بقلم: عبدالحفيظ محبوب (المحلل الاقتصادي السعودي)
البعض يقارن بين وقف الإمدادات النفطية العربية بسبب حرب أكتوبر 1973 وبين أزمة الطاقة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا 2022، لكن الفرق بين الأزمتين أو الحدثين، أن حرب 1973 كانت نقطة محفزة لدعم البحوث والخطط المؤيدة إلى تنويع مصادر الطاقة، ومنها الطاقة النووية والطاقة الشمسية، ومن حظ الولايات المتحدة أن توصلت إلى تقنية لإنتاج النفط والغاز الصخريين، على عكس أوروبا التي جفت لديها الطاقة الأحفورية وأصبحت معتمدة بنحو 40 في المائة على الغاز الروسي.
رغم ذلك لا زالت دول أوبك محور الطاقة عالميا، وتعززت بعدما شكلت دول الأوبك ال13 تحالفا مع دول من خارج أوبك ال10 بقيادة روسيا مما عزز مفاتيح الطاقة التي أصبحت بيد السعودية، وهو ما يغيظ كثير من أعداء السعودية، الذي يعزز من قوتها الجيوسياسية، وتصبح شريك في كثير من القرارات في كثير من الأحداث الإقليمية والدولية مما يعزز هذه القوة الجيوسياسية خصوصا ورعايتها للحرمين الشريفين التي فشلت إيران وتركيا في منازعتها في تلك الرعاية، وقيادة العالمين العربي والإسلامي، ما يجعلها مسؤولة عن الدفاع عن أمن الأمتين العربية والإسلامية، إلى جانب تحكمها في مفاتيح الطاقة ما يجعلها أيضا مسؤولة عن مصالح الشعوب العالمية من أجل تحقيق أمن الطاقة واستدامتها.
دعت أوروبا العالم إلى قيادة التحول العالمي نحو الحياد الكربوني وتوجيه الاستثمارات من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، ولم توافق إدارة ترمب، لكن إدارة بايدن انضمت لهذا التحول،قد يكون هذا الانضمام تكتيكي من أجل تحقيق مصالح لاستعادة العلاقة بين جانبي الأطلسي، وبالفعل حققت الولايات المتحدة هذا الهدف من خلال حرب روسيا في أوكرانيا، وقبل هذه الحرب أثرت تداعيات كورونا على هذا التحول، رغم أن الجائحة تسببت في انخفاض الطلب العالمي على النفط بنسبة 94 في مرحلة ما، وتراجعت القيمة السوقية لشركة بي بي بنحو 640 في المائة إلى 22 مليار دولار، لكن لم يحدث نفس السيناريو بشركة أرامكو العملاقة.
لكن في الواقع يشعر المستثمرون بالقلق المتزايد بشأن الوقود الأحفوري مع تزايد الزخم لسعر الكربون العالمي، وتغير مدى جدوى الطاقة المتجددة من الناحية الاقتصادية، بسبب الزام الشركات باعتماد الكهرباء المتجددة، حيث اعتمدت 284 شركة متعددة الجنسيات عام 2020 بمصادر الطاقة المتجددة بنسبة 100 في المائة بنفس القدر الذي تستهلكه استراليا عند 278 تيراواط/ساعة.
وكانت هناك توقعات بزيادة الانفاق على الطاقة المتجددة بنحو 8.5 في المائة إلى 255 مليار دولار، بما يتماشى مع مستويات 2019، وتتوقع بلومبرغ نيو إنرجي فايناس يحتاج تحول الطاقة الناجح في ال30 عاما المقبلة نحو 11 تريليون دولار، لكن الطاقة المتجددة الحل أصبح أزمة والفاعل الحرب الروسية في أوكرانيا بعد تعرض مشاريع الطاقة المتجددة للضرر من ارتفاع أسعار المواد الرئيسية بعد الحرب الروسية الأوكرانية مثل الألمنيوم والصلب فضلا عن ارتفاع تكاليف النقل الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط.
رفضت آسيا دعوة وكالة الطاقة إلى وقف الاستثمارات في الوقود الأحفوري، فيما اتخذت السعودية العصا من النصف، ومع انخفاض تكلفة إنتاج أرامكو يمكنها زيادة أرباح الوقود الأحفوري إلى أقصى حد مع الانغماس في مجال التكنولوجيا المتجددة والنظيفة دون أي مخاطر مالية حقيقية، وأن الطلب العالمي على الوقود الأحفوري مستمر في الارتفاع لا سيما في الصين والهند، ما يعني استمرار استراتيجية منتجي أوبك تتمثل في الاستثمار بشكل أساسي في أعمالهم الأساسية التقليدية لإنتاج النفط والغاز، مع استخدام بعض رأس المال للاستثمار في مشاريع نظيفة ومتجددة، معززين مفاهيم الهيدروجين الأخضر والأمونيا الزرقاء.
