إفريقيا الثروات بشعوب فقيرة!
أغنى وأفقر قارة في نفس الوقت:
إفريقيا أو القارة السمراء كما يحلو للبعض تسميتها، ثاني أكبر القارات مساحة واكتظاظا بالسكان، إنها قارة المتناقضات أغنى وأفقر قارة في نفس الوقت، غنية بثروات طبيعية هائلة لكنها من أفقر بقاع المعمور. سكان القارة هم الأصغر سنا بين جميع سكان القارات الأخرى حوالي خمسين في المائة من سكانها تحت سن التاسعة عشر.
تفكيك الأزمة:
تعدد التفسيرات للأزمة التي تتخبط فيها القارة منذ عقود طويلة، فالنخب الإفريقية الحاكمة أساءت إدارة المؤهلات الطبيعية التي تزخر بها الطبيعة الإفريقية مما يساهم في خلق ثروة وطنية وتساعد في النهوض بالأوضاع الاجتماعية للمواطن وخلق فرص شغل وتنمية مستدامة. إلى أجانب الأسباب الداخلية هناك عوامل خارجية أيضا تمثلت عبر عقود في الهيمنة الامبريالية والنهب والطمع الذي تقوم به قوى دولية لاستنزاف خيرات وثروات القارة.
فقد أدى تواطؤ بعض القوى الداخلية مع قوى الاستعمار إلى الاستغلال البشع للخيرات وخلق فوارق طبقية مهولة وتمتيع الطبقة الحاكمة بامتيازات جعلتها تتحكم في مصير البلاد والعباد، كما أن العديد من النخب الإفريقية احتفظت بالكثير من ملامح الفترة الاستعمارية فيما يخص القمع وسياسة القوة، والأجندة التنموية لم تكن إلا غطاء لتبرير التسلط السياسي .
كما أن مجتمعات ما بعد الاستعمار في الدول الإفريقية جنوب الصحراء، تم تصميمها بطريقة تسمح للنخبة الحاكمة في الاستمرار في الحكم وتوريثه، إذ تم استعباد غالبية العامة من الحياة السياسية عن طريق إفقارهم وإلهاءهم بالبحث عن قوت يومهم، وتم صهر المعارضة في دواليب الدولة أو القضاء عليها في أحيان كثيرة.
مما أسس لاتجاهات الحكم الشخصي والذي يعطي أهمية للشخص بغض النظر عن المشروع أو الحزب أو نوع النظام السياسي، مما يؤدي إلى ضعف المؤسسات الدستورية التي تصبح أداه في يد الاستبداد، الشيء الذي يؤجل دوما تحقيق الديمقراطية وبناء المجتمع المدني. وجود هذه النخب ولعقود على رأس السلطة يؤدي إلى تكتل الثروة في أيادي قليلة مما يفضي إلى انقسامات اجتماعيات وطبقية مهولة.
كما أن للقوى الخارجية دور كبير أيضا في الدمار الذي تعيشه الدول الإفريقية بحيث تمارس ضغوطا مختلفة على السياسات الإفريقية، بحيث يتقزم دور الدولة المركزية أمام زحف الشركات الكبرى والعولمة السياسية والاقتصادية. والأزمات القائمة الآن في المجتمع الإفريقي هي نتيجة السياسات الاقتصادية الليبرالية المتبعة قبل عقدين من الآن، مما أدى إلى البطالة وانتشار الفساد بشكل لافت والاتجار في الأسلحة وظهور أشكال جديدة من الحروب والنزاعات.
الاستثمار بالقارة وفرص التنمية
يعد الاتحاد الأوربي المستثمر الأول بالقارة، فالتركيبة السكانية الفتية والمؤشرات الواعدة في العديد من القطاعات ووفرة الثروات الطبيعية، كلها عوامل تشير إلى فرص نمو كبير بالقارة السمراء مستقبلا. في سنة 2019 صنفت المغرب ومصر وجنوب إفريقيا كأفضل ثلاث وجهات استثمارية في القارة، حيث احتلت الزراعة أكثر القطاعات نموا واستثمارا بالقارة. ثم التصنيع لوفرة المواد الأولية مما يسمح بتسريع النمو الاقتصادي إلا أن هذا القطاع يعاني من بعض الإكراهات في العديد من الدول الإفريقية كنقص اليد العاملة المؤهلة والبنية التحتية.
كما يعتبر الأمن والبنيات التحتية عاملا محددا للاستثمار بالقارة، حيث ساهم تطوير البنيات التحتية بإثيوبيا وتنزانيا إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة، كما أدى بناء الجسور في مصر إلى خلق دينامية اقتصادية جديدة.
بالمغرب، بوابة إفريقيا وحلقة وصل مع الجارة العجوز شمالا، حيث ينعم بالاستقرار السياسي والاجتماعي، أدى تطوير البنيات التحتية والمرافق والمطارات والخطوط البحرية وإنشاء الموانئ الكبيرة إلى إحداث طفرة تنموية كبيرة شجعت الاستثمار الأجنبي للاستثمار بالمغرب.
أصدر بنك راند ميرشانت احدث تقرير له عن الاستثمار بإفريقيا ، والذي سلط الضوء على عشر وجهات استثمارية بإفريقيا حيث علت المغرب ومصر وجنوب إفريقيا منصة التتويج. وركز التقرير على القطاعات التقليدية والبديلة التي تدفع دول القارة للوصول إلى مستويات أعلى من النمو الاقتصادي. وهناك قواسم مشتركة لهذه الدول من حيث جاذبية الاستثمار وهي الثروات الطبيعية، التصنيع، العقارات، البناء، تكنولوجيا المعلومات والاتصال، تجارة التجزئة والخدمات المصرفية والمالية.
إلا أن هذا التهافت والاستثمار بالقارة سواء من طرف الأوربيين أو الأمريكيين أو الصينيين، يتفاءل العديد بمستقبله في تنمية القارة، وآخرون يرون أن ما يحدث الآن بإفريقيا، هو صراع من أجل هيمنة جديدة أو استعمار جديد بصيغ أخرى، من اجل الحصول على الموارد الطبيعية، وأيضا الاستثمار في اليد العاملة الرخيصة خصوصا وأن نصف سكان القارة أقل من تسعة عشر سنة.