يقول سقراط الحكيم ” من ايجابيات الظروف الصعبة أنها تعيد ترتيب أماكن الأشخاص وتضع كل شخص في مكانه الحقيقي”. و انتقد، عالم الاجتماع وأحد رواد الفكر التنويري النقدي العربي “علي الوردي”، بشدة مفاسد المجتمع والوعاظ قائلا: “الغريب أن الواعظين أنفسهم لا يتبعون النصائح التي ينادون بها، فهم يقولن للناس نظفوا قلوبكم من أدران الحسد والشهوة والأنانية، بينما نجدهم أحيانا أكثر الناس حسدا وشهوة وأنانية”.
زمن السحرة كتاب لفولفرام ايلنبرغر من زمن مقاطعة فايمار الفتية وحقبتها التي اتسمت بالتوترات السياسية والإقتصادية والتعصب الإيديولوجي وأنتجت حركة فكرية كانت ثورة على الفلسفة التقليدية قادها كبار مفكري المرحلة أنذاك لودفيغ فتغنشتاين ومارتن هايدغر وإرنست كاسيرر وفالتر بنيامين. أفكار حملت العديد من الرهانات كنهاية الميتافيزيقا والعودة للوجودية وسبلا جديدة لإدراك المعرفة، لكنهم اجمعوا على التركيز على أزمة الديمقراطية والانطواء الهوياتي ونقد التكنولوجيا والتنمية المستدامة.
يجزم صاحب الكتاب ويتساءل لماذا فشل هؤلاء المفكرين في التأثير على مجريات الأحداث، ترد الفيلسوفة المجرية أنييس هيلر وتقول بان السبب هو أن الفلسفة لا تقدم أجوبة عن الأسئلة التي يطرحها العالم، بل تقدم فقط منهج البحث عن الأجوبة ، فالفيلسوف ينظر إلى العالم ويفكر في ما يجري، دون أن يؤمن ببلوغه التمام. نفس الإيمان يراه جورج لوكاتش بأن الفلسفة تنظر إلى العالم بعيون طفل وتفكر في البدائل الممكنة لهذا العالم.
نحن بصدد معاينة انحطاط القيم والأخلاق الفردية والجماعية والمؤسساتية داخل المجتمع المغربي المعاصر، كم نحن بحاجة لسجالات فكرية حقيقة وواقعية تعيد الفكر النقدي وتعيد طرح الإشكالات المجتمعية الراهنة بصيغة واقعية. أنا لا أنتصر للعلوم الإجتماعية هنا على حساب الفلسفة لكن أرى تداخلهم راهنيا جدير بالقيمة التي يمكن أن يقدماها خدمة للمجتمع المغربي.
كم نحن بحاجة لمفكرين تنويريين عقلانيين ومدرسة نقدية معاصرة جديدة لإيجاد تصورات نظرية للقوى الإجتماعية التي تتحكم في عملية التحول الإجتماعي التي يشهدها مجتمعنا الحديث تعتمد العقلانية التواصلية الهابرماسية والتي مثلت نقلة نوعية بالاعتماد على القوى الناعمة بدلا من القوى العنيفة لتحقيق عملية التحول الإجتماعي في المجتمع الحديث.
ونتجاوز السوداوية التي تهيمن على فكرنا وأمالنا ونرفضها كما رفض هابرماس النزعة التشاؤمية التي ميزت أساتذته بمدرسة فرانكفورت، يذهب ألان تورين بأن هذه التشاؤمية تدل أيضا على الفهم العميق للواقع الذي يوجه الوعي نحو البحث عن بدائل ممكنة لأن المستقبل غير مغلق بل مفتوح على احتمال تجاوز أوضاعنا الراهنة.
حين تم توظيف العقل كأداة لخدمة الإنتاج الصناعي في المجتمعات المعاصرة، ترتب عنه ظهور العقل الأداتي، إذ قام هابرماس بنقد هذا العقل وأحل محله العقل التواصلي، وتنشيط فاعلية العقل التواصلي تكون بإعادة توظيف دور الفلسفة في المجتمع. إلا أن هذا العقل التواصلي الذي يدعو له هابرماس والمتأصل في الممارسة اللغوية والهدف منه التفاهم، يرغم الفلسفة أن تنجز من جديد مهمات نسقية وهنا تتدخل العلوم الإجتماعية في علاقة تشاركية مع الفلسفة التي ستقوم بالعمل على تأسيس نظرية عقلانية. هذا العقل التواصلي الهابرماسي يسعى دوما وراء وضع أسس شروط حقيقية لمجتمع ممكن.