انقلاب “بوركينا فاسو” الثاني سنة 2022 ومستقبل منطقتي “غرب و وسط افريقيا” المفتوح على كل الخيارات
بقلم: علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية
- أولا، تصاعدت منذ بداية الألفية الأهمية الاستراتيجية لمنطقتي “وسط” و”غرب افريقيا” ومقابل ذلك تطورت الأحداث بوتيرة متسارعة منذ بداية سنة 2021 بل وحدثت خلال السنتين الأخيرتين انقلابات عدة (مالي- غينيا كوناكري – غينيا بيساو – تشاد- بوركينا فاسو ….)، مثلما تعددت مخاطر التنظيمات الإرهابية وخاصة في منطقة الساحل الافريقي إضافة الى تنامي كره شديد للفرنسيين مصحوبا برفع محتجين لشعارات – يظهر ان وراءها اياد وترتيبات- خاصة وأن أغلبها تمحور على ترحيب بالروس ومقابل ذلك تعدد الفاعلون الاقليميون في المنطقتين (تركيا – الامارات – السعودية – مصر – الجزائر – المملكة المغربية – إيران) إضافة الى توضح معالم صراع النفوذ الدولي…
- ثانيا،أعلن الكابتن في جيش بوركينا فاسو “إبراهيم تراوري”الجمعة الماضي (30 سبتمبر 2022) في بيان تلاه في التلفزيون البوركيني إطاحته الزعيم العسكري “بول هنري داميبا”، في ثاني انقلاب سنة 2022 وتم ذلك في ظل وضع سياسي واجتماعي مضطرب لا في البلد فقط بل في كل المنطقة المحيطة به (وسط وغرب افريقيا)، ومعلوم أن ما تم هو سادس استيلاء للجيش على السلطة خلال ما يزيد قليلاً على عامين في غرب ووسط أفريقيا، وهي منطقة قطعت خطوات واسعة خلال العشر سنوات الماضية للتخلي عن سمعتها باعتبارها “حزام انقلاب”.
- ثالثا، يُجيب تقرير/مقال الحال على ثلاث أسئلة رئيسية وهي:
- سؤال أول: ما هي تفاصيل ما بعد الانقلاب الثاني في العاصمة البوركانية وأي علاقة له بالانقلاب الأول، وما هي طبيعة ردود الأفعال الحاصلة؟
- سؤال ثان: ما هي طبيعة العلاقة الجدلية بين الانقلاب الحالي في بوركينا فاسو ووجود ملامح استراتيجية لطرد الفرنسيين من منطقتي غرب ووسط افريقيا؟
- سؤال ثالث: ما هي الملامح الرئيسية لمستقبل تطور الأوضاع في منطقتي غرب ووسط افريقيا في افق نهاية سنة 2022؟
** تفاصيل ردود الأفعال ما بعد الانقلاب العسكري الثاني في بوركينا فاسو
- أولا،يوم الجمعة الماضي أدى إطلاق نار قبل الفجر في العاصمة بمحيط القصر الرئاسي إلى الانقلاب الأخير، وقبل الساعة 20:00 بالتوقيتين المحلي وغرينتش، ظهر أكثر من عشرة جنود ببزاتهم العسكرية على التلفزيون والإذاعة الرسميين لإعلان إطاحة “سانداوغوداميبا”، وأعلنوا تعيين الكابتن “إبراهيم تراوري” (34 عاماً) مكانه، وقالوا “قررنا تحمّل مسؤولياتنا، مدفوعين بهدف أسمى واحد: استعادة أمن أراضينا وسلامتها وبعد يوم واحد من الانقلاب أغلق الجنود الموالون للانقلاب الطرقات الرئيسية، وسُمعت طلقات رشاشة في عاصمة بوركينا فاسو، فيما دانت قوى دولية ثاني انقلاب هذا العام في البلد الفقير والمضطرب، الواقع في غرب أفريقيا، ومعلوم أنه في شهر سبتمبر/أيلول كان الوضع كارثيا حتى انه قيل أنه كان شهراً دامياً وخلاله أقال الرئيس المؤقت “داميبا” وزير الدفاع وتولى المنصب بنفسه، وفي وقت سابق هذا الأسبوع، هاجم مسلّحون يشتبه بأنهم جهاديون قافلة تحمل إمدادات إلى بلدة “دجيبو” في شمال البلاد. وذكرت الحكومة أن 11 جندياً قتلوا وفقد نحو 50 مدنياً.
