بعد بيانها القوي بخصوص الاحتجاجات وبعد إعلانها عن توسيعها للائتلاف الديمقراطي والاجتماعي
بقلم: علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي
بيان أول أمس الأربعاء 28 سبتمبر الحالي والذي أصدرته الأحزاب الخمس (“التيار” –”العمال”–”التكتل”–”القطب”-“الجمهوري”)، مثل حسب الكثير من الصفحات والمتابعين خطابا استثنائيا من حيث قراءة التطورات ومن حيث التعاطي مع الاحتجاجات الأخيرة خاصة وان البيان قد حمل السلطة الحالية (والتي وسمها نفس البيان بانه “سلطة انقلابية”)،المسؤولية الكاملة عما آلت اليه الأوضاع من تدهور وانهيار، ومعلوم أن نفس الأحزاب قد أعلنت الأسبوع الماضي في ندوة صحافية توسيعها للائتلاف وأنها تنوي فعليا تشكيل ائتلاف جديد ومفتوح لكل المعارضين لمنظومة 25-07، ولكن ما هي فعليا وميدانيا مآلات الفعل السياسي في افق نهاية السنة الحالية خاصة وان نفس الأحزاب أعلنت انها لن تشارك في تشريعيات 17 ديسمبر المقبل بناء على رفضها للمرسومين 54 و55 ومعارضتها لهما بشدة؟ حول هوية “الائتلاف”الجديد والمرتقب للعائلة الديمقراطية والاجتماعية
- قصة وحيثيات الإعلان عن الائتلاف الجديد
- أولا،أعلن أمين عام حزب التكتل خليل الزاوية بداية الأسبوع الماضي اتفاق قيادات الأحزاب الخمس (“التيار الديمقراطي” و”الجمهوري” و”التكتل” و”حزب العمال”-“القطب”) على التشكل في ائتلاف منفتح عن قبول عضوية أحزاب أخرى، مضيفا يومها أن ارضية الائتلاف بصدد الصياغة، ومن جانبه أكد امين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي يومها اقرار الاحزاب الخمسة مقاطعة الانتخابات التشريعية وفق القانون الانتخابي الذي أعلنه رئيس الجمهورية، وندد “الشابي”في نفس التصريح يومها بالمرسوم الانتخابي والمراسيم التي سنها رئيس الجمهورية وفق أهوائه الخاصة (على حد قوله الشابي نفسه)، كما أشار أيضا في نفس التصريح الى المرسوم الانتخابي والذي قال أنه “جاء كخطوة اخرى في اتجاه ارساء النظام القاعدي بما يؤكد عدم ايمان رئيس الجمهورية بالديمقراطية” وفق تقديره، وأوضح “الشابي”أن المرسوم الانتخابي جاء للإجهاز على الديمقراطية ودور النائب والبرلمان في تقرير المخططات والسياسات العامة للدولة”، وأضاف الشابي أن ذلك “يضرب أحد أهم المكاسب التي تحصلت عليها المرأة التونسية التي لن يكون لها اي دور او وجود في البرلمان الجديد وفق قوله، كما انتقد “الشابي” هيئة الانتخابات الحالية التي وصفها بالهيئة الصورية، داعيا الشعب التونسي الى مقاطعة الانتخابات المقبلة وعزل نظام الرئيس قيس سعيد مشيرا الى اهمية تكتل الاحزاب والمجتمع المدني ضد المسار الذي سنه رئيس الجمهورية لإنقاذ البلاد والعودة الى الديمقراطية.
