أنبوب الغاز إفريقيا-الأطلسي.. مشروع إقليمي للتكامل وتجسيد للرؤية الملكية للتنمية بإفريقيا
بقلم: البراق شادي عبدالسلام
” سيساهم أنبوب الغاز إفريقيا – الأطلسي في هيكلة سوق كهربائية إقليمية، وسيشكل مصدرا أساسيا للطاقة، و يجعله في خدمة التطور الصناعي، فضلا عن كونه سيعزز من التنافسية الاقتصادية، وسيرفع من وتيرة التقدم الإجتماعي ، سيتيح هذا المشروع إنتاج الثروات بالبلدان والشعوب المجاورة المعنية، حيث سيخلق حركية قوية، تضفي دينامية تساهم في تحقيق التقدم، وتطوير مشاريع موازية و سيسمح بإقامة علاقات أكثر استقرارا وهدوءا، سواء على المستوى الثنائي أو متعدد الأطراف، وسيفرز مناخا محفزا لتحقيق التقدم والنمو..//
مقتطف من الخطاب التاريخي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في القمة 28 للإتحاد الإفريقي بأديس أبابا.
هذا الخطاب القوي في معانيه و المباشر في مقاصده يشكل خارطة طريق واضحة المعالم للمستقبل التنموي لغرب وشمال إفريقيا فالمشروع الهيكلي المغربي النيجيري العملاق لبناء أنبوب الغاز الأطلسي – الإفريقي هو تجسيد حقيقي و واقعي للرؤية الملكية السامية للسياسة المغربية في أفريقيا المرتكزة على التنمية المستدامة للشعوب الإفريقية كهدف أسمى قائم على مقاربة “رابح-رابح”.
مشروع متفرد يقوي الروابط بين الشعوب الإفريقية و يندرج في صلب السياسات القارية التي تدعو إلى التكامل الإقتصادي و التعاون البناء بين كل دول القارة الإفريقية لتثمين ثرواتها وحماية مقدراتها من السياسات الإستعمارية وأطماع بعض القوى التي تحن إلى تاريخها الإمبريالي البغيض القائم على النهب و الإستغلال و الإستعباد لمقدرات الشعوب الإفريقية .
المغرب يقدم للعالم كدولة إفريقية بموقع إستراتيجي مهم يجعله بوابة إفريقية للعالم مشروعه التنموي الإفريقي كجزء أساسي من إستراتيجية وطنية بأبعاد دولية جسدتها علاقات التعاون القوية والروابط الكثيفة و الصادقة التي نسجها المغرب و جل الدول الإفريقية الصديقة منذ آلاف السنين و أكدتها الزيارات الملكية التنموية لمختلف ربوع و أقاليم ودول إفريقيا .
▪️الأنبوب الأطلسي – الإفريقي مشروع إقليمي بأبعاد دولية :
سيمتد أنبوب الغاز من نيجيريا إلى المغرب على طول 5660 كيلو مترًا و يغطي ترابيا 13 دولة أفريقية تشمل (نيجيريا وبينين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، والمغرب) كما سيُزود أسواق الدول غير الساحلية (النيجر وبوركينا فاسو ومالي) بالغاز.
أي ما يعادل سوقا داخلية ناتجها الإجمالي يقدر بـ670 مليار دولار، بتأثير إيجابي على أكثر من 340 مليون من سكان القارة السمراء، حيث تفوق تكلفة المشروع 30 مليار دولار، فنيجيريا تتوفر على حوالي 5300 مليار متر مكعب من الإحتياطي المؤكد ، لذا يستهدف هذا المشروع نقل ما بين 30 و40 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنويًا إلى أسواق الطاقة في غرب إفريقيا و أوروبا حيث سيتيح كهربة كاملة وشاملة لمنطقة غرب أفريقيا، مما يساعد لبناء منظومة إقتصادية تعتمد على التآزر والتكاملية مع البنية التحتية في المنطقة ، ستشكل سوق إقليمي تنافسي للكهرباء .
المشروع يحظى باهتمام أوروبي كبير لأنه سيدخل في إستراتيجية أوروبا العامة لتنويع مصادر الطاقة والافتكاك من الهيمنة الروسية على مجال الطاقة (روسيا تزود السوق الأوروبية بأكثر من 40% من استهلاكها من الغاز الطبيعي أي مايعادل نحو 150 مليار متر مكعب وهو ما يمثّل ثلث إحتياجات القارة بقيمة تصل إلى 50 مليار يورو.) حيث سيتم تركيب خط أنبوب الغاز على طول ساحل غرب أفريقيا، وصولاً إلى المغرب ليتم ربطه بأنبوب الغاز المغاربي – الأوروبي وشبكة الغاز الأوروبية.
