أخبارسياسة

العنف السياسي وأثره على المجتمع

العنف سلوك غير عقلاني، يلجأ إليه الفرد للتنفيس عن ظلم لحق به، أو تذمر من قيود كبلته، ولا يوجد مجتمع يخلو من هذه الظاهرة، إلا أن درجاتها تخلف من مجتمع إلى آخر. وفي المعنى السوسيولوجي، يستعمل المصطلح  ليشير لكل ما يربك النظام الاجتماعي والعلاقات القائمة بين أعضائه، والعنف الاجتماعي هو سلوك مادي أو معنوي مقصود يسبب أذى نفسي أو جسدي صادر من أفراد أو جماعات أو مؤسسات.

بقلم عبدالله العبادي

ولفهم ظاهرة العنف، رغم أن مشكلات العنف  لا تزال شديدة الغموض كما يرى جورج سوريل، علينا الغوص في مفاهيم العنف السياسي والاجتماعي لتحديد تجليات الظاهرة في المجتمعات البشرية المعاصرة، ومحاولة إعادة التفكير في أخطاره وأيضا في علاقته المشبوهة بالسياسة.

فالعنف السياسي هو عنف مؤسسات سياسية تنبثق عن تحول قواعد التضامن المتبادل التي تبني العلاقات بين الفاعلين، والعنف هنا يولد موافقون ومضادون وضحايا وجلادين، الشيء الذي يحدث شرخا في التكوين الاجتماعي العام للمجتمع الواحد.

ما حدث في ميادين عديدة، ضد احتجاجات سلمية، أو مطالبة بحقوق مشروعة، سواء اختلفنا في الزمن أو التوقيت الخاطئ، أو مع أو ضد، فإن أسلوب التعنيف مرفوض وينتهك حق من الحقوق الأساسية للإنسان، وفي هذه الحالة تعلو لغة العنف على الحوار السلمي المشروع. الشيء الذي يسيء للوطن وللحركات النضالية من أجل حقوق الإنسان، ويشرعن للاستبداد وينسف شعارات دولة الحق والقانون.

والمصدر العميق للوحشية الإنسانية هو الثقافة في حد ذاتها، درجات الوعي لدى الأفراد، الأمر الذي يجعل الفرد متعصبا اتجاه الآخر، وهو التعارض القائم بين مفهوم المصالح وتقزيم ثقافة الفهم إلى فئات ضيقة وإقصائية. والعنف السياسي هنا يؤثر على التماسك الاجتماعي فهو يوحد ويقسم في نفس الوقت ويؤسس لجماعات وعقليات تعالج المشاكل بمنطقها عن طريق العنف، الطريق الذي لا يكلل دوما بالنجاح إذ يؤسس لنزاعات وأفكار مضادة مما يطول أمد الصراع المجتمعي، لأن فكر العنف في هذه الحالة يقوم على محاولة إلغاء واستئصال الفكر الآخر أي الفكر المضاد.

والفكر السياسي المعاصر يجب أن يكون فعلا اجتماعيا نظيفا، لا يحمل القهر والعنف بين طياته، ويسمح وبكل الوسائل الأخلاقية  تحقيق الحقوق وتحصيل المطالب، وبهذا تتجرد السياسة من ظاهرة العنف التي ما فتئت تصاحبها منذ تكوين المجتمعات البشرية الأولى.

فأي نظام سياسي تحكمه المصلحة قبل الأخلاق، وهذا لا يعني أن السياسة لا أخلاق لها، بل لها مبادئ أخلاقية خاصة بها، مستمدة من الواقع المعاش. والسياسة في عملها العام، تتطلب أسلوب الردع والإقناع أيضا، وهو سبب وجود أجهزة الأمن، حيث تطبيق القانون والسهر على حمايته، كما الحاجة إلى وجود برلمانات ومؤسسات مدنية مجتمعية أخرى.

والفعل السياسي حين يتجرد من طرق تواصله مع الجماهير المطالبة بحقوقها، يدخل في دوامة نشر العنف والعنف المضاد وخلق جو مجتمعي متوتر جدا وكثير الاحتقان مهدد بالتصعيد في أي وقت، فالحوار إذن يبقى سيد الموقف لفض الاحتجاجات المتكررة دون المساس بكرامة المواطن الذي لا يخرج إلى الشارع إلا حين يتضرر واقعه المعيشي بشكل كبير.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button