وانتشر فكر الإخوان عندما تم تولي الدكتور كمال الهلباوي القيادي الإخواني السابق والمتحدث باسم التنظيم الدولي منصب رئيس لجنة مستشاري بناء المناهج المدرسية في وزارة المعارف السعودية على مدى خمس سنوات ما بين عامي 1982 – 1987، أدخل خلالها الوصايا العشر لحسن البنا الذي يشرح مبادئ جماعة الإخوان، وكتاب معالم في الطريق لسيد قطب الذي اعتبره زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أيمن الظواهري بأنه دستور الجهاديين في العالم، كما يسلط الكتاب على مفهوم الحاكمية الذي يعد الحجر الرئيسي في المنظومة الفكرية لجميع حركات الإسلام السياسي، وليس فقط تنظيم الإخوان، وأول من رفعه الخوارج الذين قالوا لا حكم إلا لله عندها قال الإمام علي رضوان الله عليه حق أريد به باطل، ويقولون لا إمرة إلا لله وإنه لابد للناس من أمير، وطوي هذا الفكر قرونا طويلة من الزمن إلى أن بعث من مرقده وبعث على يد أبو للأعلى المودودي ثم نقلها عنه سيد قطب، ومن أكبر مشاريعهم الانتقال من العلوم الإسلامية والدعوة إلى الله إلى مشروع أكبر وهو أسلمة العلوم بمعناها العام.
حولوا السعودية ودول الخليج إلى مركز لجمع الأموال لجماعة الإخوان العالمية، وحورت جماعة الإخوان المسمى من أجل ضمان تحقيق التزامها للدولة وفي نفس الوقت استقطاب الشباب السعودي المتشرب لفكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودمجه بفكر الإخوان للتورية والتضليل من أجل تمرير فكر الصحوة الإسلامية، وكانت الدولة تراقب وكذلك هيئة كبار العلماء، وكانت لديها شكوك وحذر من هذا الفكر الدخيل، لكن لبس ثوب السلفية يجعله في مأمن.
وكان للصحوة الإسلامية تنظيم سري يستقطب الشباب عبر أنشطة الجوالة، وفي جلساتهم السرية يروجون أن الحكام لا يحكمون بما أنزل الله، بل إن في كتبهم التي يقرأها الشباب يعتبرون الحكام العرب مرتدون وطواغيت، لكن لا يصرحون بذلك في العلن، ومطلبهم إقامة دولة إسلامية، وبالفعل خرجت من عباءتهم داعش التي تدعوا إلى إقامة دولة إسلامية ومن قبلهم القاعدة، وتلقت قيادات الصحوة في داخل دول الخليج وخاصة داخل السعودية من المرجعية العالمية إلى تجييش الشباب ضد حكوماتهم في حرب الخليج الثانية بسبب استعانتها بقوات دولية لإخراج صدام حسين من الكويت.
انكشفت حقيقة تنظيم الإخوان مع ثورات ما يسمى بثورات الربيع العربي وحكم أكبر بلد عربي مصر، وعدم قدرتهم على حكمه لمدة عام فقط، سارعت السعودية إلى دعم الشعب المصري المنتفض ضد تنظيم الإخوان، ودعم الجيش بكل الإمكانيات في 2013، وفي مارس من عام 2014 صنفت وزارة الداخلية تنظيم الإخوان ضمن التنظيمات الإرهابية، كما أكدت ذلك هيئة كبار العلماء بالسعودية عام 2017 وأنها جماعة لا تمثل منهج الإسلام لأنها تتبع أهداف حزبية المخالفة لهدى الدين، وهو منهج قائم على الخروج على الدولة، وهي جماعة منحرفة قائمة على منازعة ولاة الأمور والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد، وخرج من رحم جماعة الإخوان جماعات إرهابية عاثت في البلاد والعباد فسادا، وفي مارس 2018 وصف سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جماعة الإخوان بانها حاضنة للإرهابيين، كما هاجم الجماعة في مقابلة تلفزيونية في محطة سي بي إس الأمريكية، متعهدا باجتثاث عناصر الإخوان المسلمين.
