في حوار جريء حول المؤتمرات، المدير العام لمركز لندن للبحوث، الدكتور محمد عبد العزيز يجيب عن إحدى الإشكاليات التي تؤرق تطور العلم والمعرفة في الوطن العربي، إذ يؤكد أن 1000 بحث علمي حصيلة 12 مؤتمرا دوليا لمركز لندن، وميزانيات البحث العلمي العربي الخجولة تؤشر لمستقبل ضبابي، الإنتاج العلمي لجامعة كاليفورنيا يفوق نظيره في كافة الدول العربية، و حجم الإنفاق الحكومي العربي على البحث من 0.1 % إلى 0.4 %، الدولة المتقدمة تنفق على البحوث العلمية 2.5 % إلى 5% من الناتج المحلي، غياب ثقافة المؤتمرات وعشوائية الأداء يعدم جودة المخرجات.
يرى مدير عام مركز لندن للبحوث والاستشارات د . محمد عبد العزيز أن معظم بلدان العالم العربي لا تهتم بالبحث العلمي ولا تستفد من ثقافة المؤتمرات العلمية بالقدر الذي يسهم في نهضتها والعمل على انتاج معارف جديدة من بنات أفكار الباحثين العرب رغم نبوغهم، مشيراً إلى الأرقام المخجلة لميزانية البحث العلمي في غير قطر عربي تلقي بظلال قاتمة على المستقبل العربي لأن من أراد ازدهاراً في المستقبل عليه رعاية البحث العلمي وتوفير بيئات حاضنة للباحثين.
ولفت إلى أن فرنسا تضم ألفي مركز بحثي بينما الدول العربية مجتمعة لا يوجد بها سوى 600 مركز ما يؤكد الفجوة العلمية الهائلة بين الغرب والعرب. وتؤكد تقارير عملية أن نسبة الإنفاق المحلي الإجمالي للدول العربية كافة على البحث العلمي والتطوير لا تزال متدنية، إذ تتراوح النسب في الغالبية العظمى من البلدان العربية بين 2.0 و5.0 %..
وفي سياق اخر أعلن في حوار صحفي عقب نجاح مؤتمر “الإعلام الجديد ودوره في التنمية الاقتصادية” الذي نظمه اتحاد الجامعات الأفروآسيوية -كان يديره- أن عام 2023 سيشكل نقلة نوعية لمركز لندن للبحوث الذي تترأس مجلس إدارته صاحبة السمو الملكي الأميرة منال بنت مساعد آل سعود، وذلك بتنظيم ثلاثة مؤتمرات علمية حول فريضة الزكاة والذكاء الاصطناعي والوقاية من الإدمان، مشيراً إلى دولتين عربيتين ودولة أوربية مرشحة للتنظيم.
اكتساب المعارف
وأكد عبد العزيز أن المركز انطلق عام 2010 تعزيزاً لدور البحث العلمي في العالم، ودعماً لمشاركة المؤسسات الحكومية والخاصة التي تسعى لتقديم الخطط والبرامج التنموية لتطوير المجتمع في مختلف مجالات الحياة، إيماناً من القائمين عليه بأن التنمية البشرية مسؤولية مجتمعية يجب أن يعني بها الجميع نحو تأهيل الإنسان في كافة التخصصات والمجالات.
ويسعى المركز الذي يضم ثلاثة ألاف أكاديمي من 30 دولة حول العالم إلى تطوير ودعم البحث العلمي حول العالم والإسهام في تقديم حلول ناجعة لازمات المجتمعات عبر اجراء البحوث وتقديم الاستشارات بطرق علمية وبمهنية تواكب تطورات العصر وتأهيل يسهم في تنمية الإنسان لذاته، ومن ثم يكون عنصرا ايجابيا ينفع مجتمعه والعالم من حوله.
وتابع عبد العزيز: من أهم أهداف المركز اكتساب المعارف وتنمية الإنسان في مجالات الاستدامة وتطوير الخطط الاستراتيجية العامة والخاصة التي تسهم في تطوير المجتمعات، واتاحة الفرصة للباحثين لطرح أبحاثهم العلمية في أفق رحبة لتحقيق شراكة فكرية مميزة تسهم في تطوير البحث العلمي على الصعيد العالمي من خلال المؤتمرات العالمية التي يقيمها المركز، وتفعيل دور الباحثين المشاركين في المؤتمرات بنشر أبحاثهم في الجامعات العالمية، وكذلك مساعدة الطلبة على تحقيق طموحاتهم ومواصلة دراستهم وتوفير بيئة علمية وتعليمية آمنة والإشراف عليهم في جامعات عالمية، وتعزيز القدرة على اتخاذ القرارات وأساليب التطبيق وفق معايير ومقاييس عالمية وتدريب الفرد لمساعدته على قيادة ذاته.
