يتضح أن أحلامنا لم تتحقق بعد، فلسنا أسياد قراراتنا وتحكمنا الكثير من الجهات السياسية والإقتصادية كالبنك الدولي وصندوق النقد ونخب سياسية ومصالح عالمية استطاعت أن تسيطر على مجريات الأحداث وتسخرها لمصالحها ومصالح التحالف العالمي الذي يهدف إلى تحقيق حلمه وتقسيم وتشتيت العالم العربي.
فالدول العربية غير قادرة اليوم على التحكم بواقعها ومستقبلها في ظل الأوضاع الحالية، فحتى المواطن الذي يمكن أن يعول عليه كضامن لاستمرارها أصبح يعيش أوضاعا بئيسة يصعب عليه تقرير مصيره.
فما الذي يمكن تحقيقه في ظل الوضع الحالي، أي ما الذي يمكن تكهنه بالنسبة لمستقبلنا، فهل ما نعيشه اليوم ظرفا عابرا أم إعادة إنتاج استعمار جديد وعصري؟
فالشعوب العربية لم تنجح بعد في وضع نظام سياسي ناجع وبدرجة فعالية عالية تتيح للأجيال والأفراد إطلاق العنان للإبداع وهذه سمة المجتمع الديمقراطي أكيد، أي أن النظام السوي والناجع يجنب المجتمع هدر المال والطاقات والدماء من أجل صراعات فارغة، وبقدر ما يكون منتجا وخلاقا وفعالا يكون مستقلا.
كما أن فكرة الوحدة والتقارب العربي أصبحت تتلاشى يوما بعد يوم في ظل أنظمة تتمحور معظم السلط حول رجل واحد أو حزب واحد حتى بعد موجات الخراب العربي لم يجني المجتمع إلا تثبيت لأنظمته الإستبدادية السابقة لكن بمسميات أخرى، في حين تفرض علينا الجغرافيا واللغة والتاريخ ضرورة النظر إلى المستقبل برؤية واحدة.
فالممارسة السياسية بالوطن العربي اغتالت الديمقراطية قبل أن تولد وشوهت صورتها لغرض في نفس يعقوب، أدت هذه الممارسة إلى نفور الشباب من العمل السياسي وإشاعة فوضى المفاهيم والتفسيرات والتأويلات كما يفعل رجال الدين حين يتم استمالتهم للسياسة.
كما أنه من الخطأ التفكير في أننا كعرب يجب أن نسلك نفس الطريق الذي سلكته المجتمعات الغربية، فهذا إحساس العجزة والذين لا يرون إلا بعين واحدة والمتملقين للحياة الغربية، ففترة ما بين القرن 9 والقرن 12 خير دليل وتفسير لهته الإشكالية. صحيح الديمقراطية الغربية وقفت في وجه الفاشية والنازية وكل الأنظمة القمعية إلا أنها ليست الوصفة السحرية القابلة للتطبيق على كل المجتمعات.
صحيح أننا كعرب ومنذ القرن 12 أصبحنا خارج هذه الحركة التاريخية لأننا لم نحقق شيئا يذكر ولم نستطع مجاراة الحضارات الأخرى، فكثرت التأويلات من عدم جاهزيتنا للعملية الديمقراطية إلى عدم توافقها و تنافرها مع قيمنا الثقافية وكلها أمور تفسر شيئا واحدا فقط هو الدمار النفسي الذي ولدته الأنظمة الإستبدادية لسنين طويلة.
فإذا كانت الديمقراطية ليست قدرا محتوما لمجتمعنا العربي، فأكيد أن المجتمع لم يسعى يوما لا لتحقيقها ولا لتحقيق نظام سياسي آخر عادل وسوي. فالنظام السياسي ليس ضرورة أخلاقية محضة وإنما ضرورة تقنية داخل المجتمع تجمع بين الإنتاج المادي والمعرفي وطبيعة النظام.
فالمصيبة اليوم تكمن في أننا حاولنا استبدال الأنظمة السياسية الإستبدادية بمرجعياتها القومية والعلمانية ووو بأنظمة استبدادية دينية لم تغير شيئا من الواقع ما دام الإنسان هو نفسه فقط، تغير في الأسماء لكن التصرفات الأساسية ظلت هي نفسها.
فدور المثقف اليوم ليس الدفاع عن هذه الإيديولوجية أو تلك، وإنما في العمل على تفسير وتنبيه أن إشكالية النظام السياسي العربي ليس في المرجعيات المعتمدة بل أن الأنظمة والبدائل مبنية على أساس وقواعد غير مجدية وغير فعالة تتعارض ومتطلبات الفرد والمجتمع العربي .