أين ابني؟
قصة: عبداللطيف خالد
في ذلك المساء،التقينا قرب ضريح سيدي أحمد البوهالي،كنا ساعتها قد اجتزنا معا مرحلة عصيبة من علاقتنا العاطفية،وعلى جدار الولي الصالح أسندنا رأسينا الى جدرانه البيضاء ،كان التعب قد بلغ منا مبلغه ،ولم نعد قادرين على الكلام،لأننا لم نصدق أننا خرجنا سالمين من عملية كانت مرهقة وشاقة وغريبة.
مازلت اتذكر وانا في قاعة الانتظار،وكلي خوف ورجاء ويأس وأمل،كنت انت داخل غرفة العمليات،كنت أسمع اصوات مختلفة أقرب الى الاستجداء والتوسل،رائحة اليود والمعقمات،ورنين المبضع والمشرط والمقص والخيوط،تتسلل الى أذني بقوة،كأنها اجراس فولاذية ثقيلة و صارمة ،او كأنها صرير أقفال مجلجلة،كان الكل ينتظر،في عيون الجميع رعب وخوف،لأنه في هذا المكان ،ليست في كل مرة تسلم الجرة،وغير بعيد عني،وقف شاب وسيم في العقد الثالث من عمره،وبجانبه فتاة شقراء جميلة،يتبادلان الحديث في همس، سرعان ما تحول الهمس الى صراخ وزعيق،قال لها:
- حيديه ولاجلسي لاش جايباني لهاذ لبلاصا..
فأجابته: - راه حنا بجوج مسؤولين على المصبة ماشي غير انا..
قال لها: انا عطيت لفلوس بزاف،حلي مشكلتك بوحدك وخليني نمشي من هذا لبلاصا.
شرعت في البكاء،بدت اكثر جمالا وحسنا،من طريقة لباسها وكلامها وصوتها الرخيم،بدا لي انها من عائلة غنية،ونفس الوصف ينطبق على مرافقها،كان يحمل في يده مفاتيح السيارة،وفي بنصره خاتم ذهبي ،بسمك اربعة وعشرين قيراطا،وبعنقه سلسلة ذهبية.
قالت له بنبرة حزينة: - صافي غير سير خليني بوحدي،انا غادي نواجه مصيري بوحدي..و أجهشت في البكاء.
خرج وتركها لوحدها،ولم تمر دقائق حتى عاد ،قبل رأسها وجبينها ويديها،مسح دموعها بمنديله،وقال لها: - ما غاديش نتخلى عليك.
كان الكل يرقب مشهد العڜيقين مابين مستنكر ومستهجن ومعجب لسلوك الشاب والشابة.
كان الجميع يعلمون لماذا هم هنا..تلك الرائحة التي تخترق الانوف رغما عنها ،يعرفون حق المعرفة أن التواجد هنا اضطراري وتحمل تبعاته أمر لا مفر منه،انتظرت خروجك من تلك الغرفة المقرفة التي تصاحبها حركات طبيب ماهر تعود على استعمال الشفرات الحادة،وسكاكين صغيرة،ومبضع لايفارقه،طال انتظاري،بعدها خرجت متعبة ڜاحبة،خرجت الممرضة ،وبصوت جهوري سمعه الجميع قالت: - أين هو زوج هذه السيدة؟
كدت أن أقول لها: - لست زوجها ،ولاعلاقة لي بها،فتراجعت وقلت لها انا زوجها.
اتكأت علي الرفيقة،كانت مجهدة وخائفة،كان أخي في انتظاري،حملناها في السيارة ،وتوجهنا الى مطعم،طلبنا الشواء،أكلت كفايتها من لحم البقر والغنم،قال لي صاحب المطعم : - الدوارة هي كل شيء ،خصوصا بولفاف .
في الطريق وضعت رأسها على كتفي،كان صوت المرحوم التولالي يفيض شاعرية ورقة وهو يتحدث عن لغزال فاطمة.نظرت إلي نظرات غريبة وبصوت متهدج قالت لي:
- أين ابني؟
حاولت تهدئتها،إنه هناك يهتمون بأمره،لانخافي سوف يلتحق بنا..اه عفوا سوف ينقلونه إلينا..
مرت شريط ذلك اليوم العصيب سريعا،ونحن ننام على عتبة الضريح،كان صوت نهر أم الربيع يهدر بقوة،وكان فصل الشتاء في بدايته،لم ندر كم نمنا هناك،استيقظنا على صوت اذان العشاء،كانت الرفيقة تلف خصرها بمحرمة،تبادلنا القبل أكثر من أي وقت مضى ،وقرب جدران ضريح سيدي احمد البوهالي تعانقنا،كانت دوريات الامن تمر من اسفل شارع الحي الصناعي،ولكن نحن العاشقان كنا في مأمن من هذه الدوريات.
قلت لها: - كيف خرجت من المنزل بهذا الشكل ؟ اين هو جلبابك الاخضر الجميل ؟
اجابتني: - لا اعرف ،ولكن حين مررت من حينا تبعتك كالحمقاء،أليس هذا هو الحب؟ واضافت أنت قدري،حين اسمع صوتك في الهاتف،أفقد كل حواسي ويتعطل تفكيري،وأجد نفسي اتبعك كالحمقاء..أليس هذا هو الغرام؟
لم أصدق ماذا جرى ذاك اليوم ،نمنا معا بتاكزيرت،وفي الغد كانت وجهتنا مدينة الفقيه بن صالح.
عدنا أدراجنا،أوصلتها الى منزل عائلتها،وقبيل الفراق قالت لي بنبرة حزينة: - أين هو ابني؟
نظرت الى مقبرة سيدي حمو الزين،والدمع في عيوني،وخفت أن أقول لها: - إنه يرقد هناك.