إدوارد سعيد والتأويل الخاطئ
مفكر فلسطيني، ولد بالقدس في فاتح نونبر من عام 1935، وتوفي بنيويورك في الخامس والعشرين من شتنبر سنة 2003 بعد صراع طويل مع المرض. يعد واحد من أبرز المثقفين العرب المعاصرين، فبعد قرابة العقدين من رحيله، لا زالت أفكاره تحرك الكثير من النقاد والأقلام.
رغم مغادرته لفلسطين مبكرا إلا أن الأرض سكنته رغم بعد المسافات، إنه كمحمود درويش أو غسان كنفاني بالنسبة للفلسطينيين، مثقف مناضل من أجل الانتماء، إنه مزيج من الإنتاج الفكري والنضال السياسي. كان متعدد الجوانب دو شهرة عالمية، فرغم إنجازاته ومسيرته الفكرية، كان يفتقد الإحساس بالأمان الداخلي ويكتنفه الشك والتوتر على حد تعبير إيفي شلايم في الفاينانشال تايمز، إنها سمة المثقف الذي لا يرتاح له بال، خصوصا وانه غادر الموطن صغيرا.
بين الأصول العربية المقدسية والعيش في الغرب، وجد إدوارد سعيد نوعا ما من الشرخ فكتب “العالم الذي تنتمي إليه عائلتي وتاريخي وبيئتي وذاتي الأولى الحميمية، وهي كلها عربية، من جهة، وعالم تربيتي الكولونيالي وأذواقي وحساسياتي المكتسبة ومجمل حياتي المهنية معلما وكاتبا من جهة أخرى”. فالعلاقة متوترة بين عالمين شكلا وجود سعيد، وبين لغتين وثقافتين مختلفين، إنه المشهد الذي ألقى بظلاله على حياة المفكر.
يصف إدوارد سعيد العلاقة بين العالمين، عالم المنشأ وعالم حياته الآن، بسوء التفاهم والهوة الناجمة عنه، ويقول إن مهمة تجسير الهوة بين العالمين تقع على عاتقه، لذلك عاد يبحث في اللغة العربية والتاريخ والهوية ويعيد قراءة تاريخه بوعيه الحالي.
كان لكتابيه “الاستشراق” و”الثقافة والإمبريالية” صدى واسع، حققا نجاحا كبيرا عالميا، فقد أثار كتاب الاستشراق الكثير من الجدل، والكثير من سوء الفهم وسوء التأويل الذي أثار غضب المفكر سعيد. وقد عبر عن ذلك في أحد مقابلاته، “لقد أعربت مرارا عن قلقي حول هذا الموضوع، إذ أجد أن آرائي يساء تفسيرها، خاصة أنها تشمل انتقادا كبيرا للحركات الإسلامية . أولا أنا علماني. ثانيا أنا لا أثق بالحركات الدينية. وثالثا أنا لا أتفق مع أساليب وحركات ورؤى هذه الحركات. ومن الممكن جدا أن تقرأ لكاتب معين وفقا لتفسير معين، وهذا يحدث معي في كثير من الأحيان، مما أدى إلى سوء فهم.”
في مقدمة الطبعة الجديدة ل “لاستشراق”، أصر على توضيح المسألة، ‘أنا لا أتحدث عن الإسلام، وإنما عن صورة الإسلام في الغرب، وأقدم نقدا للأسس والأهداف التي تقوم عليها هذه التغطية”. ورغم التوضيح، لم يسلم من انتقاد وسوء فهم، سواء الإسلاميين أو بعض المفكرين الآخرين.
لقد حاول تفكيك وخلخلة نظرة الغربيين إلى الشرق، ودحض الصورة النمطية التي اعتمد فيها المستشرقون على دارسات ومفاهيم قامت على أسس غير علمية. وكشف إدوارد علاقة الدراسات الغربية حول الشرق، بالسلطة والنزاعات السياسية، والاستثمارات الكبيرة التي خصصت لهذه الدراسات الإستشراقية حتى صارت مذهبا فكريا أنتج صورة عن الآخر بطريقة تسلطية استعمارية. الأمر الذي أثر في تشكيل الوعي الغربي، وخلق انطباعا سيئا لدى الإنسان الغربي عن الآخر (الشرق)، وأيضا نظرةً سلبية مليئة بالتعصب على العرب والإسلام.
قراءته لعلاقة الغرب بالشرق لم تكن دفاعية بقدر ما كانت منتقدة وكاشفة لخطأ الغرب في تعاطيه ومقاربته للشرق. وطرح في كتابه مقاربة جديدة تساهم في ردم هذه الهوة الكبيرة من خلال احترام التعددية الثقافية والهوياتية، وربط المعرفة بالنزعة الإنسانية عوض ربطها بالتعصب الإيديولوجي المتسلط.
إلى جانب نضاله الفكري والأكاديمي، كان مناضلا سياسيا في المجلس الوطني الفلسطيني لسنين طويلة، لكنه غادره بعد معارضته الشديدة للعديد من القرارات والمواقف السياسية وآخرها اتفاقية أوسلو. وبعد إصابته بالمرض بدأ سعيد كتابة سيرته الذاتية التي أسماها”Out of Place ” ، وقد ترجمت إلى العربية ب “خارج المكان” مما أفقدها المدلول العميق الذي أراده سعيد وهو الغربة، والإحساس باللاأمان، تلك إحدى سمات مأزق إدوارد سعيد في عدم الفهم والتأويل الخاطئ لأفكاره، وهو الذي يبحث دوما عن مكان في بيئته الجديدة، ويكتب بغير لغته الأم، ويحاول المزج بين الثقافة التي نشأ عليها والثقافة الجديدة، ومحاولته إيجاد هوية للتعاطي مع القضايا وهي محاولات لم تكن يسيرة أبدا.