لا شك أن الأحداث الحالية ستظل شاهدة على حقبة مهمة من تاريخنا الحديث، وما يقع في الرقعة العربية سيكون من أهم أحداث القرن الحالي. أكيد سيكون انتصارا للذات والهوية قبل كل شيء، لأن كل ما يحصل سيدفعنا للتساؤل عن واقعنا وماضينا ومستقبلنا، سنقف عاجلا أم آجلا أمام مرآة التاريخ لنعيد الرؤية من جديد، وأكيد ستكون الانطلاقة جيدة وصحيحة هذه المرة.
أكيد نحن في الوقت الحاضر أمة مستضعفة أنهكتها الحروب والخيانات، خالية من كل قوة دفاعية عن الذات لكن لا زالت تملك إيمانا قويا يمكنها من الوقوف مجددا، وقد برهنت الأحداث التاريخية أن سلاح الإيمان لا يهزم أبدا وأن قوى الظلم سيكون مآلها مزبلة التاريخ. وكم نحن بحاجة إلى هذا الإيمان القوي بالنفس والذات وبقدراتنا. فالإيمان هو شرارة الثورة القادمة والذي يجب أن تواكبه ثورة فكرية تجديدية تعيد طرح الأسئلة من جديد. وهنا يبرز دور الثورة الفكرية في نشر الأفكار وتحويل الأفكار والمبادئ إلى تيارات حية داخل المجتمع.
يقول أحد المفكرين الفرنسيين أن القرن الحالي سيكون قرن حروب دينية بامتياز. ولعل الحملات التي شنت على عالمنا العربي كانت دينية وعدائية، وكل الملفات السرية للعدوان الأمريكي الصهيوني تؤكد ذلك. كما أن الجماعات التي قاتلت وكل حروب الوكالة كان معد لها مسبقا ومدفوعة الأجر، لتشويه الدين وإعطاء صورة غير أخلاقية عنه.
فالسؤال المطروح: لما يحاربون الهوية الدينية ويحاولون تشويهها؟ أليس ذلك دليلا على أنها مصدر القوة، أكيد هم يعرفون ذلك وقد صرح بذلك العديد من السياسيون والمثقفون الغربيون . فالعديد من الآراء تقر أن المجتمع لا يمكنه التحرك إلا بدينه الصافي النقي ولن تنجو إلا بالذات والهوية الحقيقية. لا يختلف إثنان في أن العلماء المسلمون هم من أناروا طريق الحضارة الغربية قبل قرون.
نحن لا نملك شيئا الآن، لكن نملك المقومات لنهضة الحضارة من جديد، وهو كنز يجب استثماره على الشكل الصحيح للنهوض مرة أخرى، مجتمعنا المعاصر ليس بحاجة إلى علماء البلاط وهواة الشهرة بل بحاجة إلى مصلحين جدد يحملون هم الأمة وهموم النهضة من جديد وتلقين الناس دروس الدين والحياة على الشكل المطلوب دون وصاية من أحد لا رجال دين ولا مؤسسات دينية التي زرعت الوهن والضعف في صفوف العامة وأصبحت مناصرة للسياسيين أكثر من اهتمامها بشؤون الناس الدينية وعلاقتها بالدنيا.
فالثورة الإيمانية ستكون مناسبة لإعادة بناء الذات من جديد في شكل وقالب جديد، في ثوبها العصري وتناغم بين العلاقات الإجتماعية المعاصرة، استنادا إلى قيم أخلاقية دينية لنشارك في صنع التاريخ من جديد والحركة الحضارية المعاصرة. نحن إذن بحاجة إلى ذات ثورية مؤمنة، تربي الإنسان من جديد وتزرع فيه قيم الدين، وهو الدرس الذي يجب أن نتعلمه من الدين.
إن إعادة بناء الذات المؤمنة يتطلب تكاملها مع الطموح المجتمعي وتحقيق إنسانية متوازنة لان الإنسان هو سيد مسيرته التاريخية وفي تغيير نظامه الإجتماعي والسياسي، وأن يعتقد ويؤمن بوعيه وإرادته.
كما أن الإنسان لا يمكنه أن يخلص لثورته الدينية والفكرية إلا إذا أخلص لثورته الإجتماعية وكان وفيا لها وآمن بها حتى النهاية لأنه في نفس الوقت أعاد بناء ذاته الجديدة على أنقاض المواريث القديمة، لان ما يفسد الثورات الحديثة هم الانتهازيون والمتطفلون ونفعيي الأنظمة السياسية التي تسعى لإجهاض كل محاولة للوقوف من جديد لأن جل نخبنا السياسية هم فقط كراكيز الإمبريالية العالمية المتوحشة.