باحثون يتدارسون النموذج الجديد لبناء مدينة بنهج ترابي استشرافي بمراكش
نظمت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة بمراكش لقاء تشاوري جهوي في إطار الحوار الوطني حول التعمير والإسكان، الذي تم إطلاقه، تحت رعاية الملك محمد السادس.
وكان اللقاء فرصة لمباشرة تفكير معمق مع كافة الفاعلين المؤسساتيين، الذين يساهمون في إنتاج الفضاء الحضري والقروي، لاستكشاف السبل الكفيلة بإحداث انتقال ملموس إلى نموذج جديد لبناء المدينة، وتهيئة المجالات الترابية، وتوفير فضاءات عيش لائقة يمكن الولوج إليها، كل ذلك على أساس نهج ترابي براغماتي واستشرافي.
وذكر والي جهة مراكش أسفي وعامل عمالة مراكش، كريم قسي لحلو، في كلمته أن هذا الأخير يشكل “مناسبة لتحفيز وانخراط كافة المتدخلين والفاعلين الجهويين والمحليين من منتخبين وسلطات ومستثمرين ومجتمع مدني، في إطار عمل تشاركي واعتماد الذكاء الجماعي والفعالية لبلورة رؤى ومقترحات من شأنها المساهمة في إعادة التفكير في مستقبل منظومتي التعمير والإسكان، وتطوير أنظمة التخطيط المجالي وتهيئة فضاءات عيش أكثر ذكاء وابتكارا ومشاركة ترتكز على إنعاش الاستثمار والإدماج الاجتماعي والاستدامة”.
ودعا قسي لحلو المشاركين في اللقاء إلى طرح أفكار جديدة وتقديم مقترحات واقعية واستشرافية تنبثق من الخصوصيات المجالية والإشكاليات المطروحة، وعرض للحلول البديلة توخيا للرقي بالمشهد العمراني وتحسين جاذبية المدن والمراكز القروية، مشيرا إلى أن هذه الخلاصات ستسهم في وضع خارطة طريق في هذا المجال وطنيا. واستعرض الوالي ضرورة انخراط كافة الفاعلين في هذا الحوار الوطني، عبر طرح تصورات تهم النمو العمراني وتكثيف الجهود من أجل الحد من العجز الاسكاني مشددا على وجود علاقة وطيدة بين النمو الاقتصادي والنمو الاسكاني.
وقال رئيس مجلس جهة مراكش- آسفي، سمير كودار أن تنظيم الملتقى الخاص بالحوار الوطني حول التعمير والإسكان، يشكل بحق فرصة لفتح نقاش عميق مع كل الفاعلين المؤسساتيين المهتمين بمجال التعمير والتخطيط الحضري بهدف إرساء نموذج جديد لتهيئة المدن والمراكز، وخلق فضاءات عيش لائقة وسهلة الولوج.
وأكد كودار أن تنمية المدن والأقطاب الحضرية والمناطق الجديدة للتعمير، تتطلب تعزيز التقائية السياسات العمومية، بهدف تمكين هذه الأقطاب من دعم توازن الشبكة الحضرية والتحكم في النسيج الحضري بالمدن المغربية، والاستجابة للحاجيات السكنية، وتوفير مستويات أفضل من الخدمات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين.
وأوضح أنه بقدر ما يعتبر المجال العمراني رمزا لهويتنا الوطنية وعنصرا أساسيا لمقومات موروثنا الحضاري المتنوع والمتعدد، فإنه يشكل في ذات الآن مجالا حيويا ومتجددا باستمرار، ودعامة قوية للتنمية الشاملة ومحورا استراتيجيا لتنزيل السياسات العمومية في هذا المجال.
وأبرز كودار أن التخطيط الحضري يظهر كإطار ملائم لتفعيل هذه الاستراتيجية مجاليا، وذلك عن طريق وثائق التعمير التي تلعب دورا أساسيا في تنظيم التنمية الحضرية، كما أن وثائق التعمير مدعوة إلى تشكيل رافعات لتطوير التنظيم المجالي والأشكال الحضرية، وكذا أنماط البناء والتنقل قصد إدماج القضايا المتعلقة بتقليص الكلفة الطاقية في مجال التعمير والإسكان.
وأضاف إن مختلف مكونات النظام الحضري، يجب أن تكون موضع تساؤلات حتى نتمكن من مسايرة المتطلبات الظرفية وتفادي النمطية التي تعيق تطور المدن، والآثار السلبية الناتجة عن تداخل المستويات المجالية المختلفة والتنوع الذي تتميز به الحياة الحضرية.
