متحف “دار النيابة” بطنجة يغني العرض المتحفي للمغرب
إغناءً للعرض المتحفي للمغرب وللتعريف بالإرث الحضاري العريق والمساهمة في التنمية السياحية، التي تجعل من البنيات الثقافية نقطة جذب حقيقية، شارك عمر مورو ،رئيس مجلس جهة طنجة- تطوان- الحسيمة، مراسيم افتتاح متحف (دار النيابة – بيت الفنان) بفضاء المدينة العتيقة بطنجة، بحضور والي جهة طنجة-تطوان الحسيمة محمد مهيدية، والمدير العام لوكالة تنمية أقاليم الشمال منير البيوسفي، والرئيس المدير العام لشركة تهيئة ميناء طنجة المدينة محمد أوعنايا، وأطر المؤسسة الوطنية للمتاحف ورؤساء الهيئات المنتخبة والغرف المهنية وشخصيات معروفة من عالم الفن والثقافة ومنتخبين وممثلي وزارة الثقافة وعدد من الديبلوماسيين وفعاليات من المجتمع المدني.
وتقع هذه المنشأة الثقافية الفنية في مبنى دار النيابة القديمة في مدينة طنجة، التي يندرج ترميمها في إطار برنامج إعادة تأهيل وتثمين المدينة العتيقة لطنجة الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بهدف توفير فضاء مفتوح للفنانين للإبداع والتبادل والتكوين.
وشهدت “دار النيابة”توقيع عدة اتفاقيات ومعاهدات في حقب تاريخية متعددة، في المدينة القديمة لطنجة وتشكل عامة جزءا فريدا من الذاكرة الإدارية والدبلوماسية للمغرب، و شيدت البناية في عهد السلطان، عبدالرحمن بن هشام، عام 1860 كمقر لإدارة نائب السلطان بطنجة، الذي كان حلقة وصل بين الدولة المغربية والتمثيليات الأجنبية المعتمدة في المغرب قبل الاستقلال.
وتتوفر المعلمة الثقافية الجديدة، التي تقع على مساحة إجمالية تقدر بنحو 1841 مترا مربعا، على قاعة متعددة الوسائط، وقاعات للعرض، وورش للرسم، والتصوير، ومعالجة الأعمال الفنية، والنحت وغيرها من الفضاءات المتنوعة الوظائف.
وفُوض تدبير و إدارة (دار النيابة-بيت الفنان) للمؤسسة الوطنية للمتاحف التي تشرف عامة على مشروع إعادة تأهيل 13 فضاء تاريخي من خلال خلق فضاءات ثقافية ستكون في متناول سكان طنجة وزوار المدينة. وتنضاف هذه المنشأة المتحفية الجديدة، إلى متحف القصبة لثقافات البحر الأبيض المتوسط ومتحف فيلا هاريس وفضاء القصبة للفن المعاصر ومتاحف أخرى ذات قيمة مرجعية مهمة، تعكس قيم الانفتاح والتسامح التي يعد صاحب الجلالة الملك محمد السادس رمزا من رموزها الحقيقيين، إلى جانب أدوارها الفنية والسياحية والثقافية.
وأبرز في هذا السياق رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف مهدي قطبي، أن افتتاح متحف دار النيابة بالمدينة العتيقة لطنجة، هو لبنة أخرى من لبنات تعزيز البنى الثقافية للمملكة وإغناء العرض المتحفي بالمغرب بشكل عام وإعادة تأهيل وتثمين المدينة العتيقة لطنجة الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس. وأضاف أن فتح أبواب متحف دار النيابة بقلب المدينة العتيقة غير بعيد عن متحف الذاكرة اليهودية (بيت يهودا) وكنيسة سيرانو، يترجم فعليا مبادئ التعايش وضمان تلاقح الحضارات والأديان التي تعتبر من القيم المثلى التي يؤمن بها كل المغاربة.
