هل ستتجاوز الحكومة سياساتها العشوائية والعمل على تحسين معيشة من تعسرت وضعياتهم الاجتماعية؟ أم تواصل سياسة النعامة والاتجاه إلى اللاأين واللامخرج؟ كيف يمكنها تفادي الاصطدام بالشارع وتجنب هزات أكثر إرباكا؟ بعد كل هذه الأسئلة نختم بسؤال جوهري: هل تتوفر لدى الحكومة شروط نجاح ما نطمح إليه؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن تساؤلاتنا.
كان على حق رائد السوسيولوجيا العربية ابن خلدون حين ربط العمران بالسياسة، وبطريقة أدق وبمفاهيمنا الحديثة، حين ربط التنمية بالسياسة. ولعل ما أطر الحياة البشرية منذ القدم هي القاعدة الخلدونية: الظلم السياسي ينبأ بخراب العمران أي تقهقر الاقتصاد أي اختلال ميزان التنمية وتراجعه رهين بإدارة سياسية ضعيفة وغير مسؤولة.
اقتصاد أي مجتمع كيفما كانت درجة تقدمه أو تخلفه هو نتيجة لسياسات عمومية نجحت أو فشلت في تدبير الشأن المحلي بطريقة تراهن فيها على هدف منشود يجب الوصول إليه وتحقيقه خدمة للوطن والمواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية.
راهن الكثير من المفكرين المعاصرين على هذه الثنائية أو الجدلية، حيث طور جيمس بوكنان مدرسة الخيارات العمومية وتناول الحوافز السلبية التي تملكها البيروقراطية في تسيير الشأن العام وفي نفس السياق راجع العلاقة بين السياسي والمواطن وكيف أثرت هذه العلاقة على تطور أو تراجع الاقتصاد، كما اهتم هايك بنفس الثنائية في كتابه الطريق إلى العبودية، في حين يرى ميلتون أن الحكومات هي المشكلة.
الأصل والهدف من بناء الدولة العادلة والقوية، هو تمكين المواطنين من العيش الكريم والعادل ولن يتحقق ذلك إلا بقوانين تسمح بهيكلة الإنتاج وتوزيع الثروة، أي إنتاج التنمية وجعل المجتمع يعمل بشكل صحيح وإيجابي.
الأفراد ينتخبون الساسة ويدفعون لهم من الضرائب للإشراف على السير العادي والصحيح للمشاريع الإنمائية التي تعود بالنفع على المواطنين بالدرجة الأولى وتحقيق نمو اقتصادي للبلد، فهل يفعل سياسيونا ما يجب فعله؟ أم فقط شعارات انتخابية لا تسمن ولا تغني من جوع؟
تعيش معظم المجتمعات العالمية أزمة اقتصادية خانقة منذ سنين، واليوم مع نتائج ما بعد الوباء أكيد تأزم الوضع بشكل مخيف خصوصا في الدول الثالثية والسائرة في طريق النمو، والمغرب على غرار هذه الدول تأثر اقتصاده بشكل كبير، وتضررت الطبقات الهشة والفقيرة بالدرجة الأولى وفقد الكثيرون عملهم اليومي وقوت عيشهم. أسئلة عميقة وراهنية تطرح بخصوص تدبير المرحلة سياسيا، اقتصاديا واجتماعيا، وطرق التعامل مع المرحلة وكيفية الخروج بأقل الأضرار والخسائر.
أسئلة كثيرة يجب أن تطرح آنيا ومستقبليا، قد تدفعنا أيضا لنساءل الذات عن الامتحان العسير الذي نمر به الآن بسبب تداعيات الفيروس والحرب الروسية الأوكرانية والأزمات المتتالية للطاقة وآثارها على الاقتصاد، وهل ستكون هذه الأزمات سببا كافيا وضروريا لتغيير وجه السياسة مستقبلا ببلادنا؟ أي تدبير سياسي وتنموي لما بعد الأزمة؟ كيف ستكون مخططات الإصلاح المقبلة خصوصا بقطاعين حيويين كالتعليم والصحة؟ نتساءل أيضا عن دور الأحزاب ومشاريعهم ونقاشهم المستقبلي؟