ولفت رئيس جهة مراكش آسفي في ذات الكلمة أن التحدي الحقيقي في التعمير هو التوفيق بين التطور التقني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي والثقافي للحياة الحضرية. ولا يمكن كسب هذا الرهان المتعدد الأبعاد إلا من خلال الأعمال التنفيذية والتعاقدية التي تدخل في ممارسات متجددة ومستمرة زمنيا ومجاليا.
وأشار كودار إن تنظيم وتدبير المجال العمراني كان ومازال يشكل أحد أبرز مواضيع النقاش العمومي المرتبط بالمنظور الشامل والمتكامل للتنمية المستدامة، في مختلف أبعادها عبر تنفيذ برامج عمومية تتميز بتعدد المتدخلين على مستوى التخطيط العمراني وتنظيم التجمعات العمرانية وعقلنة أساليب العيش فيها والحد من الاختلالات المجالية، وتقليص الفوارق الترابية، وذلك وفقا لمنظور السياسة الوطنية لإعداد التراب الوطني، في انسجام تام مع فلسفة النموذج التنموي الجديد.
وتمنى رئيس الجهة أن تنكب ورشات هذا اللقاء الجهوي التي سيؤطرها خبراء في المجال على واقع الحال واستشراف ممارسات عمرانية متجددة من خلال الوقوف على النصوص التشريعية للنظام الحضري منذ صدور أول قانون للتعمير الحديث، مع ضرورة تحديث ورقمنة وثائق التعمير، وكذا تسليط الضوء على المكتسبات الكبرى من حيث التأطير التعميري سواء على المستوى القانوني، المؤسساتي والعملياتي، فضلا عن التركيز على المعوقات والتحديات التي تواجه النظام الحضري من أجل فهم أفضل لتعمير الغد ، و أن تشكل الخلاصات التي ستنبثق عن أشغال هذه اللقاءات الجهوية أرضية خصبة لبلورة اقتراحات عملية، والتزامات فعلية، تمكننا من مواجهة مختلف التحديات في مجال التعمير والإسكان والتخطيط الحضري.
وذكرت المديرة الجهوية للإسكان وسياسة المدينة بجهة مراكش-آسفي، صفاء بومراح، أن هذه المشاورات “تهدف إلى إحداث قطيعة مع السياسات العمومية التي أبانت عن محدوديتها، مع البناء على المكتسبات”، داعية كافة الفاعلين المعنيين إلى التعبئة للمساعدة في إعادة التفكير في التعمير والإسكان.
وأضافت بومراح أن اللقاء “يشكل خطوة إلى الأمام ستطلق التغيير عبر إشراك مختلف القوى الحية للأمة، ومن خلال تشجيع إزالة الحواجز، مع الارتكاز على الذكاء الجماعي على مختلف الأصعدة والمستويات”.
وشكل اللقاء الذي جمع مختلف المتدخلين في القطاع، بالنسبة لمدير الوكالة الحضرية لمراكش، سعيد لقمان، مناسبة لمناقشة العديد من القضايا المرتبطة بالتعمير والإسكان، قصد طرح التحديات وصياغة اقتراحات وتوصيات، وأنه “سيتم تضمين هذه التوصيات في كتاب أبيض، سيقترح ميكانزمات كفيلة بتحسين التعمير والإسكان بالجهة وعلى الصعيد الوطني”، مبرزا أهمية قطاع التعمير باعتباره رافعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المنشودة.
وتم بث الفيلم المؤسساتي الذي يعرض سياق وأهداف الحوار الوطني حول التعمير والإسكان. واعتبر هذا اللقاء، الذي حضره ، على الخصوص، عمال مختلف الأقاليم التابعة لجهة مراكش – آسفي، وممثلو قطاعات وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، ورؤساء المصالح اللاممركزة، وممثلي مختلف المؤسسات العمومية والهيئات المنتخبة و المهنية بالإضافة إلى فعاليات المجتمع المدني وخبراء مختصين، فرصة لتدارس وتبادل الآراء حول الاشكاليات المرتبطة بالتخطيط الحضري والعمراني وتوفير السكن اللائق لمختلف شرائح المجتمع، في أفق الخروج بتوصيات و مقترحات قابلة للأجرأة. كما كان مناسبة لفتح نقاش موسع، والتبادل والتقاسم حول مختلف الإشكاليات المرتبطة بالتخطيط العمراني، وإنتاج مساكن لائقة تستجيب لمتطلبات المواطنين. ونظمت نقاشات حول أربع ورشات موضوعاتية، نشطها خبراء في هذا المجال، تتعلق ب”التخطيط والحكامة”، و”العرض من السكن”، و”دعم العالم القروي والتقليص من الفوارق الترابية” و”الإطار المبني”.