حيث تلتقي جماعة الإخوان المسلمين بالثورة الخمينية باعتراف الجماعة نفسها وهذا اللقاء كشفت عنه مجلة إنترسبت الأميركية وقالت إنه عقد في تركيا عام 2014 وتم الاتفاق خلاله على توحيد الجهود ضد السعودية.
لا يمكن الفصل بين التنظيمات الإسلامية إخوانية وخمينية في تحالفها مع المتطرفين الذين هدفهم جميعا إقامة خلافة إسلامية أو إمامة أو ولاية فقيه أو مرشد، عبر إسقاط الأنظمة في مصر والسعودية، عبر بناء قواعد إقليمية في الخرطوم إلى أن سقط نظام البشير عام 2018.
وكان العائدين من جهاد أفغانستان وهزيمة السوفيات في 1989 حاولوا اقناع السعودية بدعمهم لإنهاء ما أسموه الأنظمة الكافرة في المنطقة وتغطية إرهابهم بشرعية السعودية، فبدأوا حربهم على السعودية وعلى دول الاعتدال في المنطقة، فاجتمعوا تحت مظلة حسن الترابي في الخرطوم عام 1992 وأطلقوا حملتهم لإسقاط الحكومات المعتدلة، وكان هدفهم الاستراتيجي أساسا وأولا إسقاط مصر، وعندما تسنح الظروف السيطرة على السعودية، وإقامة خلافة إسلامية.
وقد أزيحت موجة التطرف بفضل التحالف المصري السعودي وشركائها، لكن يبقى التحدي الإيراني الذي له مطامع إقليمية عقائدية غير خفية، فإضافة إلى تمددها في الهلال الخصيب من العراق إلى لبنان، فلنظامها مطامع تاريخية في الجزيرة العربية وعلى رأسها السعودية، تتجسد في الهيمنة على مناطق شرق التي فشلت في السيطرة عليها بعدما أرسلت السعودية جيشها إلى البحرين عام 2011 لحماية البحرين،وكذلك حمت المنطقة الشرقية من السعودية، لكن سيطرت إيران على جنوب السعودية في اليمن للوصول إلى أقدس مقدسات المسلمين مكة والمدينة لوضعها تحت تأثير ولاية الفقيه ووصولها لليمن يخدم استراتيجيتها لتطويق السعودية، خصوصا وإن إيران تنظر إلى أنها أداة دولية للنظام حتى تتمكن من إقامة جمهورية خمينية على حدود الحجاز وعلى مسافة جغرافية خطيرة من مكة والمدينة القلب الروحي للعالم الإسلامي.
فالسعودية وقفت أمام جميع هذه المشاريع، فهي التي قادت مصالحة العلا في يناير 2021، ثم اتتزيارة أردوغان للسعودية تبعتها زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتركيا، حتى أصبح هناك موت سريري لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين وبقية الجماعات المتطرفة التي خرجت من مظلتها.
يؤكد هذا الموت السريري حوار أمير قطر الشيخ تميم لمجلة لوبوان الفرنسية بأن قطر تتعامل مع الحكومات لا المنظمات السياسية، وليس هناك أي أعضاء نشطاء من الإخوان أو أي جماعة متصلة بها على الأراضي القطرية، جاءت عقب زيارة الرئيس المصري لدولة قطر في 14/9/2022 لدعم التضامن العربي وتفعيل العمل العربي المشترك لتحقيق هدف رئيسي وهو الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة خلال المرحلة الراهنة في ظل ظروف عدم الاستقرار الإقليمي والدولي الذي يجتاح العالم.
وحتمية استعادة مفهوم الدولة الوطنية والحفاظ على سيادة ووحدة أراضي الدول وعدم التعامل تحت أي شكل من الأشكال مع التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة.
**أستاذ الجغرافيا السياسية جامعة أم القرى، مكة المكرمة