منذ عهد الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة رفض عزم جماعة سعودية ساهمت معه في تأسيس السعودية، ولكنهم أرادوا استكمال ضم العراق بعد ضم الحجاز 1925، ولكنه رفض الملك عبد العزيز بسبب وجود معاهدات حدودية وقعت في المحمرة والعقير مع العراق والكويت، ولا يمكن أن يصطدم الملك عبد العزيز مع قوة عالمية تحتل الكويت والعراق، لكنهم أصروا على ذلك من أن ذلك حسب رأيهم يصب في غزواتهم جهادا ونصرا للإسلام، ولم يستجيب لتلك الدعوات القاصرة الصادرة من جماعة.
ومن قبل رفض الملك عبد العزيز طلبا من الحكومة البريطانية بأن يكون الملك عبد العزيز طرفا في تكوين جيشا يتكون من الجيش السعودي وابن صباح وخزعل الكعبي ليقوموا بتحرير البصرة من الدولة العثمانية لكنه رفض الملك عبد العزيز هذا التدخل.
وعندما علمت الدولة العثمانية بذلك اعترفت بالدولة السعودية عرف باتفاق الصبيحة، ثم قامت الحرب العالمية الأولى، فانشغلت بريطانيا والدولة العثمانية بتلك الحرب، وأكد الملك عبد العزيز التزامه في هذه الحرب بعدم إعلان الحرب على ألمانيا وتركيا كما تريد بريطانيا، وهو ما يسمى بالحياد الإيجابي الذي لا يغضب أحدا، لكنه يحافظ على مصالح الدولة نفسها، في المقابل نجد الشريف حسين وابنه فيصل رفضا طلب الدولة العثمانية طرد الإنجليز من قناة السويس، كذلك وقف ابن رشيد مع الدولة العثمانية، نجح البريطانيون في انتزاع العراق من الدولة العثمانية 1914والتي نتج عنها اتفاقية اعتراف بريطانيا بسيادة الملك عبد العزيز في دارين قرب مدينة القطيف في 26/12/1915، لكن نجد أن الشريف حسين بن علي رفع شعار الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية بعد إخراجهم من الحجاز في 10 يونيو 1916 لم يشترك الملك عبد العزيز في هذه الثورة ولم يقم بمثلها، وهو ما جعل بريطانيا والدولة العثمانية تقفان على الحياد عندما ضم الملك عبد العزيز الحجاز في سبتمبر 1924- ديسمبر 1925 حيث تنازل الملك حسين عن العرش ورحل عن الحجاز، فقط تركت بريطانيا إيران تسيطر على إقليم الأحواز في 20/4/1925 من أجل عمل توازن قوى بين طرفي الخليج العربي.
رفض الملك عبد العزيز طلب البنا زعيم الإخوان المسلمين الذي حضر للحج عام 1936 فتح فرع للجماعة في السعودية، وقال قولته المشهورة كلنا إخوان مسلمون، وأثناء أزمتهم مع الرئيس جمال عبد الناصر لكن في ظل ظروف سياسية وخلافات أحدثتها النزعة القويمة والنظام الاشتراكي في مصر خلال حقبة الخمسينيات والستينيات، استضاف الملك سعود والملك فيصل بعض أعضاء الجماعة للاستفادة من كفاءتهم خصوصا في قطاع التعليم، ولكن مقابل العيش بعيدا عن الانضمام إلى أي جماعة حزبية، أو ممارسة أي دور سياسي داخل المجتمعات المسالمة والمستقرة، وألا يمس أحد منهم بالهوية الدينية والسيادة الاجتماعية.
