حين يصير للرجولة والأنوثة مفاهيم عدة
يعيش الإنسان العربي المعاصر مخاض العصرنة والتحديث في مجتمع بني أساساً على الأعراف التقليدية والموروثات الاجتماعية، فالعرب بأجيالهم السابقة واللاحقة، يعانون كبتا وجمودا ويعيشون حصارا فكريا واجتماعيا ودينيا، يعود مجمل هذه المعاناة، إلى مشهد، اجتماعي- اقتصادي- ثقافي- ديني معقد ومتخلف ينخر الجسم العربي مند القرن الثاني عشر الميلادي.
واقع فرض علينا ازدواجية بين الفكر والتطبيق، في كل المناحي الحياتية اليومية وحتى المصيرية. فبتنا ضائعين بين عصرنة وتراث، بين أفكار وتطلعات حملتها إلينا نماذج الغرب، وبين محاولات إضفاء الشرعية الدينية على التقاليد والقيم ومواقف الرجل من المرأة ومن الكثير من القضايا، وبين دعوات التحرر التي تقتحمنا وتثير الجدال حولنا وفي داخلنا . لذلك لم نستطع أن نحافظ على أصالتنا نقية، ولم نستطع أن نترك تراثنا وراء ظهرنا، أو أن نوازن بين التراث وبين القيم الجديدة علينا وعلى منظومتنا الفكرية والعملية.
لقد خلق الله لكل شيء مقابل في الطبيعة، ذكر وأنثى ولكل وظيفة ومهمة يقوم بها. الرجل والمرأة من نفس الجنس البشري وانقسامهما راجع لأداء وظيفتين ومهمتين مختلفتين وإلا ما كانا ليخلقا مختلفين، لو كانت وظيفتهما واحدة لخلقا جنس واحد فقط. واختلافهما يكمن في الخصوصيات الذاتية والوظائف والمهام المختلفة والمنوطة بكل طرف على حدة.
إذن هما متقابلين وليس متعارضين لذلك لا يصح أن نقارن بينهما، لان لكل واحد وظيفة لا يستطيع أحدهما أن يؤديها بدلا من الآخر. باختصار شديد هما عنصرين بشريين من نفس الجنس لكن يختلفان من حيث المهام والوظائف.
يشترك الرجل والمرأة في تحقيق الزوجية ليس بتعارض أو تساوي بل بتكامل دون المس بحق الآخر أو مس بواجباته أو إقصاء لدوره في الحياة اليومية، وإلا تحدث حالات شاذة ومرضية داخل المجتمع. فكان للمرأة حقها المشروع في كل شيء حتى في العقيدة حيث أعطى الله سبحانه مثل امرأة نوح ولوط إذ كانتا زوجتي نبيين لكنهما اعتقدا غير أزواجهما.
كما أن الدور الذي أعطاه الله تعالى لمريم وأم موسى دليل على مكانة المرأة ودليل على أنها قادرة على إعمال العقل والفكر كالرجل تماما، فهي كما سلف حرة في معتقدها وحياتها وملكيتها حيث قال تعالى “وللنساء نصيب مما اكتسبن”. كما يحق لها قبول أو رفض شريك حياتها ولها الحق الكامل في اختيار أمور حياتها كلها.
حين خرج أدم وحواء من الجنة أشار الله إلى أدم بكلمة “فتشقى” ومعناها أن الرجل هو من سيتحمل أتعاب الحياة وإكراهاتها، أما المرأة فهي الطمأنينة والسكينة وهنا جوهر اختلاف الوظائف والمهام ولا ينفي دور أحد على حساب الآخر.
يشترك الرجل والمرأة أيضا في الهدف الإجتماعي الأسمى وهو التربية لتحقيق مجتمع سوي أخلاقيا وقيميا سواء بمناهج سماوية أو وضعية وذلك بهدف تحقيق تربية اجتماعية شاملة تدفع نحو تحقيق هذه الغاية المنشودة في إطار التعاون والتكامل حيث يقول الله تعالى “إنما المؤمنون إخوة”. يشتركان أيضا في تحقيق التكامل المجتمعي الإنساني والتكافؤ بين النوعين وهو تكافؤ ليس فقط مادي وإنما أخلاقي وقيمي.
فالله حين أشار لآدم بالشقاء فهذا لا يعني أن المرأة لا يحق لها العمل كما يذهب إلى ذلك البعض بل كلفه بالمهام العسيرة وهنا رأفة بالمرأة وبأنوثتها وليس تقليلا من قيمتها، فالنبي تزوج من امرأة تاجرة والعديد من النساء في التاريخ الإسلامي امتهن حرفا ووظائف. لكن المعتقدات الموروثة جعلت المرأة تعاني الأمرين من خلال التأويلات التي لحقت ببعض المفاهيم والتي استخدمها تجار الدين للحط من شأنها واحتقارها، وأحيانا تعنيفها وإلحاق الضرر بها. إنها محترمة ومحتقرة في نفس الوقت، فهي الأم الحنون المحترمة والأخت عنوان الشرف والزوجة الغريبة المعرضة لكل الشتائم والتي يتعامل الرجال معها على أنها الأدنى.