أخبارفي الصميم

حين يتذمر الفرد تضيع فرص البناء !

مما لا شك فيه، أن المجتمع العربي يعيش حالة من التذمر النفسي والإنتكاسات المتتالية، فثقافة العجز ومصطلحات الجهل انتشرت كالأورام في الجسم العربي. وصورة العربي سواء في الإعلام المحلي أو الغربي أصبحت مرتبطة بالعنف والذمار والتشرد والتهجير والتخلف والدونية وكل المفاهيم التي تقلل من شأنه وقيمته.

بقلم عبدالله العبادي

فالمجتمع الذي عاش ويعيش تحت القمع والاستبداد وانتهاك أبسط حقوقه الإنسانية والتعدي وتزوير إرادته وتيئيسه وتعجيزه ونشر ثقافة الجهل والتدليس بين كل مكوناته، كلها أمور وأحداث لا يمكنها أن تنتج أفرادا أسوياء أو مبدعين أو منتجين على الإطلاق، بل تنتج أفرادا انهزاميين وتابعين وفاقدين للثقة في أنفسهم وفي قدرات مجتمعهم وجماعاتهم.

إن انتشار الفساد وتقنينه لدى النخبة الحاكمة وانعدام الأمانة والثقة واستعمال النفوذ يؤدي إلى سيطرة الكذب ويصبح بذلك غطاءا للذكاء الإجتماعي والغش سيد الفهم الجمعي للمجتمع. إلا أن الأخطر من كل هته المفاهيم هو تعايش الفرد العربي مع كل هته الأمراض الخطيرة وتتحول مع الوقت إلى ثقافة مجتمعية عادية وتفقد صفة الظواهر الإجتماعية الشاذة أو المقيتة.

فالسياسات العربية وإعلامها نجحوا بشكل كبير في تدهور الحالة النفسية للإنسان العربي منذ عقود، فلم يعد الفرد سيد مشاعره أو سلوكه أو إدراكه أو قائد شروط وجوده أو تصرفاته. بل أصبح عبدا لما تمليه الطبقة الحاكمة عبر وسائل إعلام مأجورة تهدف إلى إخضاعه لواقع مسطر له من قبل من يخدم مصالحها ويضمن استمراريتها أيضا.

فجل الأنظمة العربية لم توفر للفرد العربي شروط عيش سليمة ماديا ومعنويا وأن يحس بالأمان وقانون يحمي كل أفراده على حد سواء بمختلف أطيافهم وأعراقهم. أو إشعاره بأنه جزء من هذا الوطن، عليه واجبات وله حقوق، ويعطي ويأخذ في نفس الوقت، مما أحدث خلل في النشأة والتطور لدى الإنسان العربي، وأحيانا يعيش على الهامش وبعيدا عنه وناقما عليه. مما يجعله غير مساهم لا من بعيد ولا من قريب، في مشروع وعملية البناء الوطني، لسبب بسيط انه غير معني بما يحصل من شدة النقمة على البلاد والعباد.

إن القمع والظلم الذي يتعرض له الفردّ، يخلق بيئة غير سوية للعيش، فشروط عيش ووجود الفرد هو صورة لنظام الحكم القائم، فسلوكيات الأفراد والمجتمع ووجدانه وطريقة عيشه ونتاجه الأدبي هو ما يعطينا صورة عن حقيقة النظام السياسي. فكل هذه الظواهر الإجتماعية السلبية الحاصلة أثرت بشكل سلبي على الفرد الشيء الذي أثر على المجتمع وأعاد إنتاج أنظمة فاسدة مستبدة ومجتمعات خائفة وخاضعة لواقع مفروض.

فالفرد يتلقى تعليمه وتكوينه في مؤسسات الدولة، وإذا كانت هذه الأخيرة مشلولة ومعوقة فإنها تنتج لنا حتما أفرادا غير أسوياء فكرا وثقافة واجتماعا. لأن النظام السياسي هو المسؤول عن التربية الثقافية، الإجتماعية، الدينية والوجدانية، وحين يفتقد للمصداقية فالنتيجة تكون أفرادا خاضعين وما يزيد من تفاقم المشكلة وجود إعلام غير مسؤول يبث للناس ما يريده النظام.

فالفرد العربي يضل محاصرا بين أنظمة سياسية قمعية وغير ديمقراطية وثقافة مجتمعية متخلفة وبيئة عائلية لا تهدف إلى بناء أفراد منتجين وفاعلين، فالفرد العربي سرقت منه طموحاته وأهدافه، سرقت منه أحلامه ونهبت حقوقه.

فكلما ساء النظام السياسي سادت الأمراض النفسية واضطربت الأوضاع الإجتماعية الشيء الذي يؤدي في النهاية إلى حالات وعقد نفسية لدى العامة بشكل كارثي.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button