لكن هناك أحداث حدثت في السعودية بعد الثورة الخمينية عام 1979 اقتحام جهيمان الحرم في نفس السنة، كما توترت العلاقة بين الدولة والإخوان في اثناء حرب الخليج الثانية المتمثلة في احتلال العراق الكويت في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، وسبق أن أرسلت السعودية قواتها في زمن الملك سعود عندما أراد عبد الكريم قاسم ضم الكويت عند استقلاله عام 1961 من بريطانيا، ولم تثق السعودية ببريطانيا بل أرسلت قواتها إلى الكويت، وكذلك عدد من الدول العربية أرسلت قواتها إلى الكويت، لأن لبريطانيا لها تجربة في تسليم الأهواز لإيران عام 1924، وكذلك تسليم الجزر الإماراتية الثلاث فيما بعد عند استقلال دولة الإمارات عام 1971 لإيران.
توترت العلاقة بين الدولة وبين الإخوان وموقفهم المتوافق مع أغلب الجماعات الإسلامية في السعودية، والتي تحفظت على مشاركة قوات غير مسلمة في قتال العراق، ولم يتذكروا أن السعودية استضافتهم هربا من جحيم جمال عبد الناصر، لكنهم سيطروا على المناحي التعليمية في الجامعات تحديدا في عقدي السبعينيات والثمانينات، وهي الفرص التي أتيحت لهم التي لا علاقة لها بالتربية والتعليم والقيم والأخلاق بل شاركوا في وضع مناهج التلقين لتغذية العقول بالسموم الفكرية التي تأسر عقل المتلقي وتجهله لخدمة أهدافها السياسية لتوليد الأفكار المتطرفة والإرهاب بمختلف اشكاله، وكذلك على المنابر الإعلامية، والجمعيات الخيرية والمؤسسات الإسلامية ذات الأدوار السياسية.
نشطت منذ عام 1981 الصحوة الإخوانية السرورية المضلة والمضللة وكانت لها قطاعات شعبية واسعة، ومنذ منتصف الستينيات بدأ فكر الجماعة بالانتشار في السعودية بشقيه البنائي نسبة إلى حسن البنا، والقطبي نسبة إلى سيد قطب ، ومن ورائهما ظهرت السرورية وهي هجين جمع السلفية والإخوانية، وتنسب إلى معلم مادة الرياضيات السوري محمد سرور زين العابدين الذي خرج من عباءة الإخوان بشكل صوري أواخر الستينيات، وأنشأ تيار حركي الذي خرج بمبادئ جديدة مزجت ما بين السلفية التيار السائد في المجتمع السعودي والأفكار الإخوانية ولاحقا أصبح هذا الهجين اشتهر بمسمى التيار السروري وهو المحرك الرئيس لحركة الصحوة.
رغم أن السعودية لم تكن غافلة،ولديها قراءة تاريخية منذ كشف الوجه الحقيقي للإخوان عندما قامت ثورة 1948 في اليمن ( ثورة الدستور) توترت علاقتهم مع السعودية بسبب مساندة أعضائها للثورة، ومن بينهم صهر البنا عبد الحكيم عابدين، حيث أطلقت تصريحات غاضبة ومسيئة ضد السعودية لوقوفها ضد الثورة لأن السعودية كانت تخشى قيام فوضى في اليمن، مما جعل الملك عبد العزيز يقف أمام محاولاتهم التغلغل بأفكارهم الثورية ودعوتهم المتطرفة والمستترة إلى السعودية في عهد المؤسس الملك عبد العزيز.
وأيضا في عهد الملك خالد توترت العلاقة مع الإخوان بعد أن انكشفت نواياهم السيئة بتأييدهم للثورة الخمينية عام 1979، وهو ما يعني أنهم يحاولون استغلال أي ثورة أو فوضى في المنطقة لتحقيق أهدافهم السياسية في الوصول إلى السلطة، لكن حرب الاتحاد السوفيتي في نفس العام 1979 فرضت التهدئة مع جماعة الإخوان، مما ساهم في وجودهم وسيطرتهم على المؤسسات التعليمية المختلفة وتوغلهم فيها لبناء قاعدة جماهيرية واسعة.
**أستاذ الجغرافيا السياسية جامعة أم القرى، مكة المكرمة