أخبارتقارير وملفات

ليبيا بعد “برلين3” وبيان القوى الدولية الوازنة

بقلم/ علي عبد اللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والافريقية  

 ليبيا: كيف ستُجبر معادلة “توازن الضعف” الأطراف المحلية على الذهاب للانتخابات؟    

  رغم مخرجات مؤتمر او لقاء”برلين3″ وبيان كل من “فرنسا” و”إيطاليا” و”ألمانيا” و”الولايات المتحدة” و”بريطانيا”، فانه وبقراءة للتطورات والأحداث وطبيعة وتفاصيل تصريحات طرفي الصراع وتمعن في الفعل السياسي للأجسام القائمة سواء كانت تشريعية (النواب- الأعلى للدولة) او تنفيذية (الرئاسي – الحكومتان المتصارعتان)،فانه يمكن الجزم أن الملف الليبي لا يزال عالقا في مكانه كما لا تزال الانتخابات العامة هدفاً منشوداً لإنهاء الأزمة بين كل الأجسام السياسية المتخاصمة منذ عام 2014، ولا شك أن الأمل قائم وينشده كل الليبيين وهم الذين ملوا الحروب والمناكفة والصراعات والتجاذب السياسي والايديولوجي ورغم أن الأزمة قد وصلت بحسب آراء أغلب المتابعين والمراقبين إلى مرحلة انسداد يصعب معها إيجادُ مخرجٍ، الا أن معادلة توان الضعف (أو توازن القوى) محليا وإقليميا ودوليا ستفرض على الأطراف المحلية حلا مبنيا على خارطة طريق توافقية وهو حل تُجسّده انتخابات عامة قد تكون خلاصاً وحلاً لخلافاتٍ سياسية بدأت قبل قرابة الـ8 سنوات، ويُجيب مقال الحال على تبيان طبيعة معادلة توازن الضعف تلك وخاصة على المستويين المحلي والإقليمي كيف سترسم الخارطة لحل ولو في شكل مُسكنات مؤقتة؟  

** “الدبيبة” وحديث حكومته على خيار الانتخابات مقابل هامش مبادرات الرئاسي المرتقبة

 أولا، ميدانيا وسياسيا وبناء على رؤية المجتمع الدولي والإقليمي لا تزال حكومة الوحدة الوطنية بقيادة “عبدالحميد الدبيبة” في وضع مريح وتتمتع بأسبقية فرض خياراتها وقراءتها خاصة وان كل مؤسسات الدولة هي في العاصمة والتي تسيطر عليها اطراف وقوى في صفها بل وتسندها حتى الآن وتتعاطى معها كما أن نظيرتها (أي حكومة باشاغا) هي في وضع غير مريح رغم اعلان الرجل عن مباشرته لمهامه في كل من “سرت” و”بنغازي” ولكن حتى حلفاء الرجل في شرق البلاد  أصبحوا غير  مرتاحين لوضع حكومته وهم فعليا يبحثون عن حلول أخرى، ومع صمت “مجلس النواب” و”المجلس الأعلى للدولة” خلال المدة الأخيرة عن أي مستجدات بشأن الانتخابات، وكذلك تأخر وصول المبعوث الأممي الجديد “عبد الله باثيلي” وعدم اتضاح رؤيته، يشهد كل الملف الليبي ركوداً لم يحرك سكونه سوى التصريحات الأخيرة لرئيس المجلس الرئاسي، “محمد المنفي”، الذي أعلن فيه استعداد المجلس لأخذ زمام المبادرة وصياغة قاعدة دستورية تفضي إلى انتخابات.