مشروع أنبوب الغاز الأطلسي الإفريقي هو طريق جديد للإندماج الإقليمي بين مختلف شعوب غرب و شمال القارة الأفريقية بقيادة إقليمية مغربية – نيجيرية ، من خلال تنفيذ مشاريع اندماجية وتشاركية برؤية متجددة للتعاون المتعدد الأطراف يروم تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة، و التكامل القاري والإقليمي بالبحث على فرص الإستثمار المستدام في المجال الفلاحي و الطاقات المتجددة و تطوير البنية التحتية، والصحة والتعليم وإيجاد مسالك جديدة لترويج السلع الأفريقية عن طريق تثمينها و تعزيز السيادة الطاقية و ترسيخ قيم الإستقرار والسلام والأمن كمداخل للديمقراطية و الحكامة الرشيدة .
مشروع إستراتيجي للقارة الإفريقية ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة 2030 و أجندة 2063 الإفريقية و الاهداف الإقليمية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو).
▪️ الأنبوب الجزائري- النيجيري تجسيد للحلم البومديني بالهيمنة الإقليمية :
بشكل متوازي مع أنبوب الغاز إفريقيا – الأطلسي و في إطار العقيدة البومدينية التي تحدد السياسات الجزائرية القائمة على الهيمنة الإقليمية و معاكسة طموحات و مصالح المغرب الإقتصادية و السياسية و كرد فعل على مشروع الأنبوب المغربي – النيجيري فإن الجزائر تسعى لإعادة إحياء مشروع قديم يستحيل عمليا و تقنيا تنفيذه، هو خط أنابيب الغاز العابر للصحراء نجيريا – النيجير – الجزائر بطول 4128 كيلومترًا.
ويعرف أيضا باسم خط أنابيب الغاز العابر لأفريقيا NIGAL حيث تقدر الكلفة الاجمالية للمشروع بنحو 20 مليار دولار لخط الأنابيب و مليارات أخرى لإنشاء مراكز التجميع الإقليمية ، ومن المتوقع أن ينقل حوالي 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا إلى أوروبا من نيجيريا عبر النيجر والجزائر.
رغم التطمينات الجزائرية فإن هذا الخط في حالة إنشاءه سيعتبر من أخطر الأنابيب الناقلة للطاقة في العالم بسبب عبوره لمنطقة أمنية جد خطيرة و متقلبة هي منطقة الساحل الإفريقي و الصحراء الكبرى فمسار الخط يعبر من عدة نقاط ساخنة أمنيا، خاصة في دلتا نهر النيجر جنوبي نيجيريا، الذي تنشط به عدة مجموعات مسلحة أهمها “منتقمو دلتا النيجر” Niger Delta Avengersوالتي تستهدف أنابيب نقل الغاز والنفط بالمنطقة. بالإضافة لحركات أخرى ك “حركة تحرير دلتا النيجر” ، أو ما تعرف اختصارًا بـ«MEND»، و إتحاد مجتمعات إيجاو بدلتا النيجر، المعروف اختصارًا بـ«FNDIC»، وقوات متطوعين شعوب دلتا النيجر، المعروفة بـ«NDPVF»، وجماعات دينية مثل جماعة «كي كي» وجماعة جرينلاندرز .
هذه الجماعات و التنظيمات تقوم بشكل دوري بعمليات تخريبية تستهدف خطوط الإمداد من حقول النفط و الغاز في الدلتا جنوب البلاد حيث كلف إصلاح خطوط الأنابيب (غاز ونفط) 143.6 مليون دولار ما بين يناير 2020 إلى يناير 2021 بحسب بيانات شركة النفط الوطنية النيجيرية (إن إن بي سي).وفي شمالي البلاد، يخوض الجيش النيجيري حرباً ضروسا ضد جماعة بوكو حرام، وتنظيم داعش في غرب إفريقيا، ولم تتمكن بعد من حسمها رغم تحالفها مع عدة بلدان (النيجر والكاميرون وبنين، وتشاد).
