محمد أركون.. حداثي ناقد للعقلية الإسلامية
محمد أركون، واحد من أبرز المفكرين العرب المعاصرين، ولد بمنطقة تيزي وزو في 1 فبراير 1928، وعاش بفرنسا ودفن في15 سبتمبر 2010 عن عمر ناهز الثمانين عاما، بمقبرة الشهداء في العاصمة المغربية الرباط تنفيذا لوصيته. فيلسوف حداثي آمن بما وراء الحداثة وانتقد العقل الإسلامي بعقلية فرنسية غربية، لكنه قال أيضا أنه عانى من نظرة الأوربيين له كمسلم تقليدي.
تلقى تعليمه الأولي في تيزي وزو مسقط رأسه، ثم التحق بوالده في عين تموشنت، ثم التحق بجامعة الجزائر حيث أنهى دراسته الجامعية، غادر بعدها إلى باريس ليكمل دراسته بجامعة السوربون، بتوصية من المستشرق لويس ماسينيون، حيث درس الفلسفة وتخرج منها في يونيو 1969، سنة بعد ثورة ماي لسنة 1968 التي سمحت بميلاد الجمهورية الخامسة، كما بدأ مشواره التدريسي بنفس الجامعة قبل أن يتنقل بين برلين وليون ولندن ونيويورك، وهي التجربة التي سمحت له بتكوين مشروعه الفكري.
ارتكز محمد أركون على نقد العقل الإسلامي، من خلال دراسة النصوص الدينية وأصول الفقه، التي أصلها العلماء في القرون الأولى من مجيء الإسلام، التي جسدت آنذاك قدرة العقل الإسلامي على التحليل والاستقراء والتفسير. لذلك يرى أركون أن هذه الأصول ظلت فيما بعد قوانين مقدسة لا يمكن تغييرها بتغيير الظروف الاجتماعية والتاريخية، لذلك كان مشروعه سعي نحو محاولة فهم النص الديني من خلال تركيبته الأدبية والقرائن التي تواكبه.
ويبقى محمد أركون واحد من المفكرين العرب الكبار، فقد أخذ على عاتقه مهمة البحث والنقد الجذري للتراث العربي الإسلامي، واعتبر ذلك ضروريا للانطلاق نحو العصرنة والحداثة، ويعتبره الكثيرون امتداد لأعمال رواد النهضة الأوائل كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وشكيب أرسلان وطه حسين. حتى إن إحدى أطروحاته الجامعية كانت تحت عنوان “الجانب الإصلاحي في أعمال المفكر العربي طه حسين”، كما قدم أركون أيضا نقدا جذريا للفكر العربي الإسلامي لم يسبق لمفكر عربي وإسلامي أن اقتحمه.
كما أن مشروعه لقي انتقادات واسعة من طرف مفكرين مختصين في الفكر الإسلامي واعتبروا فكر أركون أو نظريته في نقد الفكر الإسلامي تتم بطريقة ومنهجية غربية، التي حاول من خلالها نزع صفة القدسية على النصوص الدينية كما يرون. ويضيف آخرون، أن أعمال أركون تدخل في نطاق الاستشراق فهو لا يعدو كونه مستشرقا في مقارباته حول التراث العربي والإسلامي. كما ذهب آخرون إلى اعتبار مشروع محمد أركون الفكري ليس سوى تتمة لتجربة الفكر الفرنسي في تعامله مع التراث المسيحي. فرنسا التي ضلت تعتبره ثمرة النموذج التنويري الفرنسي أي ذلك المنصهر في قالبها، وهو نفسه الذي لم يتوقف يوما عن نقذ علمانيتها لحد تسميتها بالعلمانوية.
فقد كان وسيطا فاشلا بين الشرق والغرب على حد توصيف جورج طرابيشي، ويرى حسن حنفي أن أركون هرب من دوره التنويري ببلده. وإن دراساته ومقارباته بالرغم من حشدها بترسانة من المصطلحات والمفاهيم المعرفية الغربية والاستعانة بالعلوم الإنسانية الجديدة في الغرب لم تقدم إضافة حقيقية جادة للفكر العربي والإسلامي كما يرى علي حرب، مثلا قياسا إلى مقاربات محمد عابد الجابري وحسن حنفي وزكي نجيب محمود على سبيل المثال.
في حين يرى الأديب والمترجم هاشم صالح، الذي قدم أركون للقارئ العربي من خلال ترجمة مؤلفاته أو حواراته، أنه انتصر للفكر وتفوق أركون على جميع المثقفين العرب الذين تصدوا لدراسة التراث أو تجديد التراث أو نقد العقل العربي. وإن مشروعه هو وحده الذي بقي صامداً في الساحة في حين تبخرت كل المشاريع الأخرى إلى حد كبير أو اندثرت أو فقدت مصداقيتها. والسبب هو أنه يذهب إلى أعماق الأشياء ولا يتوقف في منتصف الطريق. و فكره عبارة عن حفر أركيولوجي في الأعماق أو أعماق الأعماق حتى يصل إلى عقدة العقد التراثية المستعصية فيفكها ويضيئها بشكل غير مسبوق.
ألف محمد أركون العديد من الكتب بالفرنسية، رغم إجادته للغة العربية، والتي ترجمت فيما بعد إلى العربية، وأبرزها “الفكر العربي”، وكتاب “الإسلام بين الأمس والغد”، وكتاب آخر حول “تاريخية الفكر العربي الإسلامي”، ثم كتاب “الفكر الإسلامي قراءة علمية”، و”الإسلام والأخلاق والسياسة”، كتب أيضا مؤلفا فكريا حول “الفكر الإسلامي نقد واجتهاد”, وأيضا “استحالة التأصيل”.
كما ألف الراحل كتب أخرى: “نزعة الأنسنة في الفكر العربي”، “من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي” و”معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية”، “قضايا في نقد العقد الديني”، و”العلمنة والدين”.