ثانيا، رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا أكد الخميس الماضي (22 -09-2022) “تمسك حكومته بالانتخابات”، معتبراً إياها “الخيار الوحيد للعبور نحو الاستقرار بل وجدد خلال كلمة له في اجتماع مجلس الوزراء الثالث عشر لسنة 2022 في طرابلس الدعوة لرئيسي مجلس الدولة والنواب “لإصدار قاعدة دستورية عادلة وليست مفصلة لتمكين طرف أو منع آخر”، مشدداً على ضرورة “عدم تعليق مستقبل ليبيا على اتفاق مجلسي النواب والدولة، لنرحل جميعاً ولكن عبر الانتخابات”.، وقال في ذلك الشأن: “يجب التفكير بحلول بديلة، في حال عدم إقرار قاعدة دستورية”، معقباً: “لن نترك مستقبل البلاد معلقاً بسبب خلاف على مادة أو مادتين”. ، ولفت الدبيبة إلى أن “المجتمع الدولي أصبح أكثر تفهماً لضرورة إيجاد طريق لإجراء الانتخابات”. 

ثالثا، ينتظر الليبيون منذ بداية العام اتفاق مجلسي، النواب والدولة، على قاعدة دستورية تفضي لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وأدى عدم توافق المجلسين لترحيل الانتخابات التي كانت مقررة نهاية العام الماضي للأسباب ذاتها، ويرجع لُب الخلاف لعدم التفاهم حول شروط الترشح للرئاسة، وخاصة ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، الأمر الذي يؤيده رئيس مجلس النواب “عقيلة صالح” ويرفضه رئيس المجلس الأعلى للدولة “خالد المشري”، وضمن كلمته في اجتماع مجلس الوزراء المشار اليه أعلاه لم يفصح “الدبيبة” عن ماهية الحلول البديلة في حال استمر خلاف المجلسين، وكانت احتجاجات شعبية طافت المدن الليبية في جويلية/يوليو الماضي قد طالبت بحل كل الأجسام السياسية الحالية، وتصدر المجلس الرئاسي لمهمة إنجاز القاعدة الدستورية والذهاب نحو الانتخابات، وكان المجلس الرئاسي قد أبدى استعداده للتدخل، وإنجاز القاعدة الدستورية، بحسب تصريحات لرئيسه “محمد المنفي”، في أكثر مناسبة كان آخرها ما قاله الأربعاء الماضي (21-09-2022) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ77، حين أشار لمتابعة المجلس الرئاسية لـ”جولات الحوار بين المجلسين”، مجلسي النواب والدولة، موضحاً أنها “لا ينبغي أن تستمر من دون حدود زمنية، وأنه على استعداد تام للتدخل من أجل الخروج بالعملية السياسية من طريقها المسدود، متى ما استلزم الأمر ذلك، ويأتي ذلك المخاض في الوقت الذي يستمر فيه الصراع بين حكومة الدبيبة التي ترفض تسليم مهامها إلا لجهة منتخبة، والحكومة المكلفة من مجلس النواب، برئاسة فتحي باشاغا، حيث تعمل الأخيرة من سرت وبنغازي، وتصر على دخول طرابلس، وحاولت ذلك في ثلاث محاولات فاشلة، أدت آخراها إلى وقوع اشتباكات في عاصمة البلاد نهاية الشهر الماضي، وخلفت قتلى وجرحى.  

رابعا، “عبد الحميد الدبيبة” في كلمته أمام مجلس الوزراء وتعقيباً منه على ذلك، قال “لا يمكن أن ننسى ما حدث في 27 أوت/أغسطس الماضي من إجرام في حق الشعب بمحاولة مجموعة الاستيلاء على السلطة بالقوة. ونعد أهالي الضحايا بملاحقة المجرمين وتسليمهم للعدالة”، في إشارة لحكومة باشاغا، وفي شأن آخر أثنى “الدبيبة” على ترؤس وزيرة خارجية حكومته، نجلاء المنقوش، لمجلس وزراء الخارجية العرب مطلع سبتمبر/أيلول الحالي، معتبراً ذلك “انتصارًا لكل الليبيين، وعودة لمكانة ليبيا الطبيعية إقليمياً ودولياً”.، ومع ذلك فإننا نرى أن رغبة المجلس الرئاسي في التدخل قد بدأت تختمر وتتبلور في صورة أفكار جديدة لم يتم الإعلان عنها بعد، إلا أنها عرضت من قبل المنفي أمام قادة الدول الفاعلة في نيويورك، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ77 بنيويورك، حيث كشفت المتحدثة باسم المجلس الرئاسي، “نجوى وهيبة”، عن تقديم رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، أفكاراً لقادة دول فاعلة، دون أن تسميها، حول إمكانية مبادرته بصياغة قاعدة دستورية للانتخابات، وأوضحت وهيبة، في تصريح لتلفزيون ليبيا الأحرار مساء السبت (24-09-2022) أن “سبب طرح المنفي أفكاره “هو تعثر مجلسي النواب والدولة في الوصول إلى اتفاق حول قاعدة دستورية وفق جداول زمنية محددة، وانعكاسه سلباً على الوضع السياسي والاستقرار في البلاد”. 