أما النيجر فتواجه تحدياً مزدوجاً من بوكو حرام في الجنوب الشرقي، وداعش الصحراء الكبرى من الغرب ، رغم الإنزال العسكري الفرنسي الكبير بنقل القوات الفرنسية العاملة بعملية برخان في مالي إلى قواعد في غرب النيجير فإن السلوك الذي تنتهجه الجماعات المسلحة في نيجيريا قد تستلهمه الجماعات المتطرفة في النيجير و تستهدف الأنبوب العابر للصحراء رغم إختيار ولاية “زيندر” لعبوره التي تعتبر الأكثر أمنا في البلاد .
المناطق الحدودية بالصحراء الجزائرية تعتبر منطقة أمنية فاشلة بسبب عجز الجيش الجزائري عن بسط سيطرته الكاملة على مسارات التهريب عبر الصحراء الجزائرية التي يسلكها الإرهابيون و المهربون على حد سواء و لذلك لازالت العديد من المناطق تحت التهديد الأمني القريب و خارج تغطية الجيش الجزائري .
كمثال هجوم عين أميناس الذي إستهدف منشأة دولية لإستغلال الغاز الطبيعي بمنطقة تيقتورين سنة 2013 حيث قامت عناصر إرهابية بإحتجاز أكثر من 650 شخصا من بينهم أكثر من 150 من الأجانب من جنسيات مختلفة، هو أكبر دليل على فشل النظام الجزائري في تأمين الأراضي الصحراوية الجزائرية و في تأمين المنشآت النفطية الإستراتيجية كحقول النفط و مصافي الغاز و أنابيب التصدير .
حاليا تنشط في الصحراء الجزائرية و المناطق الحدودية مع مالي و النيجر و ليبيا العديد من الجماعات المسلحة و من المؤكد أنها ستضيف أنبوب الغاز الجزائري النيجيري في بنك أهدافها التخريبية المستقبلية، أهم هذه الجماعات حركة أزواد لتحرير تامنراست وأدرار و حركة تحرير الجنوب الجزائري بالإضافة لجماعات إرهابية متطرفة كالقاعدة في الغرب الإسلامي و داعش الصحراء الكبرى و تنظيمات متطرفة مسلحة من الطوارق .
إذن في حالة ما تم إنجاز هذا المشروع فإن البلدان الثلاثة مضطرة لتأمينه ضد أي عمليات تخريبية تستهدفه بفاتورة غالية ستؤثر على نجاعته ، ما يرجح إمكانية تشكيل تحالف أمني ثلاثي على محور “أبوجا- نيامي- الجزائر”. مما سيجعل تكلفة تأمينه باهظة الثمن ليتحول إلى عبئ جيوسياسي إقليمي .
خط أنابيب الغاز العابر لأفريقيا NIGAL يدخل ضمن الأجندة التوسعية للنظام البومديني في الجزائر بدون أي أفق تنموي و يمكن أن يشكل بؤرة أمنية فاشلة تهدد الأمن الإقليمي في منطقة الصحراء الكبرى و الساحل ، فالنظام الجزائري يسعى لإدخال المنطقة في ” حرب أنابيب ” جيوبوليتيكية لا تتناسب و التحديات التنموية الكبرى التي تواجه شعوبها .
و بالتالي في ظل الظروف الأمنية و الجغرافية المرتبطة بالمشروع الجزائري يظل أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي الرابط بين نيجيريا و المغرب هو الإجابة الوحيدة المطروحة حاليا للعديد من الإشكالات السياسية و الإقتصادية و التنموية التي تعاني منها منطقة الساحل الإفريقي و الصحراء الكبرى .
▪️حرب أنابيب الغاز بين المصالح الإقتصادية و الهيمنة الجيوسياسية :
في ظل تصاعد أهمية إمدادات الطاقة، وحالة التنافس القوية بين الدول المصدرة والتسابق المستمر بين المستوردين لموارد الطاقة، أصبحت “جيوبوليتيك” خطوط النفط والغاز من المحّددات والقضايا الجوهرية المؤّثرة في مسارات الإستقرار العالمي و جزءا أساسيا في السياسات الدولية تحدد التحالفات و الإصطفافات .
وقد أصبحت مشاريع خطوط الطاقة من أهّم القضايا التي تدخل في طلب استراتيجيات الدول السياسية والإقتصادية و في علاقاتها الخارجية. ويتّجلى ذلك في الإرتفاع المّطرد للإستهدافات الأمنية والعسكرية لحقول الطاقة وخطوطها في الصراع الدائر مختلف البقع الساخنة في العالم .
