كل الإرهاصات المعاشة أدت إلى ضعف في تشكيل الشخصية في عالمنا العربي المعاصر، كما أثرت الهزائم والإنتكاسات أيضا في بنيتها، هذا البناء الذي يكون نتيجة تراكم خبرات الأفراد والجماعات والتجارب التي اكتسبوها، وكذا الثقافات المتوارثة عبر الأجيال، وهو ما يشكل الطابع الإجتماعي لهذه الهوية.
حل المشكلات الإجتماعية في البلاد العربية يجب أن يبدأ خطوة – خطوة وبشكل دقيق وعلمي كما أن العمل على التحكم في سلوك الأفراد يتطلب دوما تغييرا في ظروف عيشه أي نحن بحاجة إلى فهم هته العلاقة بين السلوك والبيئة التي يعيش فيها الأفراد.
كما أن المؤامرات والمحن التي يعيشها المواطن العربي أثرت بشكل سلبي على شخصيته وهويته، زد على ذلك الهيمنة الإمبريالية الغربية الساعية إلى طمس الهوية العربية الإسلامية وكذا الهويات الأخرى باسم الشرعية الدولية وحقوق الإنسان ومحاربة التطرف وذرائع أخرى… فسياسة العنف أضحت الوسيلة المتبعة وأصبحت نمطاَ سائداَ في سلوك مراكز الهيمنة.
وما الخراب الحاصل الآن في مجتمعنا سوى خطة تهدف إلى طمس الهويات المحلية و تشويهها والقضاء عليها سعيا لاندماج العالم في الشكل الثقافي الغربي، إذ لا تتردد الإمبريالية الغربية في استخدام أشد الوسائل دماراَ وعنفا من أجل تمرير مشروعها الثقافي وتأمين السيادة له.
المشروع الثقافي العربي المحلي تعرض منذ الحروب الصليبية إلى موجات من الغزو المادي والثقافي ولا زال الهجوم قائما ومستمرا وفي أبشع صوره، حيث أضحت وحدة العرب وتكتلاتهم الإقتصادية من وجهة النظر السياسات الغربية أمر يستحيل السماح بتحقيقه وهم يقومون بكل ما أوتوا من قوة لزرع الفتن والفوضى الخلاقة بين الدول والشعوب العربية.
كما أن رحيل الإستعمار المعروف عسكريا تم تعويضه بأساليب أخرى لخدمة الأجندة الإمبريالية الحديثة تحت مسميات عدة لتستمر الهيمنة وأيضا لسد الفراغ الناجم عن نهاية فترة الإستعمار الكلاسيكي وإيجاد سلط وصيغ أخرى للسيطرة، كما أن المؤامرات المتسارعة السرية تارة والعلنية تارة أخرى كان الهدف منها خلق نوع من عدم الثقة بين كل القوى القومية العربية واستعداء الأنظمة العربية فيما بينها.
والغريب أن الكثير من الباحثين والسياسيين والمفكرين العرب كانوا يصفقون لهته الشعارات ويجرون وراءها في حين كانت في الحقيقة مسامير تدق في نعش الجسم العربي، ويشككون أحيانا في مقدرة العرب على النهوض من جديد ونعت مقوماتنا الثقافية والدينية بالرجعية وضرب محاولات توحيد الخطاب والرؤى من الخلف، والعمل على عرقلتها وكدا مفاهيم أخرى تسيء للشعوب والتاريخ العربي.
وكل ما يقوم به الغرب من تشويش وترهيب يهدف إلى زعزعة الوجود العربي ويسعى إلى إقبار حضارتهم ويعبر أيضا عن خوفهم الدائم من التحركات النهضوية العربية، وهدا ما دفعهم إلى تطبيق سياسة شبه مطلقة على حدود المنطقة العربية بإقامة قواعد عسكرية وفرض حماية على الدول النفطية والتحكم في اقتصاد وسياسات البلاد العربية.
كما ظل خوف الأوروبيين تاريخيا من جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط قائما ومستمرا كما عبرت عنه العديد من الدراسات والأبحاث والمراسلات السياسية، وظل هاجس السيطرة على منطقة المتوسط هدفا استراتيجيا للتحكم في المنطقة وفرض السيطرة على جل البلدان العربية.
غنى الدول العربية وثرواتها ومؤهلاتها وتاريخها الأدبي والعلمي كان سببا أيضا في الهجمات الشرسة التي تعرضت لها الشعوب العربية، كما تم استهداف أيضا مقومات الشخصية العربية ومرتكزاتها الثقافية للحيلولة دون تحقيق نهوض عربي جديد مما أدى إلى إجهاض كل المشاريع الثقافية العربية وتحول الواقع العربي إلى مشاريع استهلاكية قابعة في تخلف دائم وتابعة للآخر.
سعى الغرب أيضا ومن خلال تحكمه بالتكنولوجيا ومجال المعلومات إلى تعميم ثقافة أحادية تهدف للسيطرة على العقل البشري بواسطة التحكم بالمعلومة وتوجيهها بما يخدم مصالحها وفرض نظام اتصال عالمي يثبت الهيمنة الغربية أكثر فأكثر، هذا النظام الإتصالي المعلوماتي الجديد يؤثر سلبا في حرية المعلومة وتدفقها وأيضا في موضوعية الحقائق والمشكلات والأحداث.
هذا النظام يقوم بتوظيف المعلومة لخدمة أجندة وأغراض حقيرة يسهل من مأموريته سطوة وسائل الإتصال وانتشار الأقمار الإصطناعية، ونظام الإتصال هو إحدى أوجه النظام العالمي الجديد المتوحش والبئيس سياسيا واقتصاديا واجتماعيا والذي سعى إلى إفقار و تدمير البشرية وانتشار قانون الغاب والبقاء للأقوى.