- ثانيا، الإعلان عن الائتلاف الجديد أو القبول بتوسيع الائتلاف الخماسي والذي عارض إجراءات “سعيد” وانتهج بداية جويلية/يوليو الماضي خطة اسقاط الاستفتاء، ومعلوم أنه تم الاعتداء على مناضليه وأعضاء أحزابه الخمس ونقيب الصحافيين في بداية الأسبوع الثالث من جويلية الماضي، أجرى مشاورات غير معلنة رسميافي وقت سابق مع بعض مكونات “جبهة الخلاص” وأيضا تشاور نفس الائتلاف الخماسي مع أحزاب أخرى أعلنت رفضها للقانون الانتخابي على غرار “الحزب الاشتراكي” وبعض أحزاب معارضة أيضا ولكنها لا تنتهي للجبهات الثلاث للمعارضة حاليا…
- الأحزاب الخمس: تعريفها السياسي والرهان المرحلي لقياداتها
- أولا،الأحزاب الخمس تنتمي فعليا من حيث توجهاتها الفكرية والسياسية لأحزاب يسار الوسط وأقصى اليسار الماركسي، وهي تباعا أحزاب “التيار الديمقراطي” (بقيادة الأستاذ “غازي الشواشي”) وحزب “التكتل” (بقيادة الدكتور “خليل الزاوية”) والحزب “الجمهوري” (بقيادة الأستاذ “عصام الشابي”) وثلاثتها هي أحزاب تنتمي ليسار الوسط بينما الحزبين الباقيين هما من مكونات أقصى اليسار الماركسي أي حزب “العمال” والمعروف سابقا باسم “البوكت” (بقيادة حمة الهمامي) وحزب “القطب” (بقيادة رجل الاعمال والاتصال “رياض بن فضل”)…
- ثانيا،الأحزاب الخمس تنتمي سياسيا الى العائلة الديمقراطية الاجتماعية وسبق لأغلبها أن خاضت نقاشات لتوحد إثر انتخابات أكتوبر 2014 (وقد شاركها يومها حزب تونس الإرادة بقيادة الرئيس السابق المنصف المرزوقي) وقد بدأ التحالف الحالي رباعيا(أي بين أحزاب “التيار” و”التكتل” و”الجمهوري” و”آفاق” ولاحقا انسحب حزب “آفاق” (وهو اليوم حزب ليبرالي بعد أن كان ابان تأسيسه يساريا بقيادة “ياسين إبراهيم”) والتحق بالثلاثي المتبقي في مرحلة ثانية كل من “حزب العمال” و”حزب القطب”…
- ثالثا، اغلب قياديات الأحزاب الخمس هي أطراف من المعارضة التونسية في عهد الرئيس المخلوع وان ضمن تنظيمات سياسية بأسماء مخالفة للحالية ذلك ان بن فضل هو ذلك الكاتب الصحفي المعارض والذي تم محاولة قتله من طرف مدير في الامن الرئاسي يومها قبل ان يتم استقباله من طرف المخلوع والاعتذار له بعد انتقاد دولي لما جرى، بين كانت اغلب قيادات التيار والجمهوري أعضاء في مؤسسات الحزب “الديمقراطي التقدمي” (على ان بعض قيادات حالية في الحزبين كانت قيادات في حزب المؤتمر المعارض قبل 2011) في حين ان حزبي العمال والتكتل هما نفس الحزبين وان بقيادات جديدة بعد حدوث تطورات هيكلية داخلهما ومغادرة بعض قياديين في اتجاه أحزاب أخرى…
- رابعا، تتلخص رهانات قيادات الائتلاف/الأحزاب الخمس في العمل على اسقاط الانقلاب والتصدي لخياراته السياسية والاجتماعية ولعل تبني خطة “اسقاط الاستفتاء” في جويلية الماضي مؤشر قوي على تبني الخيارات الراديكالية ضد حكومة بودن وضد الرئيس “سعيد” وهو توجه أثبته بيان أول أمس الأربعاء 28-09-2022 …
