أخبارفي الصميم

العقدة البومدينية ودبلوماسية تصدير الأزمات

تحكي القصة أن قبيلة من الهنود الحمر سألوا زعيمهم: هل سيكون الشتاء القادم بارداً أم معتدلاً؟ ولكي يثبت رصانة توقعاته رغم جهله بتوقعات الطقس، قال بحذر: نعم سيكون بارداً، ابدؤوا بجمع الحطب للتدفئة. بعد فترة وجيزة، أراد الزعيم التأكد من صحة كلامه، فاتصل بقسم الأرصاد، وسأل الموظف: هل سيكون الشتاء القادم بارداً؟ أجابه نعم سيكون بارداً جداً، فجمع الزعيم رجال عشيرته من جديد وقال لهم : الشتاء هذا العام سيكون أكثر من بارد، اجمعوا الكثير من الحطب.

بعد فترة أراد الزعيم التأكد من أن التوقعات لم تتغير، وعاد واتصل بموظف الأرصاد الجوية ليسأله من جديد، فأجابه الموظف: سيكون مرعباً في برودته، برودة لم تعرف البلاد مثيلاً لها في التاريخ. فسأله الزعيم وكيف تعرف ذلك ؟ أجابه الموظف، لأن الهنود الحمر يجمعون الحطب بكثرة منذُ أكثر من شهر.

بقلم : ذ. عبدالله العبادي

الوضع في قصر المرادية أشبه بكثير بحال زعيم قبيلة الهنود الحمر مع موظف الأرصاد، فكلاهما يعتمد على الآخر والاثنان لا يعلمان شيئاً عن الطقس، وعندما يعتمد مدعي السياسة على العسكري المستبد، فمن الطبيعي أن يكون الوضع كارثياً وأن تحل المصائب الواحدة تلو الأخرى وأن تضيع الجهود سدى.

ما يقع في قصر الجنرالات حقيقة مرة، لكنها أصبحت مألوفة للأسف، والضحية عقول الناس التي تعرضت لعمليات تكوين معتقدات وأفكار مشوهة عن الآخر، وتقبل نظريات مغلوطة وأحكام مسبقة وتاريخ مزيف، بحيث يمكن لأي شخص عاقل أن يفك شفرات هذا السرك العسكري السياسي، لكن البعض يدعم بصدق مقولاتهم ادعاء كاذبا رغم وجود أدلة دامغة تثبت العكس.

سفير تونس السابق في الدوحة يقول على لسان الراحل بوتفليقة، في حوار معه في التسعينيات، طلب منه السفير حل مشكلة البوليساريو إذا وصل للحكم يوما، لبناء المغرب الكبير، فوعده بحل المشكلة بشكل نهائي، وأضاف بوتفليقة أن قضية البوليساريو هي قضية بومدين وليست قضية الشعب الجزائري وإلغائها وحلها مرهون  بقرار سيادي قوي. لكن بوتفليقة وصل للحكم ولعقود لكنه لم يستطع تحريك العقول الجامدة، الشيء الذي يفسر من يحكم الجزائر فعليا، فهو ليس نظام عسكري فحسب بل ميليشيات مرتزقة وأنظمة وظيفية لا علاقة لها لا بالوطنية ولا بمشاكل المجتمع.

عقدة ابراهيم بوخروبة بدأت منذ انقلابه، ولا زال الشعب الجزائري يدفع ثمنها غاليا إلى اليوم ومنها عقدة المغرب. معركة الشعب الشقيق هي في الداخل، وليس مع الجيران كما يحلو لكابرانات المرادية تمريرها، للتغطية على الأزمات المتعاقبة التي يتخبط فيها المجتمع. نظام العسكر ركز منذ الاستقلال على أمور كثيرة خارجية إلا تنمية المجتمع ورفاه المواطنين في بلد غني بالطاقة، فالمعركة داخلية بالأساس وليس في افتعال فتنة مع الجار لتصدير الأزمة وشحن الشعب ضد العدو المجهول والخيالي.

النظام العسكري اليوم لا يستطيع الخروج من جلباب بومدين، لأنه يعي جيدا أن الثمن سيكون غاليا ومكلفا، وهو حراك شعبي من أجل دولة مدنية، والتوقف عن تبذير أموال شعب مقهور على ميليشيات مرتزقة محاصرة في جنوب الجزائر. الكثير من الشجاعة ضروري في هذا الوقت بالذات، تعني الشجاعة هنا، مصالحة الناس مع الذات، وأن لا وجود لمشكلة للجزائر مع المغرب، بل هو فتنة أوجدها بومدين وهي عداء جزائري ضد المغرب عن طريق افتعال قضيّة وهمية، يسترزق منها الجنرالات لتمويه شعب بكامله.

مريدي عقيدة بومدين، يتابعون سياسة الهروب إلى الخارج تفاديا لمعالجة مشاكل الداخل، مما يعمق الأزمة التي يعيش في ظلّها نظام انتهت صلاحيته منذ عقود، وهو يسعى الآن إلى التركيز ومواصلة استفزاز الجيران عوض بناء الدولة والمجتمع الجزائري.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button