صراع المرأة والرجل وانتصار فكر الغموض
الواقع العربي، للأسف لم يعد فيه مكان للوسطية والإعتدال فإما متشددا أو متفسخا من هويته، لذا نحن بحاجة إلى صحوة دينية تعيد قراءة النص الديني بشكل عقلاني يعيد للرجل وخصوصا للمرأة مكانتها اللائقة بها وحقوقها كاملة. لن يتأتى ذلك من دون عقلانية عربية معاصرة وتجديد الخطاب الديني والإبتعاد عن آراء المؤسسات الدينية التي نصبت نفسها وصية على الدين وأيضا رجال دين ودعاة لا هدف لهم سوى الإتجار بالدين.
فالدين في بدايته حد من جبروت الرجل ومن وحشيته وسوء المعاملة ليرتقي به إلى عالم المودة والتعايش، فالإنسان إذن كان محور جدال في كل الأديان بهدف بناء مجتمع عادل سوي تختفي فيه الإنتماءات القبلية و العصبيات المبنية على روابط الدم والمال. من أجل أيضا تحرير الفرد من كافة القيود والأغلال، التي تقف أمام نهضته وانطلاقته في البناء والتشييد والتنمية. يقول جعفر لملك الحبشة مصورا له واقعهم: “أيها الملك، كنَّا قوما أهل جاهلية. نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار، ويأكل القوي منَّا الضعيف.”
كما أننا لا يمكن أن نغفل الدور السلبي الذي لعبه بعض المنسوبين للدين، خصوصا و أن الدين يلعب دورا كبيرا وفاعلا في تكوين شخصية الفرد وبنيته الفكرية والثقافية وعلاقاته الاجتماعية منذ نشأته. كما أن بعض رجال الدين أجازوا لأنفسهم تفسير الدين من مواقعهم الخاصة، وبما يتفق مع أهوائهم. فكان من الطبيعي أن تنشأ الازدواجية في المواقف، ويظهر الانفصام بين القول والفعل، ويتضخم التناقض بين الفكر والممارسة ولاسيما حين يتعلق الأمر بوضع المرأة.
فقد تشبعت عقول شريحة كبيرة من المجتمع بمفاهيم مغلوطة نتيجة تفسيراتهم وتأويلاتهم التي تحمل سمة المجتمع الباترياركي بعيدا عن الدين ومناهجه. وبما أن الدين يشكل شخصية الفرد وثقافته في المجتمع العربي يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هل يفهم العامة الدين على حقيقته، هل يفهمون تشريعاته ومناهجه الإجتماعية كما يجب، وهل ترجمها الإنسان العربي إلى أفعال ومواقف في تعامله وحياته اليومية؟
هي فقط أسئلة من وجهة نظر سوسيولوجية لواقعنا العربي المعاصر….
وبعيدا عن الدين، للمشاكل الإقتصادية والإجتماعية في المجتمع العربي دور كبير في الإكراهات اليومية التي تؤثر في العلاقة بين الرجل والمرأة. كما لا يجب أن ننسى النكسات والمشاكل التي عانها المجتمع العربي ولا زال وكلها أمور أثرت بشكل سلبي وتركت ظلالها المظلمة على الشكل الاجتماعي وعلى كثير من القضايا الأساسية الخاصة بالثقافة وأساليب المعيشة وعلاقات الناس بعضهم ببعضهم.
فقد تمت معالجة قضية المرأة بصيغ ناقصة ومغلوطة من غير أدلة قرآنية واضحة ونظر لأحوال المرأة في المجتمع والحياة من منظور البيئة التي ظهر فيها الدين، لذا علينا التفريق بين التشريع الثابت بالقران وتشريعات الأفراد عبر التاريخ كل من موقعه وفكره والذي كان عرضة للتأثير الاجتماعي والسياسي الذكوري.
في الدين عناصر وعوامل تراعي تطور الزمان والمكان، الضرورات والحاجات والعوامل الطارئة، وهذا كله يجعل الشريعة قابلة لمواجهة التطور والتغيير ومتطلبات الفرد، لذا وضع الخطوط العريضة لحياة إنسانية مشتركة بين الرجل والمرأة وترك تحديد تفاصيلها للناس أنفسهم حسب احتياجاتهم، ومدى توافقها مع ضرورات العصر ومقتضياته.