وأكد قطبي أن افتتاح متحف الذاكرة اليهودية بالمدينة العتيقة لطنجة (بيت يهودا) كذلك، بعد عملية ترميم وإصلاح واسعة همت كنيس “الصياغ”، يرمز أيضا بكل افتخار الى كون المغرب، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وأسلافه المنعمين، يضطلع بدور أساسي في دعم حوار الأديان والحفاظ على موروثه الحضاري والديني الذي يمتد لقرون عديدة من الزمن. كما يؤكد هذا الصرح الثقافي والديني الهام، الرعاية التي يوليها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس لرعاياه من اليهود، والتنوع الثقافي والحضاري للمغرب ويتيح الاطلاع على تاريخ الطائفة اليهودية بالشمال وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية وممارساتهم الدينية.
وخضع مبنى كنيس “الصياغ” لإعادة التأهيل في إطار برنامج تثمين المدينة العتيقة لطنجة وترميم جميع دور العبادة التي تعتبر فضاءات ذات حمولة حضارية خاصة، الذي تشرف عليه، بتوجيهات سامية من الملك محمد السادس، وكالة تنمية أقاليم الشمال بتنسيق مع ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة ووزارة الشباب والثقافة والتواصل. وكان فضاء المعبد اليهودي “الصياغ” قد تعرض للإهمال لأكثر من 60 عاما، كما كان مهددا بالانهيار في أي لحظة، قبل أن يتقرر إعادة تأهيله بشكل يحترم كليا الأشكال الهندسية والمكونات الأساسية للموقع الديني/التاريخي، الذي يعود بناؤه الى أواخر القرن التاسع عشر. بالموازاة مع أشغال إعادة تأهيل الكنيس، الذي كلف غلافا ماليا يقدر بنحو مليوني درهم بتمويل من وزارة الثقافة، أشرفت لجنة تمثل الطائفة اليهودية بطنجة على تمويل وتنفيذ سينوغرافيا وفضاء متحف “بيت يهودا” للحفاظ على التراث والترويج للثقافة اليهودية “ميغوراشيم” التي أنشئت في المنطقة الشمالية من المملكة.
وذكر سفير المملكة الإسبانية بالمغرب ريكاردو دييث هوشلايتنر رودريغيث، أن هذه المتاحف العديدة، التي يتم افتتاحها بطنجة وبغيرها من المدن المغربية ولاسيما “دار النيابة” و”بيت يهودا”، تؤرخ لتاريخ المغرب المشترك والغني والحافل والمتعدد الروافد، وتمكن من التعرف على أصالة المغرب ودوره التاريخي والدبلوماسي، مشيرا الى أن الاهتمام المتواصل بالمجال الثقافي بمختلف جوانبه يعطي فكرة عن مكانة الثقافة في النموذج التنموي الجديد للمغرب.
وقال من جهته مدير متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر عبد العزيز الإدريسي أن متحف دار النيابة يعطي فكرة مدققة عن التاريخ الدبلوماسي للمغرب وعن ذاكرة مدينة البوغاز منذ القرن الثامن عشر والى الزمن الحديث، وهو معلمة تاريخية ستتيح لساكنة طنجة وزوارها الاطلاع والتعرف على جزء هام من تاريخ المغرب، والأدوار التي اضطلعت بها طنجة إبان حقب مهمة من تاريخ المملكة.
وأشار السيد الإدريسي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إلى أن المتحف يضم أعمالا تشكيلية لفنانين مرموقين تأثروا بالمغرب، كما يضم مجموعة من الوثائق والربائد التي تؤرخ للأحداث التي شهدتها طنجة منذ عهد المولى سليمان، كما تم استقدام تحف وقطع خاصة، من بينها أعمال فنية لعائلة “فوينتيس” وعائلات إسبانية أخرى والتي وضعت رهن إشارة المتحف، من أجل صياغة ووضع مسار متحفي شامل ويتكامل فيه تاريخ المعروض.