- ثانيا، تم السبت الأول من أكتوبر سماع دوي إطلاق نار في وسط العاصمة واغادوغو حيث قام جنود موالون للانقلاب بعد ذلك بإغلاق طرقات رئيسية في المدينة، بما يشمل الحي الذي يضم المقر الرئاسي كما حلقت مروحيات فوق المدينة، وأغلقت المتاجر التي فتحت أبوابها صباحاً، والخلاصة أن الوضع قد استقر لمنفذي الانقلاب وهو ما قد يفسر بيان فرنسي تم من خلاله نفي كثير من القراءات على الشبكات الاجتماعية…
- ثالثا، أدان الاتحاد الأوروبي ونظيره الافريقي الانقلاب وما أسماه البعض في بيانتهم التغيير في السلطة، وجاء في بيان الاتحاد الأفريقي أن رئيسه “يدعو الجيش للامتناع فوراً وبشكل كامل عن أي أعمال عنف أو تهديدات للسكان المدنيين والحريات المدنية وحقوق الإنسان”، مطالباً بإعادة النظام الدستوري بحلول جويلية/يوليو عام 2024، وأعرب رئيس الاتحاد الأفريقي “موسى فقي محمد” عن قلقه البالغ حيال عودة الانقلابات غير الدستورية، سواء في بوركينا فاسو، أو في بلدان أخرى بالقارة، ومن جهته حذر الاتحاد الأوروبي من أن الانقلاب يعرض للخطر الجهود التي بُذلت لإعادة النظام الدستوري بحلول 1 جويلية/يوليو 2024، ودعا السلطات الجديدة الى احترام الاتفاقات السابقة، وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد “جوزيببوريل”، في بيان، إن “الاتحاد الأوروبي يأسف أيضاً لتدهور الوضع الأمني والإنساني في البلاد”.
- رابعا، أدانت “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” “بأشد العبارات” عملية الاستيلاء الأخيرة على السلطة، واصفة إياها بأنها “غير مناسبة”، بينما كان يجري تحقيق تقدم من أجل العودة إلى النظام الدستوري بحلول الأول من يوليو/ تموز 2024، في الأثناء، دعت فرنسا، القوة السابقة المستعمرة لبوركينا فاسو، مواطنيها في واغادوغو الذين يقدّر عددهم بما بين 4000 و5000 شخص إلى أن يلزموا منازلهم، ودعت الولايات المتحدة بدورها إلى “عودة الهدوء وضبط النفس من قبل جميع الأطراف المعنية”.
