لم يخرج أي شيء عن اللقاء الثلاثي الذي احتضنته العاصمة المغربية نهاية الأسبوع المنصرم حول موضوع الهجرة غير النظامية، سوى البيان الرسمي الذي صيغ بلغة دبلوماسية هادئة. ولم يحظ ذلك أن الحدث، رغم أهميته بأي تغطية إعلامية واسعة، عدا وكالة الأنباء والإذاعة والتلفزيون الرسميين.
وضم الإجتماع مع ذلك، المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون، ووزيريْ الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا، والمغربي عبد الوافي لفتيت، تسربت منه نقطة جديرة بالإنتباه، إذ جددت بروكسل رغبتها في تحقيق حلم بإنشاء مراكز لاستقبال المهاجرين الأفارقة السريين في الأراضي المغربية، ما يساهم في ثنيهم عن التفكير في الهجرة نحو أوروبا. وترفض الرباط ـ على ما يبدو ـ هذا الاقتراح لأسباب قانونية وأمنية ولوجستية واجتماعية.
ويعتبر الاقتراح “بعيد عن الواقع”، وفي حال تنفيذه ستكون له تداعيات، وسوف يتسبب في مشكلات اجتماعية وقانونية واقتصادية كبيرة للمغرب من حيث أمن مجتمعه. ويعتبر المهاجرين الأفارقة اليوم، من خلال اندماجهم في مدن وأحياء مختلفة مع مواطنين مغاربة، بعيدون كل البعد عن الانسداد الذي هو أصل كل المشاكل الأمنية والذي يؤدي إلى اندلاع اشتباكات وحشود ومناوشات مع عناصر الأمن. ويعاني المغرب بالفعل من هجرة جماعية داخلية من القرى، ما يؤدي إلى انتشار الأحياء الهامشية في ضواحي المدن، فهل ستُبنى مراكز الإستقبال هذه على أطراف البلدات أو القرى التي تعاني بالفعل من معضلة غياب حقوق الملكية العقارية (الأراضي السلالية أو الجماعية)؟
كما أن التفكير في بناء مراكز لإستقبال آلاف المهاجرين الأفارقة وغيرهم من الموجودين حالياً في المملكة وكذا الوافدين المحتملين هي تخيلات تدفع باتجاه تعقيد الأزمة وليست حلاً واقعياً، بينما الحلول الحقيقية التي لا تريد كل هذه الدول (خاصة الاتحاد الأوروبي) الإعتراف بها أو تنفيذها، هي السماح للشعوب الإفريقية بأن تحكم نفسها بنفسها في إطار ديمقراطي حر، بدون التأثير على إرادتهم وعدم فرض حكومات معادية للشعوب، ويجب عدم التواطؤ مع هذه الدول بقمع تطلعات المواطنين إلى الكرامة والحياة الكريمة. كما يجب وضع حدود لاستغلال ونهب الموارد الطبيعية الهائلة للقارة.
وأبرز بيان الاجتماع الثلاثي الذي احتضنته الرباط النتائج الإيجابية للتعاون القائم بين المغرب والاتحاد الأوربي وإسبانيا وعلى مسؤوليتهم المشتركة في مجال الهجرة، كما اتفقت الأطراف الثلاثة على تجديد شراكتها للتعامل مع شبكات الاتجار بالبشر، لا سيما بعد ظهور أساليب جديدة وإجراءات شديدة العنف اعتمدتها الشبكات الإجرامية. وأدان البيان هذه الشبكات وشركاءها وكل من يساعدها.
وعبرت المفوضة الأوروبية والوزيران المغربي والإسباني عن تأثرهم الشديد لحالات وفاة الأشخاص الذين حاولوا الهجرة بشكل غير نظامي، بما في ذلك تلك التي حدثت خلال الأحداث المؤلمة الأخيرة في 24 يونيو المنصرم. وأبدوا تأثرهم لحالات الإصابة، بما في ذلك ما حدث للقوات الأمنية في الجانبين المغربي والإسباني. وسجلوا أنه بالإضافة إلى الأبعاد المأساوية لهذه الأحداث، فهي تؤشر على خطورة وعنف شبكات الاتجار بالبشر المستعدة لتحمل كل المخاطر. وشددت الأطراف الثلاثة على أن التحقيقات متواصلة لتوضيح الجوانب المتعلقة بتلك الأحداث، مرحبة في الوقت نفسه بقيام “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” في المغرب بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في الموضوع.
وأكد البيان أن احترام الحقوق الأساسية قيمة مشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وأبرز أنه يمكن للشراكة الجديدة في مجال مكافحة الاتجار بالبشر بين المفوضية والمغرب أن تغطي بشكل خاص دعم إدارة الحدود، وتعزيز التعاون الأمني، بما في ذلك التحقيقات المشتركة، وزيادة الوعي بمخاطر الهجرة غير النظامية، فضلاً عن تعزيز التعاون مع وكالات الاتحاد الأوروبي المسؤولة عن الشؤون الداخلية.
وسجل البيان أن المغرب شريك استراتيجي وملتزم للاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن الشراكة معه في مجال الهجرة تعود إلى عدة أعوام. وأضاف أن “الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء” في المغرب تعدّ اليوم واحدة من أكثر نماذج إدارة الهجرة تقدماً، من الناحيتين التشريعية والمؤسسية، حيث أتاحت تسوية الوضع الإداري لعدة آلاف من المهاجرين ومكنتهم من الاندماج في المجتمع المغربي. كما أن المغرب من الدول المؤسسة لـ”عملية الرباط”، وقد تم اختيار الملك محمد السادس من قبل الرؤساء الأفارقة قائداً للقارة السمراء في قضايا الهجرة.
وتمنع جهود المغرب العملياتية عشرات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا، كما يتم إنقاذ عدد كبير منهم من الغرق البحر، وشرعت السلطات المغربية منذ مدة في تفكيك عشرات الشبكة الإجرامية المختصة في الاتجار بالبشر.