كيف تم تدمير هذا البلد؟ وما هي الجذور التاريخية للأزمة العراقية؟ ولماذا لم يستطع، لحد الآن لملمة جراحه والوقوف من جديد؟ أسئلة عويصة لواقع مظلم، يتخبط فيه الشعب العراقي منذ عقود طويلة. إنه العراق المدمر كليا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وكذا تطاحن الفصائل والطوائف والأيادي الخارجية. واقع بئيس لا يعطى أملا في غد مشرق على الأقل على المدى القريب.
سنة 1982 كتب ميلتون فريدمان المُتأثر كثيرًا بمدرسة شيكاغو والذي يعد أشهر منظريها، “أن الأزمة وحدها، سواء أكانت الواقعة أم المنظورة، هي التي تُحدث التغيير الحقيقي. فعند حدوث الأزمة، تكون الإجراءات المتخذة منوطة بالأفكار السائدة. وهنا تأتي على حد اعتقادي وظيفتنا الأساسية: وهي أن نطوّر بدائل للسياسات الموجودة وأن نبقيها حية ومتوفرة إلى حين يصبح المستحيل حتمية سياسية”.
هكذا تم التحضير لتدمير العراق، عراق الحضارة والأدب والفن، بغداد الشموخ وشارع المتنبي وبيت الحكمة، وقرون من الحضارة وإرث أمة شاهد على عصور ذهبية.
عرف العراق في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي نهضة شاملة اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا، أعطت بوادر بناء دولة حديثة في طريقها لتحقيق تنمية حقيقية تخرجها من مصاف الدول المتخلفة. إلا أن النزعة والعقلية التي أدارت المرحلة كانت تتجه نحو الكثير من الاستقلالية، وخصوصا في قطاع النفط وهو ما لم يكن ليسر الامبرياليين. خصوصا وأن أمريكا بدأت تستحوذ على الساحة الدولية، مع تراجع القطب الشرقي، حتى اندثاره مع سقوط جدار برلين.
فكان العراق هدفا للإمبريالية الأمريكية، من أجل إضعافه وإيقاف مسلسل التنمية، ولما السيطرة عليه ومن ثم السيطرة على المنطقة. فكانت الثورة الإيرانية فرصة لا تعوض لإقحام العراق في حرب الثمان السنوات والتي كلفت البلدين الكثير من العتاد والجنود. الحرب التي كانت نتائجها وخيمة على الإقتصادين، ومن ثم بدأ استهداف العراق من أجل تدميره وإشعال نار الفتنة الطائفية بين أبناء البلد الواحد.
عندما انتهت الحرب الإيرانية العراقية، اعتقد النظام العراقي أن الدول الغربية حليفته بالفعل، وهي التي ساعدته في حربه مع إيران، وهي التي كانت ترى فيه القائد الحداثي والذي يمكنه وقف الزحف الإيراني في المنطقة. لكن النظام العراقي اخطأ التقديرات، فالغرب لا تحركه المشاعر بقدر ما تحركه المصالح الاقتصادية.
قصة هذا الصراع الدموي المستمر منذ 42 عامًا والذي أدى في نهاية المطاف إلى الفوضى في جميع ربوع العراق، حقبة زمنية رافقتها أكاذيب وخيانات وتلاعب بالحقائق من طرف الغرب وأبناء العراق الغير الشرعيين، الذين عملوا على المساعدة في تدميره وإشعال نار الحرب بين كل مكوناته ونزوح الآلاف، بعدما كان العراق قبلة لكل العرب الطامحين للعمل والحياة.
إن تقسيم الوطن إلى فرق وشيع ذو نتائج مدمرة على الشعب العراقي والمشهد السياسي برمته، فتم التقسيم إلى شيعة، وعرب سنة، وكرد؛ هذا التقسيم الذي شكلت فيه القوى الشيعية النسبة الأكبر، وكانت المؤسس الأساسي له، والأكثر تأثيرا على مسار العملية السياسية. أما القوى السنية فهي موزعة بين إسلاميين، وعروبيين، وذوي نزعة قبلية، وطائفيين، وذوي حنين لحزب البعث. تقسيم كان سببا في نكسة العراق الذي عاش أهله في سلم وسلام بمختلف اختلافاتهم الدينية والعرقية والإثنية لقرون.
فمنذ سقوط النظام القديم، يعيش العراق في فوضى عارمة، صراعات مسلحة بين الميليشيات والطوائف وتواجد الجيش الأمريكي لمحاربة الإرهاب، وتواجد أيضا الميليشيات الإيرانية على التراب العراقي، وفرصة للأمريكيين للاستثمار في الفرص التي توفرها النزاعات والحروب كما يرى ميلتون. فصار العراق حقل تجارب للسياسة والجماعات المسلحة والتدخلات الخارجية، لم يستطع لحد الآن إيجاد حل لها، وبناء الدولة من جديد.