فكرة نقل الغاز النيجيري لأسواق أوروبا كانت هدفا معلنا للعديد من القوى التي تريد التحكم في سوق الغاز العالمي و أهمها روسيا بإحتياطي يبلغ (47 تريليون و800 مليار متر مكعب) في سنة 2009 وقّعت شركة «غاز بروم» الروسية إتفاقًا مع الدولة النيجيرية صاحبة تاسع أكبر إحتياطي من الغاز في العالم، بقيمة 2,5 مليار دولار لبناء مصافي غاز وأنابيب نقل ومحطات توليد طاقة فيها، وذلك بهدف تصدير الغاز نحو أوروبا بواسطة خط أنابيب “الأفريكان ستريم “الذي يمرّ عبر النيجر ثم ليبيا و تونس وصولًا إلى أوروبا عبر إيطاليا.
العديد من المتغيرات طفت على السطح لتنسف المشروع و يدخل في درج النسيان أهمها سقوط نظام القذافي بليبيا و هروب بنعلي بتونس وتغيير الحكومة في إيطاليا بهزيمة برلسكوني في الإنتخابات و ظهور مخاطر أمنية كبرى في جنوب نيجيريا .
رغبة روسيا في تأمين الدور الجيوسياسي الذي تلعبه شبكة خطوط نورد ستريم 1 و2 نحو الأسواق الأوروبية جعلتها تفكر في السيطرة على خطوط الإمداد الإفريقية المحتملة إلى أوروبا بشكل إستباقي ، اليوم هذا الهاجس سيظل قائما خاصة في ظل الحرب الأوكرانية و تداعيات جائحة كورونا على الإقتصاد العالمي.
في الجانب الآخر من العالم وقعت روسيا إتفاقية طويلة الأجل مع الصين بلغت قيمتها حوالي 400 مليار دولار، تُزَوِّد روسيا بموجبها الصين بـ38 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا لمدة ثلاثين سنة وذلك عبر الأنابيب انطلاقًا من الشرق الأقصى إبتداءا من 2018 و ذلك عبر خط أنابيب ” سيلا سيبيري ” أو قوة سيبيريا ، هذا الخط يأتي في وقت تصاعدت فيه العقوبات الغربية على روسيا و يقوي الشراكة الإستراتيجية بين الروس و الصينيين مع إقتراب المواجهة الجيوسياسية الكبرى مع القوى الغربية و الناتو .
منطقة الشرق الأوسط هي الأخرى مسرح عالمي كبير و مؤثر في حرب الأنابيب حيث تعمل روسيا على زيادة نفوذها في الشرق الأوسط من خلال سياسة خطوط الأنابيب، إذ يمكنها دعم ورعاية تنفيذ خط الأنابيب الإسلامي (إيران – العراق – سوريا)، وتصدير الغاز من الحليف الإيراني لروسيا إنطلاقا من الموانئ السورية، اللاذقية أو طرطوس، حيث تمتلك قواعد عسكرية كبيرة هناك.
حيث تقدر إحتياطات إيران حسب بيانات شركة النفط الوطنية الإيرانية، من الغاز الطبيعي يبلغ أكثر من 33.7 تريليون متر مكعب وحجم الاحتياطيات النفطية يصل إلى نحو 157 مليار برميل. وتحتل إيران المركز الثاني عالمياً بعد روسيا في امتلاك أكبر احتياطيات الغاز مما يجعلها في حالة نحاح الإتفاق النووي المبرم معها من أهم الموردين المستقبليين للأسواق الأوروبية .
تمتلك قطر ثالث أكبر احتياطيات من الغاز في العالم، ما جعلها تحتل المرتبة الرابعة ضمن أكبر منتجي الغاز عالميًا، أو حوالي 871.5 تريليون قدم مكعب (24.7 تريليون متر مكعب)، وهو ما يمثل نحو 13.3 في المائة من احتياطيات الغاز العالمية المؤكدة في عام 2013. وبلغ إنتاج قطر في العام الماضي 158.5 مليون متر مكعب، أو ما يعادل 4.7 في المائة إنتاج الغاز العالمي.
