الغرب يعيش اليوم، أزمة عميقة جدا مست بنيات الأنظمة السياسية الكبرى. فالمشاكل الاقتصادية والأزمات المالية ليست سبب الإشكالية بل من أعراضها، في كتابهما “حالة الأزمة” يتوقف زيكمونت باومان وكارلو بوردوني عند الأزمة بالتحليل والنقد، معللين أن عجز الدول في حل الأزمة المالية دليل قوي على أنها أزمة دائمة وليست مؤقتة، وربما تسمح لنا الأزمة بطرح أسئلة عن كيفية بناء هذه الدول، والحداثة والديمقراطية والعولمة، وكيف انفصلت السلطة عن السياسة، وكيفية انتقال القوة من جانب إلى آخر.
في حين كانت نظرية صامويل هنتاكتون في كتابه صراع الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي الجديد أكثر عنفا وعرفت تحيزا كبيرا للمركزية الغربية وإقصاء للآخر، فكانت أكثر غلوا ورسمت حدودا شاسعة بين الثقافات والهويات والمجتمعات الإنسانية.
في كتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير يرتكز فرنسيس فوكوياما على ثلاث عناصر، في الأولى يرى أن الديمقراطية الحديثة بدأت مع بداية القرن التاسع عشر وانتشرت كبديل للديكتاتوريات، ثانيا، الصراع التاريخي بين العبد والسيد لن ينتهي إلا في ظل ديمقراطيات غربية، والفكرة الثالثة أن الشيوعية لا يمكنها ،ولعدة أسباب حسب رأيه، أن تتنافس مع الديمقراطية المعاصرة، والمستقبل سيكون للأخيرة أو للاشتراكية الديمقراطية.
ومخطئ من يعتقد أن الهدف من السياسة هو محاربة العنف المتفشي، فهو اعتقاد غير سليم لأن العنف في حد ذاته مرتبط باللعبة السياسية سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى العلاقات بين الدول. فقد ارتبط العنف لعقود وقرون بأسلوبي الضغط والهيمنة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأحيانا السيطرة العسكرية.
يرتبط العنف الدولي بالحرب وبالعدوان أي العنف المادي المباشر، وإلى جانب العنف المرئي هناك عنف مستتر أو عنف موجه عن بعد وهو عنف بنيوي مرتبط بالبنيات الإجتماعية والسياسية والدينية.
والضغط، كمفهوم في العلاقات بين الدول يسوده الكثير من الغموض، حيث يأخذ شكل العنف حين يمارس على بلد معين من أجل المس بسيادته ووحدته الترابية واستقراره.
بعد الحرب العالمية الثانية وحصول العديد من الدول على استقلالها وتراجع السيطرة الفرنسية والبريطانية ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة استعمارية جديدة تعد العدة وتخطط لغزو العديد من البلدان والشعوب وخصوصا البلاد العربية.
فقد جمعت الولايات المتحدة الأمريكية بين المفهوم الإمبريالي الكلاسيكي وهو التدخل العسكري المباشر وبين الهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول تحت مسميات جديدة وأشكال متنوعة من أجل إخضاع العديد من الأنظمة والشعوب.
دون أن ننسى مساندتها اللامشروطة للعديد من الأنظمة مهما كانت استبدادية، واعتبار العرب والإسلام مصدر إثارة الإضطرابات والمشاكل وتهديد الأمن والسلم العالمي، وبغض النظر عن ما تنطوي عليه هذه الإتهامات من مغالطات وحيف فإنه من الصعب تحديد مفهوم واضح ومحدد للعنف الدولي وتحديد من يقف وراء كل العمليات التي يتم إلصاقها أحيانا بالأديان أو بشعوب محددة.
كما أن التدخل العسكري الأمريكي المباشر في العديد من الدول العربية ليس له ما يبرره سوى عنف دولة واعتداء سافر من أجل حماية مصالح سياسية وإقليمية، يضاف إلى هذا التدخل وهذه الهيمنة العسكرية عنف اقتصادي وهو عنف هيكلي يهدف إلى الضغط على العديد من الدول والأنظمة من خلال البنك الدولي وشروطه أو التلويح بالعقوبات وتجميد الأرصدة وكذا التدخل المباشر من أجل انهيار اقتصاد ما من خلال الشركات الكبرى العابرة للقارات.
يضاف إلى ذلك دعمها الإيديولوجي والسياسي لأحزاب معينة على حساب أحزاب أخرى مما يثير الفتنة، وتفاقم حدة الصراع بين المعارضة والأنظمة أو بين الأحزاب نفسها.
ويعتبر عنف الدولة أشد قساوة وضررا من عنف الأفراد، فالأول يعتبر ممنهجا ومؤازرا قانونيا في حين يعتبر الثاني مؤقتا يظهر ويختفي وأحيانا فوضويا. لكن في كلتا الحالتين هو تعبير عن مرحلة وحشية يعيشها المجتمع المعاصر في ظل عولمة وامبريالية متوحشة ولا إنسانية.