تعيش الطبقة المهمشة في المجتمع المغربي حالة من عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي، إنها أول الطبقات المتأثرة بكل التغيرات الدولية وتقلبات الأسواق العالمية، فهي لم تحظ يوما باهتمام كاف من طرف الحكومات المتعاقبة، حتى لا تتأذى كثيرا من تقلبات الأوضاع الدولية. فما هي إذن، نوعية القيم التي تجمعنا اليوم كمجتمع؟ وما هي أسباب تدهور وضعها يوما بعد يوم؟ وكيف يمكن إذن بناء الخيارات الاقتصادية لحماية هذه الفئة؟ وهل نملك القدرات لصياغة أجوبة للتحديات المستقبلية.
يعرف المجتمع المغربي منذ عقود ظهور شريحة كبيرة من الكادحين والكثير منهم يعيش على هامش المجتمع، وهي نتيجة حتمية لعقود من السياسات العقيمة، وارتبط الفقر دوما بفشل المشاريع التنموية وسيادة التخلف. إذ عرف المجتمع تطورا غير متكافئ على كثير من الأصعدة، أدى إلى حالة احتقان واحتجاجات أحيانا، منادية بتقسيم عادل للثروات، وفرص العمل والصحة والشغل، والتمدرس والكرامة الإنسانية، وإدارة مواطنة تسهر على شؤون جميع المواطنين بشكل شفاف وعادل دون إقصاء.
تسود الحاجة والفقر العديد من الأسر بشكل متفاوت، فالمظهر الاجتماعي العام لهذه الفئة، يسوده العوز وتتسع رقعته بتوالي الأزمات الاقتصادية وتراجع فرص الشغل، كما أن العمل الاجتماعي ضعيف جدا ولا يرقى إلى سياسات اجتماعية توفر الحماية الاجتماعية للمحتاجين كما يسود في دول الشمال، حيث الفقر الهامشي المحدود والمنحصر والذي يحظى دوما باهتمام بالغ من طرف مؤسسات العمل الاجتماعي.
المقاربة الماركسية للفقر ترفض اعتباره ناتجا عن طبيعة إنسانية وتنتقد بشدة الإتجاه المالتوسي، فظاهرة الفقر نتاج تراكم فشل كبير لسياسات حكومية عقيمة ساهمت في استمرار ثقافة الريع واقتصاد الامتيازات والنهب والفساد المتفشي، مما يزيد من تعميق الهوة بين الطبقات الاجتماعية وتعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في ظل أزمة صحية خطيرة سببتها الظاهرة الفيروسية كشفت الكثير من الاختلالات الكبيرة في الكثير من الميادين.
الحكومة مطالبة اليوم بالاستثمار الجيد في الرأسمال البشري وتقوية دور الدولة وتشجيع الفلاحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي العام، وتأهيل الصناعة وتشجيع الإنتاج المحلي وتقليص التبعية للخارج، وإعطاء التعليم الأولوية من خلال تحسين المدرسة العمومية وتوفير تعليم متكافئ للجميع وتشجيع البحث العلمي والرفع من الميزانية المخصصة له، وتأهيل قطاع الصحة وتسهيل الولوج إليه لجميع الطبقات الاجتماعية عبر شمولية التغطية الصحية، والحد من تسريح العمال وتوفير فرص شغل للحد من الفقر.
فالدخول الاجتماعي الحالي له طعم خاص، حيث العديد من التحديات والحكومة مطالبة لمعالجتها بمشاركة الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، لتفادي احتجاجات اجتماعية وصدام مع المجتمع المدني. والتعامل بحنكة مع كل الأضرار التي سببتها الجائحة والتي لحقت بالطبقة العاملة وأرباب المقاولات الصغرى والمتوسطة، لتفادي الانهيار التام لمشاريعهم ومساعدتهم على توفير فرص شغل لتخطي الأزمة بأمان.
وللصعوبة التي تكتسيها المرحلة المقبلة، والدخول الاستثنائي لهذه السنة، فالحكومة مطالبة بسياسات رشيدة وآنية لا عشوائية والتشاور مع كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين والمركزيات النقابية وكل الأحزاب السياسية، والكل مدعو إلى الانخراط في المشروع الوطني الذي يكفل للوطن تجاوز الأزمة التي سببتها الجائحة والمشاكل العالمية، والتي ضاعفت من معاناة العديد من المواطنين دوي الدخل المحدود في ظل غلاء معيشي وتزايد متطلبات الحياة من تعليم وتطبيب أصبح مكلفا جدا للكثيرين.