو 34 تريليون متر مكعب وقطر نحو 24 تريليون متر مكعب، لكن العقبة الوحيدة أن قطر حتى الآن لم توافق على الانضمام، حيث تشترك قطر مع إيران في خزان تبلغ مساحته 9700 كيلو متر مربع ويضم على الأقل 51 تريليون متر مكعب من الغاز ونحو 50 مليار برميل من المكثفات الطبيعية، وتوصلت قطر إلى اتفاق جديد مع طهران في 2017 حول هذا الحقل لكنها ترفض اغضاب أيا من المحورين.
بعد الضغط السعودي والإسرائيلي اتجه الرئيس بايدن إلى التواصل مع المستشار الألماني شولتس والرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ناقشت اللجنة الرباعية المفاوضات الجارية للتوصل على اتفاق بما في ذلك الحاجة إلى تعزيز الدعم للشركاء في منطقة الشرق الأوسط وفق لملخص مكالمة هاتفية يوم 21/8/2022 وفي نفس الوقت تحدث القادة الأربعة عن جهود مشتركة لردع أنشطة إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار، والسعودية أوقفت الحوار المرتقب بين وزراء الخارجية السعودي والإيراني في بغداد بحجة أن الوضع في العراق غير مستقر، لكنه اختبار لإيران بتنفيذ مطالب السعودية بوقف دعم الحوثيين وبقية المليشيات في المنطقة العربية.
وبرفض السعودية الاشتراك في ناتو عربي بجانب إسرائيل لضرب إيران أثناء زيارة بايدن للسعودية حتى لا تتحجج إيران من أن إسرائيل كما تروج إسرائيل نفسها من أنها مظلة دفاعية مع دول الخليج، ما يجعل إيران تصر على بقاء صواريخها البالستية خشية تعرضها لهجمات سيبرانية وقد يدفعها إلى تبرير تعزيز قدرات الحوثي ضد السعودية.
يعتبر الاتحاد الأوربي أن رد إيران في 15/8 2022 الذي اعتبره الاتحاد الأوربي رد بناء من إيران بعد عمليات الاغتيالات بحق العلماء وعسكريين إيرانيين في الداخل دون رد، واستمرار انتقادات التيار الإصلاحي الذي يرجع فشل العديد من الملفات إلى الحكومة الحالية، بخلاف الاحتجاجات التي شهدتها مدن إيرانية في مايو ويونيو من 2022، ومنها ما هو مرتبط بشح المياه خاصة في مدن الجنوب، وأزمة استمرار انقطاع الكهرباء عن مدن جنوب غرب البلاد.
فإيران تحتاج إلى هذا النصر لامتصاص غضب الشارع الإيراني، بجانب حلحلة بعض الملفات الخارجية لجذب استثمارات جديدة، رغم تنازلات إيران بالجملة التي لم يتوقعها أحد من قبل إلا أن الإدارة الأمريكية ظلت متكتمة بشأن موقفها من وجهة نظر إيران، ما تطلبه إيران من الولايات المتحدة فقط ضمان الاتفاق أو دفع الثمن إذا انسحبت مرة أخرى.