** انقلاب بوركينا فاسو الثاني بين الداخلي وتصفية الوجود الفرنسي في القارة السمراء ومن غربها تحديدا
- أولا،تؤكد محاولة الانقلاب الأخيرة والثانية في ظرف سنة واحدة تقلص النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا، لا سيما لمصلحة روسيا التي تحاول ركوب موجة عداء افريقي للفرنسيين من جانب الرأي العامالبوركيني ومن ثم نقل ذلك لكل بلدان القارة وخاصة في وسطها وغربها (أي المنطقتين الموجودتين في جوهر الاستراتيجية الروسية) وهو ما يتناسب مع طبيعة خوض روسيا لحروبها سابقا وحاليا (حرق المدن والانتقال السريع من مدينة لأخرى ومن بلد لآخر)…
- ثانيا، لا يمكن تغييب أن المشهد يبدو ضبابياً في البلاد بعد رفض رئيس الدولة المخلوع التنازل عن الحكم، لكن التوجهات المناهضة لفرنسا ليست جديدة ولا عشوائية وتكتسب زخماً متزايداً، بينما يتوسع نشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل ويتمدد باتجاه خليج غينيا، ومعلوم أنه صبيحة السبت ( أي بعد نحو أربع وعشرين ساعة من بدء الانقلاب على “اللفتنانت كولونيل بول هنري سانداوغوداميبا”- والذي وصل هو نفسه إلى السلطة إثر انقلاب في جانفي/يناير-وقد اتهم الانقلابيون فرنسا بدعمه لاستعادة السلطة، ما أربك المشهد في ظل نفي قاطع من باريس للاتهام، كما أكد الانقلابيون يوم الانقلاب ( أي يوم 30-09-2022) “عزمهم التوجه إلى شركاء آخرين على استعداد للمساعدة في مكافحة الإرهاب”، وعُدت تلك إشارة ضمنية إلى روسيا، التي رفعت أعلامها خلال تظاهرات تشهدها بوركينا فاسو منذ أيام، ولا يختلف المتابعون والمحللون والمختصون في الشؤون الافريقية بشكل عام أن “الانقلابيين يدرجون خطوتهم بوضوح شديد ضمن الاستقطاب الحاصل بين روسيا وفرنسا”، والغريب في رأينا أن نرى الانقلابيين يعلنون تحمسهم بهذه السرعة لشريكهم الاستراتيجي، المتميز. كنا نتخيل أنهم سيأخذون السلطة أولاً ثم يصعدون الموقف”، وهنا يمكن الجزم أن هناك فر فرضيتين: “إما أن العمل مع الروس كان مشروعهم منذ البداية، وبالتالي نحن أمام خطة مدروسة بعناية لزعزعة الاستقرار، أو أنهم يستغلون بشكل انتهازي الاستقطاب الفرنسي/الروسي لحشد الدعم لمشروعهم المترنّح”.
- ثالثا،تعرضت السفارة الفرنسية في “واغادوغو”كما هو معلوم إلى اعتداءات يومي السبت والأحد ( أي 01 و02 أكتوبر الجاري)حيث تم إضرام النار في حواجز حماية ورشقها بالحجارة، ما يمثل الصفعة الأكثر قسوة لباريس لأنها تندرج ضمن نزاع خطير، وكل ذلك يذكر بما تم في مالي ( المجاورة لبروكينا فاسو ) حيث نشرت فرنسا “قوة برخان” المناهضة للإرهابين لمدة تسع سنوات لمكافحة الجماعات المحسوبة على تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، قبل أن يشهد البلد انقلابين عام 2020 أوصلا إلى السلطة عسكريين معادين لحضورها، ما قاد الرئيس إيمانويل ماكرون لإعلان سحب القوات الفرنسية وإعادة نشرها في دول أخرى بالإقليم، وبموازاة ذلك، انتشر عناصر من مجموعة المرتزقة الروسية الخاصة، مجموعة فاغنر، في مالي التي تتحدث فقط عن الاستعانة بـ”مدربين من روسيا”. زاد مذاك نفوذ موسكو في باماكو، لا سيما عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الروسية، ومعلوم أيضا أن تقرير حديث تم نشره(صادر عن معهد البحوث الاستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الفرنسية)، قد أكد “انتشار محتوى مضلل عبر الإنترنت، يهدف غالباً إلى تشويه الوجود الفرنسي وتبرير حضور روسيا” كما أشار نفس التقرير إلى انتشار هذه الظاهرة في الدولة المجاورة، قائلاً إن “أرض الرجال النزيهين (بوركينا فاسو) هي اليوم واحدة من البلدان الأفريقية التي تستهدفها فاغنر”.
