حنظلة … كاريكاتير يأبى الموت
ناجي العلي، فنان كاريكاتير فلسطيني أو اللاجئ الذي استشرف المستقبل بالكاريكاتير. وحنظلة طفل فلسطيني يتخذ وضعية الشاهد على الحدث الذي تصوره لوحات ناجي العلي، وقال عنه الفنان صاحبه وُلد في سن العاشرة ولن يكبر أو يدير وجهه، إلا عندما يحين استرداد الكرامة العربية.
ناجي العلي ثائر القضية الفلسطينية كالروائي كغسان كنفاني والشاعر محمود درويش والفنان مارسيل خليفة وآخرون. جميعهم يحملون هم هذا الوطن والشتات، ووجع الأرض وحلم الرجوع يوما.
يصادف اليوم 29 غشت، الذكرى 35 عاما على رحيل ناجي سليم حسين العلي الذي ولد سنة 1938 في قرية الشجرة بين الناصرة وطبرية في الجليل، اضطر للنزوح مع أسرته عام نكبة 1948 كالعديد من الأسر الفلسطينية إلى مخيم عين الحلوة جنوب صيدا في لبنان.
عمل في بداية مسيرته المهنية بجريدة الطليعة الكويتية، حيث بدأ نشر رسوماته الكاريكاتيرية كما عمل بصحيفة السياسة الكويتية بعد أن أوقفت الحكومة صحيفة الطليعة، غادر الكويت إثر الأحداث الساخنة التي حركتها المعارضة هناك، فعاد إلى لبنان وتزوج، وحين هدأت الأوضاع عاد للكويت مرة أخرى. في هذه المرحلة، نضجت مدارك العلي السياسية لدرجة أصبح فيها، متحدثا صلبا في الدفاع عن القضية الفلسطينية. كما عمل أيضا بالقبس الكويتية والقبس الدولية والسفير اللبنانية، مسيرة مهنية حافلة بالنضال والرسومات التي جسدت حياة اللجوء والمنفى والحلم بالعودة للديار.
كانت له مكانة خاصة عند الأدباء العرب، يقول عنه محمود درويش: فلسطيني واسع القلب، ضيق المكان، سريع الصراخ، طافح بالطعنات، وفي صمته تحولات المخيم، مفتوح على الساعات القادمة وعلى دبيب النمل وأنين الأرض، يجلس على سر الحرب وفي علاقات الخبز، خرج على العالم باسم البسطاء ومن أجلهم، شاهرا ورقة وقلم رصاص، فصار وقتا للجميع. وخدش الجميع بريشة لا ترحم ولا تصغي للأصدقاء.
أما الكاتب السعودي عبدالرحمن منيف فتحدث عن العلي قائلا: لا تزال رسوم ناجي العلي راهنة، وربما أكثر راهنية من الماضي، وهذا دليل على أن الفن الحقيقي والصادق له قدرة على الحياة والتجدد، فيما نعاه الشاعر السوري أدونيس: سلاما ناجي أيها الشهيد الآخر، والشاهد الآخر.
رسم ناجي العلي شخصية حنظلة المعروفة، لطفل يبلغ من العمر 10 سنوات، وظهرت لأول مرة في رسوماته سنة 1969 على صفحات جريدة السياسة الكويتية، وكانت بمثابة أيقونة يقف خلفها حلم العودة.
وفي حديثه عن شخصية حنظلة قال في لقاء ببودابيست سنة 1984: شخصية هذا الطفل الصغير الحافي هي رمز لطفولتي. أنا تركت فلسطين في هذا السن وما زلت فيه. رغم أن ذلك حدث من 35 سنة، إلا أن تفاصيل هذه المرحلة لا تغيب عن ذاكرتي وأشعر أني أذكر وأعرف كل عشبة وكل حجر وكل بيت وكل شجرة مرت علي في فلسطين وأنا طفل.
ويضيف ناجي متحدثا عن حنظلة، قدمته للقراء وأسميته حنظلة، كرمز للمرارة. وفي البداية قدمته كطفل فلسطيني، لكنه مع تطور وعيه أصبح له أفقه القومي ثم أفق كوني وإنساني.. وفي المراحل الأولى، رسمته ملتقيا وجها لوجه مع الناس، وكان يحمل الكلاشينكوف، وكان أيضا دائم الحركة وفاعلا وله دور حقيقي، يناقش باللغة العربية والانجليزية، بل أكثر من ذلك، فقد كان يلعب الكاراتيه.. يغني الزجل ويصرخ ويؤذن ويهمس ويبشر بالثورة .
فهل كبُر حنظلة، لا لن يكبر لأن ناجي لا يريده أن يكبر، فيقول سيظل في العاشرة حتى يعود الوطن. عندها فقط يكبر حنظلة، ويبدأ في النمو.. قوانين الطبيعة المعروفة لا تطبق عليه، إنه استثناء، لأن فقدان الوطن استثناء، وستصبح الأمور طبيعية حين يعود الوطن. ومتى يمكن رؤية حنظلة؟ يجيب ناجي: عندما تصبح الكرامة غير مهددة، وعندما يسترد الانسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته.
أنتج العلي أكثر من أربعين ألف عمل فني، غير تلك التي منعتها الرقابة فلم تنشر وظلت حبيسة الرفوف، ونشر ثلاث كتب، وعرضت أعماله في شتى العواصم العالمية، ويظل حنظلة الشخصية البارزة في أعماله الفنية
انتقل للعمل بالقبس الدولية بلندن سنة 1985، ولم يكن يعلم أن النهاية ستكون هناك بمدينة الضباب، وهو القائل الحذر لا يمنع القدر، ثم “اللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حالو ميت”. وفي صيف 1987، وليس ببعيد من مقر الجريدة، أطلق عليه الرصاص شخص مجهول، وبعد غيبوبة قرابة الشهر غادرنا إلى دار البقاء يوم 29 غشت 1987 ودفن هناك بلندن.