** كيف ستُجبر معادلة “توازن الضعف” الأطراف المحلية (كل الاجسام) الى الذهاب الى الانتخابات والتوافق على خارطة طريق مؤدية لها؟

أولا، الحقيقة التي يُريد البعض تغييبها أن الملفين الليبي والتونسي وفي ظل تداعيات الحرب الروسية والاوكرانية لم يعودا ملفين محليين خالصين بل هما اصبحا رهان توافق الأطراف الدولية والإقليمية وباعتبار أن الصراع في ليبيا وكما أكدنا ذلك في دراسات ومقالات وقراءات وتقارير سابقة ما هو إلا حرب بالوكالة خاصتها وتخوضها اطراف ليبية لصالح أذرع إقليمية وهذه الأخيرة كما هو معلوم تقوم بأدوار وظيفية للقوى الدولية بغض النظر عن الهامش المتروك لها في كل فترة وحسب طبيعة الادارة الامريكية القائمة ( الجمهوريون أو الديمقراطيون) وعلى اعتبار انه منذ بدايات 2018 أصبحت هناك توازن ضعف او توازن قوى محليا وإقليميا ودوليا وخاصة بعد تجاوز الاتراك لتداعيات محاولة الانقلاب التي تمت سنة 2016 وعودتهم القوية لكل الساحات الإقليمية كطرف فاعل بل ومبادر خاصة وان ذلك تم بالتوازي مع حل الازمة الخليجية والذي تبين بوضوح في القمة الخليجية 42 فانه بمكن الجزم اليوم انه لا غنى عن التوافق على خارطة طريق انتخابية وخاصة في ظل التغيرات الجيو سياسية التي تمت في المنطقة بل وفي آسيا وافريقيا ( الحدث الأفغاني – التقارب التركي الاماراتي – إصرار الإدارة الأمريكية الحالية على سياسة صفر مشاكل بين حلفائها في المنطقة وكسر ما يسمى بصراع المحورين الاقليميين السابقين.

ثانيا، رغم رفض مجلس النواب للخطوة المرتقبة للرئاسي الليبي (أي لتدخل لإصدار قاعدة دستورية) وقول أحد أعضائه (“الصادق الكحيلي” تحديدا) أن محاولة تدخل الرئاسي جاءت بإملاءات خارجية، وأنها متقاربة جداً مع تصريحات السفير الأميركي، وأن مجلس النواب يرفض ذلك تماماً، فانه لا خيار امام ذلك المجلس والمنتخب سنة 2014 والذي تآكلت صورته الا البحث وراء التوافق والا فانه سيخسر تكتيك التشارك في إدارة المرحلة وخاصة يعد بيان الدول الخمس (إيطاليا- فرنيا – المانيا – بريطانيا والولايات المتحدة) وبالتالي فمن المرتقب أنه وخلال الأسابيع ( ان لم نقل الأيام) القادمة سيتم تحديد جدول زمني لاتفاق المجلسين، ومن المرجح فعليا أن ينعقد اجتماع بين رئيسي المجلسين أي “عقيلة صالح” و”خالد المشري” (الاتفاق بين المجلسين في غضون شهر من الآن) خاصة وأن الخلاف لم يعد أو هو ليس كبيراً بين المجلسين، ويتمحور حول جزئية بسيطة يمكن الوصول لتوافق حولها” رغم ان بعض سياسيين ومتابعين يؤكدون على وجود اتفاق بين المجلسين على عدم الاتفاق، بغية الاستمرار في السلطة، وذلك عبر وضع عراقيل أمام الانتخابات تتمثل في شروط الترشح للانتخابات الرئاسية وما قد يدعم ذلك القول أن المجلسين لا يريدان التوجه مرحلياً إلى الانتخابات البرلمانية (التي لا خلاف حولها) ويصران على تزامنها مع الرئاسية، وهذه مفارقة تدل على أن المجلسين يطمحان للاستمرار في السلطة”

