أخبارمجتمع

كراكيز من ورق يمثلون قدوة الشباب اليوم

التخلف، في حقيقة الأمر، ليس لعنة ولا نقمة ولا مؤامرة خارجية كما يروج لها نخبة المعتوهين والفاشلين، إنه خيار. التخلف خيار نعم، إنه رغبة دولة ومجتمع، إنه  شعار ساسة وأفراد، للأسف. التخلف إرادة شعبية قوية، يتم التخطيط له بجهل مقصود وغير مقصود، فإذا كان يعتقد الجميع أن التخلف هو الذي يولد الإنسان المقهور والمهدور حقوقه، فإني أرى العكس، الإنسان المقهور هو من يكرس التخلف ويعمل إلى إدامته بتواطؤ مع نخب لا يهمها مصلحة الدولة، إنما تبحث دوما عن البريستيج الاجتماعي والسياسي، مهما كان الثمن.

يقول عالم الاجتماع المغربي محمد جسوس وهو يتحدث بحسرة عن مستقبل الأمة، وهو المناضل الذي دافع عن قيم الوطن والمواطن: “إن مستقبل المعارك التي ننادي بها هو مستقبل الشباب، وبالتالي مآلها هو ما يملكه هذا الشباب من إمكانات ومؤهلات على ضمان انفتاحه وازدهاره، أكثر ما يمكن، وفي هذه الحالة، يمكن لنا أن نطمئن أنفسنا على مصير معاركنا الكبرى من أجل مجتمع ديمقراطي متحرر، أما إذا حدث عكس ذلك، إذا كان شباب هذا البلد مهمشين، مقموعين، مكبوحين، مكبوتين، مطاردين في مختلف مرافق الحياة، فيمكننا من الآن أن نصلي صلاة الجنازة على هذه البلاد وعلى مستقبلها”.

جسوس، السوسيولوجي الحامل لهموم ومستقبل الوطن، يتحدث بحرقة عن مستقبل جيل ضاع قبل أن يكبر، قبل أن يبلغ. في نهاية الثمانينيات، دق محمد جسوس ناقوس الخطر حول مستقبل أجيال كاملة، لكن للأسف لم يكن لندائه آذان صاغية من ساسة ومفكرين وإعلاميين. كان بالإمكان أن يكون نقاشا موسعا مستفيضا بشكل ديمقراطي ومنفتح على كل مكونات المجتمع المغربي، للبحث عن مكامن الخلل وإيجاد الطرق التي توصلنا لبر الأمان.

كانت نظرة جسوس صحيحة لأبعد الحدود، وهو العارف بخبايا المجتمع والنظام التعليمي، فلم يكن تنظيرا بل تحذيرا شديدا لمستقبل جيل ومستقبل أمة. بعد عدة عقود، ثبت بالملموس صحة وجهة نظر الرجل وضرورة فتح نقاش عمومي حول التربية والتعليم ومستقبل الشباب.

إصلاحات عديدة وضعت منذ الاستقلال، برامج كثيرة بُرمجت، لكن بدون جدوى، لأنها ببساطة كانت فوقية جدا، ولم تحض بمشاركة العامة، لأنها ببساطة ليست مكتسبات الشعب، ولن يدافع عنها بل في غالب الأحيان مستوردة وتعبر عن نماذج بلدان أخرى.

اليوم، نرى انحرافا كبيرا في القيم والأخلاق، سمحت به وسائل الاتصال والانترنيت، بروز شخصيات كرتونية تنشر قيم التفاهة، وتؤثر على قيم وسلوكيات الشباب. إنهم فئة من كراكيز ورقية، سيطرت على المشهد الثقافي العام، من أنصاف فنانين وأنصاف ممثلين ويوتوبين ووو.

أي قدوة يمثلها هؤلاء لشباب اليوم؟ مهرجانات ورقص لا يمثل شيئا من ثقافتنا وهويتنا، ونماذج لباس وتقليد أعمى لمظاهر أجنبية، لن تصنع من جيلنا إلا أنصاف الأشياء. شباب ضاع بين التهميش وبين الروافد الثقافية الغربية، فصار كالغراب الذي أراد تقليد الحمامة. يصفه بدقة محمد جسوس وبحسرة: “بروز جيل جديد من الشباب يتسم بالاستسلام منذ البداية، جيل ليس له علم حتى بالحد الأدنى، من حقوق وواجبات المواطنة شباب يائس مسبقا وكل ما يطمح إليه في كثير من الأحيان هو الحصول على جواز السفر والهروب من الساحة، والهروب كذلك نحو الغربة والبحث عن لقمة عيش”.

لا زال الأمل قائما في استدراك هفوات من يتحمل مسؤولية الثقافة ونشرها في المجتمع، هناك أمل في تغيير العقليات وقبلها تغيير المسؤولين عن ما وصلنا إليه، هناك أمل كما يقول جسوس وهو ظاهرة بيولوجية قبل أن تكون نفسانية.

أتمنى أن تفند مقولة جسوس: “إنهم يريدون خلق أجيال جديدة من الضباع”، نتمنى أن نخلق جيل من السباع، جيل وطني ومثقف ومناضل، نود خلق جابري جديد وجسوس جديد ومنجرة جديد ومرنيسي جديدة من اجل مغرب جديد قوي بأبنائه البررة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button