وأوضح أن المركز منذ إنشائه في العاصمة البريطانية لندن بات يزخر بحصيلة علمية تتألف من 1000 بحث علمي رصين في كافة تخصصات العلوم الاجتماعية قدمها ما يزيد عن ألف باحث وباحثة من 30 دولة عبر اثنتي عشرة مؤتمراً دولياً نظمها منذ انشاءه عام 2010 حتى مايو 2022ـ مشيراً إلى أن المؤتمرات العلمية من أنفع ما أنتجته الحضارة المعاصرة، إذ أن تلاقح أفكار العلماء والمتخصصين مدعاة إلى بلوغ انتاج معرفي قوي يشكل سلاحاً لمجتمعات تواجه به تحدياتها المستقبلية والمتنوعة ويسهم في حلحلة المشكلات التي تواجه أفرادها وتعيق تقدمها .
ونوه أن للمركز مجلة بحثية دولية مفهرسة معتمدة في عدد من الجامعات العربية والغربية، تصدر كل ثلاثة أشهر، وتحمل رقم تسجيل دولي : 1004-2313 : issn ولها معامل تأثير عربي – برقم – 247 – وتدخل ضمن قواعد بيانات التصنيف الدولي ebsco ومنصة المنهل العربي وأصدرت 45 عدداً في تسعة أعوام.
البحث العلمي العربي
وحول البحث العلمي العربي أكد عبد العزيز أن العالم العربي يشهد عدم اكتراث بالبحث العلمي ووفقاً لدراسة مسحية حديثة لمخرجات البحث العلمي، أظهرت فقر الإنتاج البحثي العربي في العقدين الأخيرين، في وقت أولت الدول الراغبة في نهضة مجتمعاتها اهتماماً كبيراً بدور العلم في الاقتصاد والرفاه والأرقام خير شاهد.
وتابع، بات مطلوباً من الدول العربية تحقيق تحول جذري من الاقتصاد السياسي السائد إلى اقتصاد المعرفة للعبور بالمجتمعات نحو مستقبل أفضل عبر ربط العلم ومخرجاته بالاقتصاد والمجتمع مع ضرورة التخلص من التبعية العلمية للغرب والتحول من الاستهلاك إلى الإنتاج.
وأضاف عبد العزيز أن نسبة الإنتاج العلمي العربي إلى العالمي حوالي 2.35 % علماً بأن نسبة عدد سكان الوطن العربي لسكان العالم حسب احصائيات البنك الدولي هي حوالي 5.2 %، وهو ما يدل على ضعف في الإنتاج العلمي بالنسبة للعالم. وللمقارنة، فإن انتاج جامعة كاليفورنيا فقط يفوق انتاج الدول العربية جميعا.
أسباب التراجع
وقال عبد العزيز أن للإشكالية عدة أسباب من أهمها ضعف حجم الإنفاق الحكومي على البحث العلمي وفق منظمة اليونسكو يتراوح من 0.1 % إلى 0.4 %، فيما تنفق الدولة المتقدمة على البحوث العلمية 2.5 % إلى 5% من الناتج المحلي. ومعدل تكلفة الباحث العربي قرابة 34 ألف دولار، وأن هذا الرقم لا يقارن بما يتقاضاه العالم في الدول المتقدمة، مما خلق حالة من العزوف في البحث العلمي لدى الدول العربية، وقلة في عدد العلماء والباحثين.
وتشير الإحصاءات إلى أن هناك 500 باحث لكل مليون نسمة في الوطن العربي كمعدل، مقابل 5000 باحث لكل مليون نسمة في الدول المتقدمة.
ويتابع عبد العزيز، في الغرب ينظر للبحوث العملية كاستثمار وتنمية اقتصادية مما دفعهم إلى العمل على رفع مستواها، من خلال الدعم المادي والتدريب عالي الجودة واستقطاب العقول المبدعة من شتى دول العالم للمؤسسات البحثية. ولفت الى تأثير العوائق التي تواجه البحث العلمي على نقص في إنتاجية البحوث المنشورة في المجلات العلمية المحكمة.
وحول الفوارق بين العالم العربي والغرب أشار تقرير اليونسكو الصادر عام 2019 تحت عنوان «نحو عام 2030» إلى أن مصر زادت من حجم إنفاقها على البحث والتطوير، ووصل إلى 0.8 % من الناتج المحلي الإجمالي، ومثلها فعلت المغرب، فيما خصصت السعودية 0.82 % من ناتجها المحلي الإجمالي للبحث والتطوير، بينما خصصت الإمارات 1 % من ناتجها المحلي لهذا الغرض. في حين يصل إجمالي الإنفاق على البحث العملي في اليابان مثلًا إلى 3.26 %، وفي أمريكا إلى 2.84 %، وفي الصين إلى 2.19 %، وفي فرنسا إلى 2.2 %، وفي المملكة المتحدة إلى 1.7%. وما يثبت الفارق الشاسع في الاهتمام بالبحث العلمي عربيًّا وعالميًّا، ففي عام 2020 كان هناك في فرنسا على سبيل المثال 2000 مركز ومعهد للبحث العلمي والتطوير، مقابل 600 مركز ومعهد أبحاث في الوطن العربي.