الدول الاوربية تعمل على سياسة تنويع مصادر الغاز للاستغناء عن الغاز الروسي في أقرب الآجال , لذا أصبح هدف التخلص من احتكار الغاز الروسي محددالإستراتيجيات السياسة الأوروبية
الأمريكية ،لذلك تسعى الدول الأوربية الحصول على الغاز القطري، إما من خلال إنشاء خط انابيب يربط بين قطر في تركيا. وبالنسبة الى قطر فان سوريا تمثل طريق لنقل الغاز بأسعار رخيصة الى السوق الأوربية، رغم التحديات الأمنية و العسكرية الكبيرة التي تواجهها نتيجة الحرب الأهلية الدائرة هناك منذ سنوات .
الولايات المتحدة تساند انشاء خط انابيب القطري لكونه سيشكل أداة مواجهة وتوازن مع إيران ، وسيوفر ايضاً مصادر متعددة للغاز الى أوروبا بعيداً عن التأثير الروسي، كما ان خط أنابيب قطر سيوفر لتركيا فرصة لتأمين مصادر متعددة لتلبية حاجاتها من الغاز بعيداً عن روسيا وسيعزز ذلك طموحات تركيا لتكون محطة محورية لنقل الغاز بين آسيا وأوروبا.
لا يسعنا المجال هنا للتحدث عن التجاذبات السياسية المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية و حالة الإستقطاب التي تعرفها دول آسيا الوسطى و تركيا لنقل الغاز عبر خط الأنابيب تركي ستريم و خطوط نابوكو و بلو ستريم و أنابيب أخرى مما يحول الصراعات حول التحكم في خطوط الإمداد و حقول الإستخراج حربا حقيقية .
مؤخرا قامت الجزائر بوقف أنبوب المغرب العربي الرابط بين الجزائر و إسبانيا عبر التراب المغربي كنوع من الضغط و محاولة التأثير على الوضع السياسي و الإجتماعي الداخلي بالمغرب .
المملكة المغربية يبدو أنها برؤية إستباقية وضعت تقديرا للموقف قبل القرار الجزائري بسنوات لتخفيف الأضرار الناجمة و البحث عن موردين آخرين و بالفعل نجح المغرب في تجنب أزمة طاقة خطط لها جنرالات الجزائر متوهمين أنهم بقرارهم العدائي يساهمون بخلق أزمة إجتماعية .
في بداية الحرب الروسية الأوكرانية قامت شركة غاز بروم الروسية بإغلاق خط غاز “نورد ستريم1” الذي ينقل الغاز الروسي عبر قاع بحر البلطيق إلى ألمانيا و يبلغ طول الأنبوب أكثر من 1200 كلم وتقدر طاقته السنوية بنحو 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، في الوقت الذي تحتاج فيه ألمانيا إلى 85 مليار متر مكعب في السنة ، مما وضع الألمان في موقف صعب و هددهم بشتاء قاسي يعود بهم لسنوات الحرب العالمية الثانية .
▪️ مقاربة الأمن و السلم والتنمية.. آليات المملكة المغربية للإنخراط في إفريقيا :
تعتمد السياسة المغربية في إفريقيا على عدة مسارات متوازية ومتكاملة للإنخراط في إفريقيا بشكل فعال و مستدام ،أصبح توجه المغرب نحو إفريقيا عقيدة ديبلوماسية تؤطر إستراتيجته الخارجية الإفريقية وقد توجت هذه الإستراتيجية بمجموعة من الإنجازات إبتدأت مع العودة للحضن الإفريقي منظمة الاتحاد الإفريقي في بداية سنة 2017، والحصول على عضوية مجلس الأمن والسلم الإفريقي في بداية عام 2018، وتقديم طلب الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إيكواس ، و نجاح نهج ديبلوماسية القنصليات في حشد التأييد الإفريقي و الدولي لمقترح الحكم الذاتي كإطار سياسي تفاوضي لحل القضية الوطنية ، بالإضافة لتوسيع المشاريع الاستثمارية في العديد من الدول الإفريقية، وقد تحققت هذه الانجازات نتيجة عمل دبلوماسي دؤوب ومسنود بأدوات اقتصادية وإستثمارية مهمة ، عدة مسارات تحدد الطريق الإفريقي للمغرب :
● المسار السياسي :
المغرب ظل إلى جانب القضايا الإفريقية في المحافل الدولية يترافع عنها من أجل تحقيق العدالة الاقتصادية والتنموية بين الدول الغنية والفقيرة، وتفعيل دور الدول الغنية في تقديم مساعدة إفريقيا فى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، كموضوع الهجرة حيث يعتبر جلالة الملك محمد السادس رائد الهجرة الإفريقية و موضوع المناخ بإحتضان المغرب لمؤتمر الأطراف COP22 الذي حدد مجموعة من الأهداف في طريق خدمة التنمية المستدامة و علاقتها بالتغيرات المناخية إضافة إلى الدور المحورى الذى يلعبه المغرب فى تسوية الأزمات والصراعات والحروب فى العديد من دول القارة والتى تقف عائقا أمام التنمية والاستقرار ( كالملف الليبي – الكونغو – ساحل العاج – إفريقيا الوسطى) وملف مكافحة الإرهاب و الجماعات المسلحة .