ثالثا، لو تعذر توافق المجلسين واقدام “المنفي” على خطوته فإنها ستلاقي دعما شعبيا غير بل وغير مسبوق لأن الشعب الليبي يتطلع فعلاً للانتخابات، ولن يضره كثيراً من يصدر تشريعاتها خاصة مع انقسام القضاء أيضاً بين الأطراف السياسية، وخروجه من الفاعلية. وهنا يصبح الموقف الدولي هو الحاسم، وذلك من خلال تحقيق زخم يدعم أي تصور يذهب الرئاسي باتجاهه لإنجاز الانتخابات، في حال فشل المجلسين في الاتفاق خلال مدة محددة، ويمكن استقراء أن تلك المدة لن تتجاوز شهرين على الأكثر، وموضوعيا يمكن القول أن المشكلة الحقيقية ليست في القاعدة الدستورية، بل في صعوبة إجبار قوى على الأرض على الانصياع والاحتكام إليها، ذلك أن الكل يتحدث عن ضرورة إيجاد قاعدة دستورية وانتخابات، والمشكلة ليست في إيجاد أي صيغة ومبادرة للقاعدة، والمشكلة تتمثل في إمكانية تطبيق القاعدة على الأرض، ولهذا من السهل على “المنفي” التحدث عن تدخل المجلس الرئاسي وصياغة القاعدة، لكن هل ستلقى القاعدة قبولاً على الأرض في ظل وجود 25 مليون قطعة سلاح في البلاد؟” والخلاصة أن المشكلة ليست في القاعدة، بل في مادتين خلافيتين تخصان ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية”. رابعا، لا يُمكن التوافق على القاعدة الدستورية بغض النظر عن الآليات أو من يضعها او من يسرع بوضعها وذلك لن يتم فعليا بدون توافق دولي يضمن إجبار الجميع بالقوة على تطبيقها” ودون ذلك فان اتفاق المجلسين “مستحيل” وهو أيضا نتاج لصراع النفوذ الدولي على ليبيا بل وعلى كل منطقتي شمال غرب افريقيا وبناء على ذلك فان الحل ممكن وقابل للتنزيل وخاصة في ظل مخرجات “برلين3” وبيان الدول الخمس – المشار اليه أعلاه- هذا ويتمثل الحل هنا  في السماح بـ”إجراء استفتاء شعبي على مشروع الدستور، متضمناً تلك المواد الخلافية، بحيث يترك للشعب تقرير من يترشح للانتخابات، ومن يتم إقصاؤه”، وهنا المعادلة الكبرى هو أن “المجتمع الدولي لا يريد إصلاح الحال وبناء دولة ليبيا بل في الدفع لمصالحه أي انه لن يضع حلولا استراتيجية طويلة المدى بل مسكنات ويتم الادعاء لاحقا انها حلول، ومع ذلك فان معادلة التوزان ( والتي قلنا انه توازن صعف وتوازن قوى)  ستدفع المجتمع الدولي الى التوافق على الحد الأدنى ورسم خارطة طريق  للذهاب للانتخابات في افق يونيو 2023

                 

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button