هل شاخت التجربة الإسلامية الإيرانية، ولم تستطع التوفيق بين السياسة والدين، وأدخلت البلاد في بحر من الاحتجاجات المظلمة، وهل سيكون الرد العنيف للنظام هده المرة كافيا لردع الشارع الإيراني، أم فات الأوان؟ وإعلان نهاية الزمن الخميني؟
من الغريب كون الأنظمة المستبدة أو المتسلطة تعمل دوما بنفس الطريقة، مهما اختلفت الحيثيات والمواقع والأزمنة. فهي تعمل دوما على بقائها وديمومتها، وتوظيف كل الطرق والوسائل المتاحة من اجل تحقيق مآربها وكيفما كانت العواقب، إنها فعلا آلات سياسية لا علاقة للعقل البشري بها، فقد تأتي على الأخضر واليابس دون أن تكترث.
عكس الأنظمة الراشدة، التي تعمل جاهدة على تحكيم العقل والحوار والتفاهم من أجل المصلحة العليا للوطن، وليس مصالح أفراد أو مؤسسات دينية أو عسكرية. إنها أنظمة متحضرة تلبس عباءة العلم من اجل النماء والازدهار والتفكير في الأجيال القادمة وتوفير سبل العيش الكريم لها، بعيدا عن الصراعات والاحتجاجات والحرب والعنف.
وجهان مغايران لمجتمعات كونية، الأولى تبحث عن الخلود والسلطة والكراسي مهما كان الثمن، والثانية تجعل السلطة والكراسي في خدمة الشعب وأبنائه. مفارقتان عجيبتان، للأسف يصعب فيهما التنكر للحقيقة والواقع المعاش، الذي يتحدث عن نفسه وعن آلام ومعاناة شعوب لعقود من الزمن.
في إيران الخمينية أو إيران الملالية أو إيران الثورة الإسلامية، سموها كما شئتم، الشعب ينتفض ضد النظام السياسي القائم وعلى شرطة الأخلاق بعد موت شابة بمخافر الشرطة. هل كان مقتل الفتاة سببا كافيا لاندلاع موجات الغضب، أم كانت قضية الفتاة النقطة التي أفاضت الكأس؟
تأتي الاحتجاجات الشعبية الإيرانية اليوم، في وقت غير ملائم ومحوري بالنسبة للنظام الإيراني، نظرا للعديد من المتغيرات الداخلية والخارجية، لذلك سيكون الرد عنيفا وغير مبرر، مما سيؤجج الصراع بين المتظاهرين والسلطة وقد تكون النتائج مصيرية للشعب والنظام في آن واحد. الاستجابة للاحتجاجات كانت سريعة وواسعة النطاق، فخرج الشعب بكل أطيافه وبشتى الوسائل للتنديد بعنف النظام، من تقطيع للشعر إلى التعري، كلها تعبيرات تعبر عن بؤس المواطن وأن السيل بلغ الزبى.
مشاركة النساء بهذا الشكل الملفت للانتباه، إنما يفسر تدمر هذه الشريحة الواسعة، من السلطة والحكم في البلاد. وتعتبر هذه الاحتجاجات بالنسبة للمضطهدين فرصة لاستنشاق هواء جديد يعطي الأمل في الحلم بغد أفضل. كما أن لجوء النظام لقطع الانترنيت إنما يعبر عن التخبط الذي يعيشه اليوم، فهو يحاول قدر الإمكان احتواء الأزمة بطريقته التقليدية الخاصة، عوض الدخول في حوار مع المحتجين من أجل إصلاحات جديدة وإيجاد طرق لحل المشاكل العالقة. وسيذهب إلى اتهام جهات أجنبية وعناصر مندسة لتخريب البلاد، والحديث عن المؤامرات الخارجية، كما تفعل جل الأنظمة المنغلقة، التي لا ترى إلا بعين واحدة.
ليست الاحتجاجات الأولى في إيران وكذلك رد النظام بقساوة. لكنها الأعنف وربما حسب العديد من المراقبين قد تكون مصيرية ومؤثرة وأكثر أهمية. وفي نظري هناك عدة نقاط تؤكد أهمية هذه الاحتجاجات الأخيرة، مثل خروج النساء بهذا الحجم الغير المسبوق إلى الشارع وحرق الحجاب وتقطيع الشعر وهي أمور غير مألوفة في الاحتجاجات الإيرانية، تحدث الإيرانيين بعلانية ومشاركتهم الاحتجاجات، الانتشار الواسع للاحتجاجات في وقت وجيز في جميع أنحاء إيران، أيضا نقطة مهمة أخرى وهي توحيد الكلمة وتجاوز كل الانقسامات، وهو الأمر الذي يدخل النظام في ريب مميت، وهو الذي يلعب دوما على نقاط التفرقة والانقسامات.
إيران البارحة ليست هي إيران اليوم، ومجتمع إيران البارحة ليس هو مجتمع اليوم، تضييع فرص الإصلاحات وتضييق حرية التعبير والعمل السياسي، كلها عجلت بالانتفاضات الواسعة، فالمسألة كانت مسألة وقت فقط. فموت الشابة، كانت الشرارة التي ينتظرها الإيرانيون في مجتمع محتقن بشكل كبير، ومما يفسر ذلك الإقبال الضئيل على المشاركة في الانتخابات الأخيرة بعد إقصاء الخصوم الإصلاحيين.
بعض المصادر تتحدث عن مرض المرشد الأعلى علي خامنئي وغموض حول من يتولى خلافته، والخلافات الإيرانية مع الغرب وأيضا مع دول الجوار وخصوصا الدول العربية، كل هذه القراءات ستكون محددة لمسار الاحتجاجات الإيرانية ونتائجها.
فهل شاخت التجربة الإسلامية الإيرانية، ولم تستطع التوفيق بين السياسة والدين، وأدخلت البلاد في بحر من الاحتجاجات المظلمة، وهل سيكون الرد العنيف للنظام هده المرة كافيا لردع الشارع الإيراني، أم فات الأوان؟ وإعلان نهاية الزمن الخميني؟