في بداية هذه المقالة، أتوقف عند كلمتين قالهما الراحل الحسن الثاني رحمه الله، وهي كلمات من حكيم ومحنك، فقد قال يوما متحدثا عن الشعب التونسي: تونس لا يمكن أن تنهار؛ لأن شعبها مثقف ومتماسك، وأضاف أن تونس لها أصدقاء أوفياء؛ مستعدون للدفاع عنها إعلاميا وعسكريا. في كلمة ثانية تحدث الملك الراحل عن الجار في إحدى خطاباته التي ستظل دوما و أبدا راسخة في الأذهان: على العالم أن يعرف حقيقة الجيران الذين حشرنا معهم الله في هذه الجغرافيا، و هي رسالة واضحة لجيراننا الذين يحركهم حقد دفين لمعاداة المغرب والبحث عن تقسيم أراضيه، شرذمة من الكابرنات تحبس أنفاس شعب وتبذر أمواله من اجل قضايا وهمية لا توجد إلا في أذهان هؤلاء العجزة حراس المعبد القديم.
ومنذ مجيء الرئيس التونسي للحكم، عرفت العلاقات المغربية التونسية فترات جمود، فقيس السعيد اختار رفاقه وطار في زياراته الخارجية لقصر المرادية. المغرب الذي عبر ما مرة عن رغبته في شراكات اقتصادية مع تونس، لم تجد الآذان الصاغية، وهو دليل على أن قيس السعيد اختار الجانب الخطأ في تعامله مع القضايا الإقليمية، وانه لا يتمتع ببعد النظر وكاريزما سياسية، كرجل دولة قوي، يقود تونس نحو بر الأمان بعيدا عن تحالفات خاطئة، أو قطع علاقات مع المغرب الذي مد يد العون لتونس في محنتها ضد الوباء حيث أظهر في مناسبات متعددة نوايا علاقات تعاون مع تونس، آخرها التعليمات الملكية بإرسال وحدتي إنعاش كاملتين بسعة 100 سرير و100 جهاز تنفس اصطناعي ومولدات أكسجين إلى هذا البلد المغاربي الشقيق.
ورغم زيارة وزير الخارجية المغربي لتونس في مارس من السنة الماضية، فالمبادرة المغربية كانت ترمي لدفع العلاقات نحو أفق أفضل، خصوصا وأنها كانت أول زيارة خارجية بعد الحجر الصحي، لكن يظهر أن رجل القانون لا يرى بعينين اثنين ولا بعين واحدة، فقد سبق وأعلن احد المحللين الجزائريين على أن تونس ولاية جزائرية، كما تم التهديد بقطع إمدادات الغاز المار من تونس عبر الأنبوب الذي يوصله لإيطاليا. ورغم كل ذلك، ومما أفاض منسوب التوافق مع نظام الكابرانات، لوحظ قيس السعيد وهو يجلس إلى جانب ما يسمى غالي في احتفالات الجزائر بعيدها الوطني، وهي التي تدعي دوما أن لا علاقة لها بملف الصحراء المغربية.
فكم دفع الكابرانات لقيس السعيد من جيوب الجزائريين؟
وهل سيصبح قيس السعيد دمية الكابرانات الجديدة؟
اليوم الرئيس التونسي يستقبل بمطار قرطاج المدعو غالي والذي يسمي نفسه زعيما لميليشيات المرتزقة المرابطة على التراب الجزائري والتي تتاجر بكل شيء، سلاح، مخدرات وبشر.
قيس السعيد الذي يقود اليوم تونس بدون بوصلة حقيقية، ونحو الهاوية بقراراته وبدستوره المعدل الذي لم يصوت عليه حتى ثلث التونسيين، لكن رغم ذلك تم اعتماده، فهو يمارس السياسة اليوم بعقلية كابرانات الجزائر، وقد يعصف بتونس إلى حصارها وقطع علاقاتها مع الكثير من الدول. وقد جاء رد الخارجية المغربية سريعا، حيث تم استدعاء السفير للتشاور، وأصدرت الخارجية المغربية بيانا قالت فيه: “بعد أن ضاعفت تونس مؤخرا من المواقف والتصرفات السلبية اتجاه المملكة المغربية ومصالحها العليا، فإن موقفها في إطار قمة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا (تيكاد) جاء ليؤكد بشكل صارخ هذا التوجه العدائي”.
واعتبر البيان أن تونس “قررت، ضدا على رأي اليابان، وفي انتهاك لعملية الإعداد والقواعد المعمول بها، بشكل أحادي الجانب، دعوة الكيان الانفصالي.”. وأضاف البيان أن: “إن الاستقبال الذي خصصه رئيس الدولة التونسية لزعيم الميليشيا الانفصالية يعد عملا خطيرا وغير مسبوق، يسيء بشكل عميق إلى مشاعر الشعب المغربي، وقواه الحية.
وأمام هذا الموقف العدائي، الذي يضر بالعلاقات الأخوية التي ربطت على الدوام بين البلدين، قررت المملكة المغربية عدم المشاركة في القمة الثامنة لقمة (تيكاد)، التي تنعقد بتونس يومي 27 و28 غشت الجاري، والاستدعاء الفوري لسفير صاحب الجلالة بتونس للتشاور. مشددا إلى أن هذا القرار “لا يؤثر، بأي شكل من الأشكال، على الروابط القوية والمتينة القائمة بين الشعبين المغربي والتونسي، اللذين يجمعهما تاريخ ومصير مشتركين.”. واعتبر البيان أن “هذا القرار لا يشكك في تشبث المملكة المغربية بمصالح إفريقيا وعملها داخل الاتحاد الإفريقي، ولا في التزام المملكة في إطار (تيكاد).”