- رابعا،بعد انسحابها من مالي، تعهدت باريس بعدم التراجع عن مكافحة الإرهابيين الذين يهددون علانية دول خليج غينيا، في حين يفترض أن هناك نقاشات جارية بين باريس والدول الأفريقية المعنية، لكن فرنسا تبدي رغبة في التكتم على الموضوع، والثابت اليوم في راينا أن الانقلاب في بوركينا فاسو قد أتاح الوقوف على حقيقة أن”الرياح الإقليمية غير مؤاتية لباريس، ولكن من التالي بعد الفرنسيين وقبل ذلك من هي الدولة التي ستكون بعد “بوركينا فاسو” ضد الفرنسيين خاصة وان “شعار (فرنسا ارحلي) يتردد أيضاً في السنغال وساحل العاج، وإن كانت تلك الأصوات ضعيفة حتى الآن”.
- خامسا، تطورات الأوضاع خلال نهاية الأسبوع الماضي في بوركينافاسو قد تضطر فرنسا في نهاية المطاف إلى مغادرة البلد حيث ينتشر حوالي 400 من عسكرييها ضمن قوة سابر الخاصة التي تدرب الجيش المحلي في ثكنة قرب “واغادوغو” وهو رحيل هو أقرب للمؤكدويذهب اليه كثير من الخبراء الذي عملوا في منطقة الساحل ولكن السؤالين المطروحين هما:
- سؤال أول: هل لموسكو القدرة على مواصلة الاستفادة من مغادرة الفرنسيين مثلما تم ذلك في مالي، وهل يملكون فعلا استراتيجية كاملة من حيث البعد اللوجستي ومن حيث الاستثمار الإعلامي والسياسي خاصة في ظل تفرغهم للحرب الروسية الأوكرانية؟
- سؤال ثان: هل أن الفرنسيين سيسلمون بالأمر الواقع وهو ما يعني أن لذلك تداعيات جيو استراتيجية كبيرة عليهم وعلى كل المنطقة، أم انهم يتبعون سياسة افراغ الغضب الأفريقي ليبدؤوالاحقا ووفقا لاستراتيجية مدروسة بإحكام اصلاح اخطائهم السابقة -وهي أكثر من أن تعد وتحصى-؟
** مستقبل الأوضاع في منطقتي وسط وغرب القارة
بناء على تعدد الاضطرابات في بلدان المنطقتين وبناء على الامتداد الكبير للتنظيمات الإرهابية وفي ظل الخلافات الداخلية في البلدان التي حصلت فيها الانقلابات سنتي 2020 و2021 وخلال السنة الحالية وفي ظل التراجع الفرنسي الرهيب في القارة السمراء وبالشكل الذي أوردناه في الفقرة السابقة وبناء على تشتت ذهنية الروس سياسيا بين نية اختراق شمال وغرب ووسط القارة وغرقهم الفعلي في اتون حربهم مع اوكرانيا وفي ظل امتداد إيراني وتركي واماراتي في بلدان غرب ووسط افريقيا وفي ظل تواصل سمة العجز للاتحاد الافريقي وبناء على صراع النفوذ بين محورين في افريقيا (الجزائر وجنوب افريقيا مقابل المغرب ومصر وبقية بلدان أخرى حليفة لهما) وفي ظل ارتباك الدولة العميقة الفرنسية في التعاطي مع ما يحصل وفي ظل تواصل صراع النفوذ الروسي والصيني من جهة والامريكي من جهة ثانية فإن ملامح الوضع في المنطقتين (غرب ووسط القارة) سيبقى قابلا للتطور نحو أكثر كارثية ولن تحد من حجم ذلك الا مضي الأمريكيين من عدمه في سياساتهم التي سطروها سنة 2020 والقائمة على تحويل ملفات القارة الى ملفات نائمة للتفرغ للصراع مع المارد الصيني ولكن المفارقة ان الصينيين ينوون تحويل افريقيا الى ساحة صراع نفوذ لان ذلك سهل عليهم خوضه وبغاية الدافع الناعم على خاصرتهم في آسيا، ومن هناك يمكن القول ان الوضع سيزداد كارثية ولكن بوتيرة بطيئة في انتظار سنة 2023 والتي لن تكون تطوراتها عادية لا فقذ في غرب وسوط القارة بل في كل ارجائها بل وفي كل العالم….