** أي موقع للائتلاف في المشهد السياسي المقبل
- أولا،الائتلاف الخماسي هو ديمقراطي اجتماعي وله علاقة بالنخب السياسية وبمكونات المجتمع المدني وهو على علاقة تماس وودية بالاتحاد العام التونسي للشغل على عكس “جبهة الخلاص” التي يرفض الاتحاد التعاطي مع بعض مكوناتها (“ائتلاف الكرامة” تحديدا إضافة الى فوبيا النهضة بعض أعضاء المركزية النقابية ذاتها على غرار المدعو “سمير الشفي”) ، كما أن الأحزاب الخمس بإمكانها الاقتراب أكثر من كثير من التنظيمات السياسية الليبرالية واليسارية وهي أحزاب على علاقة تواصلية مع فاعلين في الأحزاب السياسية الفرنسية وتبين ذلك خلال الانتخابات الفرنسية الأخيرة ( علاقة الهمامي بزعيم اليسار في الانتخابات الأخيرة)
- ثانيا،الائتلاف الخماسي يعتبر نقطة توازن في المعارضة بين ضدين في الفريقين الآخرين للمعارضة (جبهة الخلاص – الدستوري الحر وحلفائه) وبالتالي فان الأحزاب الخمس وان كانت نخبوية المنزع وليس لها أي حواضن شعبية كبرى الا ان تأثيرها السياسي كبير وخاصة في الإقليم وعلى المستوى الدولي كما ان خطابها السياسي يتسم بالوضوح ويذهب للهدف السياسي بشكل مباشر ودون العبور عبر المناورات السياسية الروتينية في الخطاب، وقد عرفت نفس الأحزاب الخمس الائتلاف في صيغته الحالية قبل الإعلان عن توسيعهحالة من الوفاق في مواقفها وتوجهاتها المعارضة لسياسات “سعيد” وحكومة “بودن”، وفسر البعض ذلك بانه لم تطرح بعد موضوع الزعامة وقيادة الائتلاف سوى ما يعرف بمجلس الرئاسة أو من سيكون زعيما للائتلاف وهو الموضوع الذي أسقط جبهات سابقة في تونس المعاصرة خلال الحقب الثلاث لدولة الاستقلال…
- ثالثا، من الواضح أن الائتلاف سيكون مرحلي سواء لإمكانية بروز خلافات داخله حول موضوع الزعامة داخله او لاقترابه من “جبهة الخلاص” واعلانه الحالي توسيع الائتلاف نحو مكونات أخرى تنتمي من حيث السياق السياسي الى معارضي “سعيد”، اما من حيث المواقع فان أمين عام التيار الديمقراطي “غازي الشوشي” و”حمة الهمامي”(الأمين العام لحزب العمال) مرشحين بارزين لزعامة الائتلاف حسب ما نقبته أوساط قريبة من جبهة الأحزاب الخمس، كما أن اسناد ذلك لعصام الشابي ليس مستبعدا رغم ان العائق هنا في ان شقيقه احمد نجيب هو متزعم لجبهة الخلاص وهو ما قد يكون عائقا موضوعيا أمامه، ومما لا شك أن الأحزاب الخمس والأحزاب الأخرى التي قد تلتحق بجبهتها،ستضع تجربة “الجبهة الشعبية”بعين الاعتبار لأن هذه الأخيرة بقيت متماسكة منذ تأسيسها في أكتوبر 2012 الى حدود بدايات 2019 وانفجرت يومها بسبب هوية اسم مرشحها لرئاسيات 2019 …
** حول مآلات الفعل السياسي للائتلاف ولكل الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية في افق نهاية سنة 2022
- أولا،نجحت منظومة 25-07 في كل معاركها مع معارضيها بسبب قدرتها على المناورة سياسيا وعبر نجاحها في تشتيت خصومها الرئيسيين في المعارضة وهذه الأخيرة لم تستطع حتى ألآن في التوحد وبقيت مشتتة بين جبهات ثلاث مختلفة كليا في رسم الأهداف الرئيسية وبقي الاشكال الايديولوجي عائقا أمام توحدها، ولاحقا فشلت النقاشات ينها في التوحد وفشلت كل محاولات الوساطة في الاقتراب من أي حل والخلاصة انها لم تستطع إعادة رسم منجز المعارضة التونسية الذي تم في 18 أكتوبر 2005 عندما اجتمعت على نظام الرئيس المخلوع وليكون ذلك مقدمة موضوعية لسقوطه بعد أحداث ثورة الحرية والكرامة….