الحل في الاستثمار
ويؤكد أن الثروات المتوفرة في العالم العربي ومعها العقول العربية الفتية كافية لإحداث انطلاقة علمية كبيرة في الوطن العربي، تؤسس لمستقبل متميز للأجيال القادمة والحل يكمن في ضرورة الاستثمار الأمثل للموارد البشرية من جانب وللثروات من جانب آخر للإنفاق على البحث العلمي بشكل يتوافق مع أهمية مخرجاته وتوفير بيئات علمية وحواضن جاذبة للباحثين مع اتباع الإستراتيجيات التي تؤدي الى زيادة حجم تمويل البحوث لتحقيق غايات التطور المجتمعي.
سبل إنجاح المؤتمرات
وفي سياق أخر عرج عبد العزيز الذي أدار ثمانية مؤتمرات علمية دولية في السنوات الخمس الأخيرة في عدة دول مختلفة على ماهية المؤتمرات العلمية وسبل انجاحها فقال: العالم العربي لا يعرف كيفية الاستفادة من ثقافة المؤتمرات، مشيراً إلى أن أي عمل هو مشروع أهم خطواته التخطيط لاسيما المسارات الحرجة في الخطط لتقليل المفاجئات مع الاستعداد المبكر والتحذير من هدر الوقت.
لافتا إلى أن نجاح المؤتمرات العلمية الدولية مرهون بتطبيق جيد لمراحل ثلاث (قبل وأثناء وبعد)، مؤكداً أن كل مرحلة لا تقل أهمية عن الأخرى.
وقال عبد العزيز، يجب أن يكون موضوع وهدف المؤتمر واضح ومعاصر Up to Date Subject لضمان المشاركة الفاعلة، وأن يكون أحد الأهداف الرئيسة رفع مستوى المعرفة و تحقيق الانفتاح العلمي من خلال الاستفادة من جلسات عصف الذهن وما قد ينتج عنها من أفكار جديدة. كما لابد أن تبرز نتائج المؤتمر المتوقعة مع توضيح المنفعة للمشاركة من الناحية المعلوماتية.
ونوه إلى ضرورة أن تكون فكرة المؤتمر الرئيسة ملفتة ويكون تصميمها جذاب وعلى مستوى عالي من الجودة، مع حسن انتقاء الشخصيات القيادية التي تدير المؤتمر.
سبل النجاح
وقال عبد العزيز، إن نجاح المؤتمرات يتوقف على توفر عوامل عدة من بينها، اختيار موضوع المؤتمر بحيث تخرج توصياته لتقدم لصناع القرارات في الدول حلولاً لمشكلات مجتمعاتهم، كذلك اختيار البلد المنظم والجهة الراعية، لأن المؤتمر الناجح يعتبر مكسباً كبيراً للبلد المنظمة والجهة الراعية والمشاركين على حدٍ سواء.
وتابع، كذلك من عوامل النجاح “وضوح ووحدة الهدف ودقة التخطيط وحسن التنظيم”، وتوفير الميزانية الملائمة للمؤتمر لتيسير مكافأة فريق العمل ووضوح الرؤية للجميع قبل بدء العمل لضرورة الالتزام بمهامهم ودقة التنفيذ في المواعيد المقررة واستبعاد عدم الملتزمين في أي من مراحل المؤتمر.
وأكد ضرورة وضع خطة عمل شاملة للمؤتمر تحدد فيها كافة المهام وتوزع المسؤوليات وفق معايير ثابتة أهمها التخصص واستشعار المسؤولية مع تحديد إطار زمني للتنفيذ وعمل خطط بديلة جاهزة وقابلة للتنفيذ، إضافة لإيجاد ألية مرنة للتواصل بين جميع أفراد منظومة العمل بالمؤتمر.
وشدد على أهمية تفويض السلطات من المدير العام إذا تعذر تواصله مع الإدارة الوسطى لعدم تعطل العمل، وتجنب ظاهرة Free Riders التي تعني وجود أعضاء في اللجان من دون بذل جهد لإنجاح المؤتمر، مما يجعل ضغط العمل ينصب على أناس محددين وهذا أمر يحبط المخلصين.
ونوه أن من بين سبل نجاح المؤتمرات، تطبيق التقنيات الحديثة في كل مراحل المؤتمر، والحرص على التواصل الجيد مع المشاركين، والحرص على تقديم شهادات المشاركين جميعاً وكل من أسهم في إنجاح المؤتمر في حفل الختام وتزويدهم بخطابات شكر عبر البريد الالكتروني.
وأكد عبد العزيز ضرورة عقد جلسة تقييم شاملة للمؤتمر يحضرها جميع من شارك في المؤتمر بهدف التعلم من التجربة و تحسينها مستقبلاً و توثيق العمل حتى يستفيد منه القادمون الجدد، ومتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر مع صناع القرار لبلوغ الهدف الأسمى من المؤتمر وهو تحقيق المنافع للمجتمعات.