أي مصير ينتظر العرب وسط التغيرات السريعة للمشهد الدولي؟ وكيف يمكن للعرب التموقع وسط عالم مجزأ وعلى وشك الحرب؟ وما هي فرص وحدود التأثر بهذه التغيرات؟ وهل يعيد العرب حساباتهم الإقليمية، على الأقل فيما بينهم، بناءً على تحالفات ومعادلات جديدة برؤى مختلفة؟
من المعلوم دوما أن الصراعات العنيفة والأزمات الدولية، تعيد تشكيل الخريطة السياسية العالمية، كلما حطت الحرب أوزارها. والحرب الروسية الأوكرانية لن تكون استثناء، فالدب الروسي يعرف جيدا التطورات العالمية، ويدرس جيدا خططه بدقة عالية مع حلفائه الصينيين، وربما وجد الفرصة مواتية ليشد الخناق على الغرب من خلال قطع إمدادات الغاز والبترول.
الحرب الآن هي حرب على الواقع أي في الميدان، وحرب اقتصادية وتجاذبات سياسية بين مختلف التحالفات، من طوكيو إلى واشنطن، الكل يبحث عن موطأ قدم في الخريطة الجديدة التي سيحددها القوي والمنتصر. أوكرانيا هي بداية صراع الروس وحلف الناتو، وكلاهما يريد شد الخناق على الآخر من أجل المصالح الأمنية والقومية.
الصراع في أوكرانيا لن يكون الأخير بل ستنشب صراعات متفرقة هنا وهناك، مثل الصراع الصيني الأمريكي المرتقب في بحر تايوان، هناك صراعات أخرى بين الأرمن وأذريبجان، وستظهر بؤر أخرى للتوتر، تفضي في النهاية إلى تشكيل نظام عالمي جديد، وكما قال هيراقليطس “الحرب أم كل الأشياء”.
الأمريكيون، يفعلون كل شيء من أجل سيادة الكون، وفرض هيمنتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية، والتنين الصيني لا يتوقف عن الزحف نحو الريادة، ويتوسع اقتصاديا في كل القارات ويبحث عن حلفاء وشركاء اقتصاديين وسياسيين. أما قيادة الكريملين فتطمح لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية، وبوتين لا يخفي حلمه بان يصبح قيصرا جديدا للإمبراطورية. دون أن ننسى بروز دول ناشئة في إفريقيا وجنوب شرق أسيا وأمريكا اللاتينية، وهي الآن تحاول التموقع بشكل جيد في الخريطة الاقتصادية العالمية أولا، ثم البحث عن التحالفات السياسية حسب الخريطة العالمية الجديدة أو ما تفرزه تطورات النظام العالمي الجديد.
القرن العشرين كان قرنا دمويا بامتياز، حربين عالميتين وحروب بالوكالة وحروب على الإرهاب، بحيث تغير الشكل الكلاسيكي للحروب النظامية كما نظر لها كارل فون كلاوسفيتز في كتابه المعروف “عن الحرب”. إلا أن الحرب الروسية الكلاسيكية أعادت المفهوم إلى الواجهة من جديد، فالحرب حسب كارل فون هي عمل عنيف يهدف إلى فرض إرادة طرف على طرف آخر. وبالتالي فالحرب هي المحددة لصيغ السلام، وبروز قيادات جديدة وانهيار أخرى، فالحروب ليست وليدة الصدف بل هي دائمة ويستمر التحضير لها دوما من خلال عمليات التسلح والاستعداد الدائم للمعارك.
فقد أظهرت الأحداث التاريخية أن القوى والأقطاب تتصادم بينها بشكل كارثي، من اجل الهيمنة والقضاء على الآخر بغية فرض النفوذ العالمي، صراع الروس في أوكرانيا ليس فقط ضد الأوكرانيين، بل الباب الذي يوصلهم للغرب وحلف الناتو، وربما جر دول أخرى للحرب. فالحرب هي من تحسم النزاع وتفرض القوانين والخرائط الجديدة والتموقعات المستقبلية للدول والتحالفات.
إذن هناك مستقبل غامض بعد الحرب، ينبأ بمدى المتغيرات التي قد يشهدها النظام العالمي الجديد، والتبعات المنتظرة على الأنظمة التابعة الأخرى لكل قطب، وتأثير ذلك على التوازنات الدولية والإقليمية بشكل عام. على المستوى العربي، يبدو الأمر معقدا جدا، فالإشكالية مربكة ومركبة نظرا للعديد من التعقيدات الداخلية والخارجية، فالكثير من الدول العربية لم تجد طريقها بعد لبناء الدولة بعد الخراب العربي.
نظرا لكل تلك المتغيرات الداخلية والخارجية، فمسارات التحول تحددها السياسات الخارجية للدولة ومدى تنوع شركائها الخارجيين اقتصاديا وسياسيا وتموقعها الجيد والواضح مع الجميع. فأي مصير ينتظر العرب وسط التغيرات السريعة للمشهد الدولي؟ وكيف يمكن للعرب التموقع وسط عالم مجزأ وعلى وشك الحرب؟ وما هي فرص وحدود التأثر بهذه التغيرات؟ وهل يعيد العرب حساباتهم الإقليمية، على الأقل فيما بينهم، بناءً على تحالفات ومعادلات جديدة برؤى مختلفة؟