● مسار التنمية :
القارة الإفريقية مرشحة لتتحول إلى أكبر الأسواق العالمية في أفق 2050 بناتج داخلي خام يفوق 2000 مليار دولار ومعدل نمو يقارب 5% سنة 2014، وبحجم مبادلات تجارية تضاعف في أقل من10 سنوات بحيث انتقل من 600 مليار دولار سنة 2005 إلى 1200 مليار دولار في 2012.
بفضل الرؤية الملكية إستطاع المغرب مبكرا التموقع في قلب المعادلات التنموية الإفريقية عن طريق إستراتيجية تنموية تعتمد على تشجيع التجارة البينية بين دول القارة الإفريقية، والإستفادة من التكنولوجيا الحديثة، والتوسع فى مشروعات تحسين مناخ الأعمال من أجل النهوض بسبل عيش الإنسان الإفريقي وتجفيف منابع التطرف و العنف والإرهاب و العمل على جعل القارة الإفريقية مجال جذب إستثماري بناءا على مقدراتها العملاقة ورأسمالها البشري الكبير و ثرواتها الطبيعية الضخمة من خلال التعامل مع قارة إفريقيا بمنظور جديد يتجاوز النمط الكلاسيكي و يعمل على تنفيد مقاربات الشراكة الجديدة.
جدير بالذكر أنه رغم محدودية الموارد الاقتصادية التي يتوفر عليها المغرب،فقد استطاع أن يحتل المركز الثاني من حيث الاستثمارات الأجنبية في القارة بعد جنوب إفريقيا ،كما أنه يعتبر من أكبر وجهات الإستثمار العالمية في إفريقيا .
هذا المعطى الذي يقف ضد تطلعات مجموعة من القوى العالمية المهيمنة أو بعد القوى الإقليمية الوظيفية التي ترفض العودة المغربية القوية إلى هياكل الاتحاد الإفريقي خوفا من المنافسة الاقتصادية التي يدعمها عامل الإستقرار و الأمن و السلم و التي ستتحول إلى منافسة جيوسياسية تجعل المغرب يحجز مقعده الطبيعي كقوة إقليمية جديدة رائدة بتطلعات قارية .
ختاما السياسة المغربية في إفريقيا هي نتيجة حتمية لعمق الروابط الحضارية والثقافية والانسانية التي تربط الشعب المغربي بالشعوب الإفريقية هو توجه قديم – جديد يعتمد بالأساس على التاريخ الإفريقي العريق للمغرب الممتد عبر ملايين السنين و على الإرث المغربي المشترك مع باقي الشعوب الإفريقية حيث يعتبر المكون الإفريقي جزءا أساسيا من الحضارة المغربية بنص دستوري و الرغبة الدائمة لدى الشعب الإفريقي المغربي لنصرة القضايا الإفريقية و دعم الإنسان الإفريقي والعمل على تكريس الوحدة الافريقية في مواجهة التحديات الأمنية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية المطروحة من أجل مستقبل أفضل لإفريقيا
و هو ما أكد عليه الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 64 لثورة الملك و الشعب بأن ” توجه المغرب نحو إفريقيا لم يكن قرارا عفويا، ولم تفرضه حسابات ظرفية عابرة، بل هو وفاء لهذا التاريخ المشترك، وإيمان صادق بوحدة المصير. كما أنه ثمرة تفكير عميق وواقعي تحكمه رؤية استراتيجية اندماجية بعيدة المدى، وفق مقاربة تدريجية تقوم على التوافق. وترتكز سياستنا القارية على معرفة دقيقة بالواقع الإفريقي .”