- ثانيا،سيكون توسيع الائتلاف الخماسي أو ظهور الائتلاف الجديد تأثيرا إيجابيا في طريق توحيد الجزء الأكبر من المعارضة ومن ثم اعلان مواقف واضحة وراديكالية ضد سياسات حكومة بودن وخاصة بعد حكم المحكمة الافريقية الأخير إضافة الى توحد أنصار سعيد ومعارضيه في رفض مضمون الفصل 55 (القانون الانتخابي) إضافة الى موقف واضح من جميع المعارضين في القول بعدم المشاركة في انتخابات 17 ديسمبر وأيضا في رفض المجتمع المدني والسياسي للمرسوم 54 الخاص بحرية التعبير على الشبكات الاجتماعية…
- ثالثا،سيكون الرئيس “سعيد” وحكومته أكبر الخاسرين من توسع جبهات المعارضة واقترابها من بضعها البعض وبلغة الربح والخسارة فان ما ربحته منظومة 25-07 من اتفاق أولي مع المنظمات الاجتماعية بالزيادة الهزيلة للأجور (3.5 بالمائة) وتمريرها الناعم للإجراءات المؤلمة الثلاث، ستخسره بتوسيع الائتلاف الخماسي وإعلان صيغة جديدة له في الأيام القادمة وخاصة إذا علمنا أن هناك خطوط توصل بين “جبهة الخلاص” و”الائتلاف الجديد” وأن هناك أرضية دنيا من الاتفاق على نقاط عدة وخاصة في الموقف من حكومة بودن واجراءات “سعيد” ومراسيمه ومعلوم ان زعمية الدستوري الحر قد خسرت الكثيير من رهانتها ونها دفعت فاتورة التعطيل التي ساهمت فيها بحيث تبين للمتابعين أنها اكبر الخاسرين مما جرى بعد 25-07-2021 بحيث فقدت الكثير من أنصارها والذي قفز بعضهم لمربعي “التنسيقيات” وما يسمى بـــــــــ”حراك 25 جويلية” ( بقيادة ثامر بديدة)
- رابعا، الخلاصة أن المستقبل السياسي للائتلاف الجديد ولكل الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية سيرتبط بقدرة قياداتها على البراغماتية والتفريق بين المعارك الفكرية والأولويات السياسية الملحة للمعارضة الحالية وخاصة في ظل هروب منظومة 25-07 الى الأمام، كما سيرتبط ذلك المستقبل وخاصة في افق نهاية السنة الحالية في قدرتها على ترتيب تلك الأولويات ومن ثم التماهي الراهن سياسيا مع ما يجري في البلاد من تحولات اجتماعية وثقافية ومع ما يجري في الإقليم وخاصة في البدين الجارين ( ليبيا- الجزائر) وفي أهمية قراءة لحظة 18 أكتوبر 2005 (أي حينما استطاع المعارضون المضي في التوحد والنأي بأنفسهم عن قضايا فكرية تتطلب عقودا لحلها)، واذا ما علمنا ان 18 أكتوبر 2005 كان مقدمة موضوعية لترحيل المخلوع فانه لابد من الوعي أن انقاذ تونس اليوم يمر عبر الوعي بأولويات الشعب التونسي وأن أخطر ما يمكن أن يحصل هو الانفجار الاجتماعي الذي تغيب عنه النخبة وتتخلى عن مسؤولياتها ذلك أن ذلك الفعل هو عمليا ترك جلي للمساحات لصالح الدولة العميقة وبارونات “القديمة” ومن ثم السماح بتصدرهم للمشهد، ومن هنا فان على الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية أن ترسم أهدافها بدقة والتفريق الجيد بين التكتيكي والمرحلي من جهة وبين الاستراتيجي من جهة ثانية (أهمية الوعي بالتطورات الجارية في الإقليم وعلى المستوى الدولي)، كما يجب عليها أيضا ( قيادات الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية) عدم السقوط في اتون التجاذبات الأيديولوجية والتي ولا شك انها ستمكن “القديمة” أو شقوق في منظومة “الانقلاب” من إعادة المشهد التونسي الى مربعات وسط ثمانينات القرن الماضي…