نظام الجزائر يسجن الصحافي بلقاسم بسبب تمور “دقلة نور”
أيّدت غرفة الإتهام بمجلس قضاء الجزائر الأمر بإيداع الصحافي بلقاسم الحبس المؤقت، بسبب مقال له يتناول قضية معالجة التمور الجزائرية بمواد كيميائية ومنعها من التصدير، وهو الخبر الذي نفته وزارة التجارة.
وعبّر عدد من الصحافيين عن خيبة أملهم بعد قرار الإبقاء على بلقاسم حوام في السجن، ونشروا تعليقات أولية على مواقع التواصل الاجتماعي تعبّر عن الحزن والتعاطف مع بلقاسم حوام.
وكان الأمل معلقاً على غرفة الاتهام في إلغاء قرار قاضي التحقيق بمحكمة حسين داي الابتدائية بالعاصمة إيداع الصحافي الحبس المؤقت.
وأثارت قضية حبس بلقاسم حوام تفاعلات قوية في الأوساط الإعلامية والسياسية، حيث طالبت أحزاب سياسية وجمعيات ومنظمات حقوقية وصحافية دولية بالإفراج عنه.
وكان صحافيون في سياق الحملة الداعية للإفراج عنه، قد نظموا وقفة تضامنية مع حوام بدار الصحافة، أمام مبنى جريدة “الشروق”، يوم الأربعاء الماضي، ورفعوا شعارات ترفض سجن الصحافيين وتؤكد بأن “الصحافة ليست جريمة”.
ووضع بلقاسم حوام رهن الحبس المؤقت يوم الخميس 8 شتنبر الجاري، على خلفية شكوى رفعتها وزارة التجارة ضده بدعوى أن المعلومات التي أوردها بخصوص وقف تصدير التمور الجزائرية، “لا أساس لها من الصحة”.
وتمت متابعة الصحافي بموجب قانون مكافحة المضاربة غير المشروعة، الذي صدر في 28 دجنبر 2021، على خلفية موجات ندرة مست بعض المواد الأساسية.
ويعتبر هذا القانون، من قبيل المضاربة غير المشروعة، ترويج أخبار أو أنباء كاذبة مغرضة بين الجمهور، بغرض إحداث اضطراب في السوق ورفع الأسعار بطريقة مباغتة وغير مبررة. وتتراوح عقوبة هذه التهم بين 5 إلى 30 سنة في أوقات الكوارث والأزمات الصحية والحالات الاستثنائية.
وجاء في المقال محل الإشكال، تحدث صحفي على لسان مصادر، عن قرار اتخذه وزير التجارة بالوقف الفوري لتصدير تمور “دقلة نور” الجزائرية بعد أن سحبت من عدد من الأسواق الأوربية نتيجة معالجتها بمواد كيميائية غير مرخصة في أوروبا. وأبرز أن هذا القرار اتخذ للحفاظ على سمعة التمور الجزائرية، ومعالجة الإشكالات المرتبطة بتصديرها. كما أشار إلى الخسائر الكبيرة التي تعرض لها المنتجون بسبب سحب “دقلة نور” من الرفوف في دول اعتادت استيراد التمور الجزائرية.
وأثار هذا المقال الصادر في النسخة الورقية للجريدة غضب وزارة التجارة وترقية الصادرات، التي أصدرت بيانا يفند هذه المعلومات. وقالت في بيان لها إن “كل ما ورد في هذا المقال مبني على معلومات لا أساس لها من الصحة وغير مبررة وفيها مساس بالاقتصاد الوطني والثروة التي تزخر بها بلادنا”، مشيرة إلى أن “جودة التمور الجزائرية مطلوبة على كل المستويات الدولية”.
وتأسفت الوزارة لـ”هذا التصرف غير المهني المبني على عدم تقصي صاحب المقال للحقائق والمعلومات الموثوقة والمقدمة من طرف مصالحها”، مبرزة أن “جهود هذه الأخيرة منصبة وبشكل كبير على ترقية وتشجيع الصادرات خارج المحروقات”. وأشارت إلى أنها “قررت اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية ضد صاحب المقال والجريدة المعنية بما في ذلك المتابعة القضائية أمام الجهات المختصة”.
وأثار قرار حبس الصحافي حوام بسبب مقال يكفل القانون للجهة المتضررة منه حق الرد، ردود فعل كثيرة لدى الصحفيين الذين تضامنوا مع زميلهم، واعتبروا سجنه متعارضا مع الدستور الذي ينص على حماية الصحفي من العقوبة السالبة للحرية فيما يتصل بعمله الصحفي.
كما صبّت الجزائر جام غضبها على رأس عدو شعب جديد، وهو قابع في السجن في محاكمة قد تودي به إلى سنوات مسنّنة لا ترحم، وهو كسلفه في المسرحية المعروفة “عدو الشعب” للنرويجي هنريك إبسن، كشف عن أن “دقلة النور” ، وهذا نوع من التمور لا يضاهى، ويقترب ليكون رمزاً للبلاد، كما الأهرامات لمصر، وبرج إيفل للفرنسيين، والبرتقال اليافاوي للفلسطينيين، يكشف أنه بضاعة فاسدة، وقد أعيدت كميات كبيرة منه أعدّت للتصدير، بعد الكشف، بحسب المقال، عن الأذى الذي ألحقته به المعالجة الكيميائية. ولم يقل بلقاسم حوام، سوى ما جرى في أروقة الوزارة المعنية من محاولاتٍ لتدارك الأمر، في تقرير إخباري بالغ الاتزان، إلا أن اللعنة حلت فوق رأسه، وما زالت تحلّ حتى الساعة.
وتعتبر “دقلة النور” سلعة الجزائر الأحب والأطيب، ولا تتحمل السلطات كلمة بحقها، إنها تفضل أن تسجن صحافياً، وتخرس كل من تسوّل له نفسه أن يدوس للتمر على طرف. تتحمل البلاد أن يقال إنها بلاد السجون والمظالم وتكميم الأفواه وإغلاق الصحف، ولكنها لا تتحمل أن يقال إن التمر ملوث بالكيمياء.
وموازاة مع ذلك، منعت جريدة “الشروق” من الطبع في المطابع التابعة للحكومة.