بالطبع أزمة الحرب الروسية في أوكرانيا أثبتت أن السعودية على صواب واستمرار الوقود الأحفوري في البقاء حيويا من اقتصاد الطاقة والنقل العالمي، ومنذ عهد ترمب عندما حدثت أزمة حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا في 8 مارس 2020 عندما رفضت روسيا خفض إنتاج النفط من أجل الحفاظ على أسعاره عند مستوى معتدل في خضم جائحة كورونا،أدى هذا الصراع الاقتصادي إلى انخفاض حاد في أسعار النفط خلال ربيع عام 2020 ليصبح السعر سلبيا في 20 أبريل 2020 أدى إلى سقوط تحالف أوبك+ كانت أحد أهم الأسباب لانهيار سوق الأسهم العالمية تدخل حينها ترمب كوسيط بين السعودية وروسيا.
اتفق أعضاء منظمة أوبك+ الذي انعقد حضوريا على مستوى الوزراء لأول مرة منذ عامين في فيينا في 4/10/2022 على خفض الإنتاج مليوني برميل يوميا في نوفمبر المقبل حتى نهاية ديسمبر 2023 بسبب الركود الاقتصادي غير المعلوم مداه، واستمرار الإغلاق في الصين، ما أثر على الطلب العالمي، وأن أولوية أوبك+ هي الحفاظ على سوق بترولية مستدامة، وصرح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان أننا في صناعة لا تحتمل المقامرة، ويجب الحذر في التعامل مع تحديات السوق، وأن حجم عدم اليقين الحالية غير مسبوقة، ويجب أن تكون قرارات أوبك+ قرارات استباقية، وهي التي حافظت على استدامة السوق في الفترة الماضية، وسيكون توزيع حصص الخفض تقديريا، وأن أولوية أوبك+ الحفاظ على سوق بترولية مستدامة، وستبقى أوبك+ قوة أساسية لاستقرار اقتصاد العالم، ولم تمارس أوبك+ سياسة عدائية تجاه أي طرف، وستواصل أوبك+ التزامها تجاه الاقتصاد العالمي، وتعتبر أوبك ما تقوم به أساسي لكل مصدري النفط حتى خارج أوبك+، وإذا نظرنا إلى وصول الغاز الأمريكي إلى أوروبا الحليفة لها بعدما كان واصلا لأوروبا 12.8 دولار للمليون وحدة، لكن الآن ومع أزمة الغاز الروسي الذي اختلقته أمريكا رفعت السعر إلى 30 – 40 دولار، فبدلا أن تخفف الأسعار للأوربيين للتخفيف عن أزمتهم مع روسيا رفعت الغاز 300 في المائة، فكيف تتهم أوبك+ الذي لم يزيد النفط بنفس وتيرة الغاز الأمريكي ولا الغاز الروسي الذي تضاعف أكثر من خمسة أضعاف، بل في بريطانيا تضاعف أكثر من عشرة أضعاف.
اعتبر البيت الأبيض أن تخفيض الإنتاج خيبة أمل في بيان بتوقيع مستشار الأمن القومي جايك سوليفان وكبير المستشارين الاقتصاديين بريان ديس أن بايدن يشعر بخيبة أمل من قرار أوبك+ القصير النظر، وهناك العديد من النواب الأمريكيين أيضا يرون أن التخفيض النفطي الذي قادته السعودية ليس اقتصاديا بل سياسيا، ويؤشر إلى تقارب سعودي روسي موجه ضد الدول الغربية،بل يرون أن القرار يمنح بوتين الراحة في منعطف حاسم في الحرب، ويعزز خزائن موسكو قبل حظر الاتحاد الأوربي معظم صادراته من النفط الروسي في وقت لاحق هذا العام، ما يعني أن الغرب تناسى فورا توسط السعودية بين روسيا والغرب في الإفراج عن الأسرى الغربيين المرتزقة، كما يتناسى الغرب أن تحالف أوبك+ قام بإجراء خفض كبير في الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يوميا في أبريل 2020 خلال تفشي كوفيد، ومحاولة مجموعة الدول السبع تسقيف أسعار النفط وهو ما يضر جميع دول أوبك+، تعتبره السعودية وبقية دول أوبك+ قرارا عدائيا، ومن حقها أن تدافع عن مصالحها ومصالح الأعضاء في أوبك باتخاذ قرارا استباقيا كهذا قبل أي قرار تتخذه مجموعة السبع الذي يستهدف ليس فقط النفط الروسي بل يستهدف نفط أوبك+.
ويرى عدد من النواب أنه أيضا يضر بالانتخابات الأمريكية النصفية في نوفمبر، ويعتبرون أن الشراكة مع السعودية شراكة متوترة، لكن السعودية لا تنظر إلى أمريكا يسار ديمقراطي ويمين جمهوري بل تنظر إلى شراكة مع الولايات المتحدة التي لا تؤثر على مصالحها وعلى مصالح بقية الأعضاء والعالم، ولن تقبل السعودية أن يتم تصوير السعودية أن توقع صك لأمريكا باعتبار أن السعودية قادرة على اقناع الأعضاء لزيادة الإنتاج لخدمة اليسار الأمريكي المقدم على انتخابات نصفية، فيما السعودية ليست مطالبة بدفع فاتورة العداء الغربي مع روسيا، قد يكون حدث في الماضي، ولكنه مقابل مجاملات لقاء تحقيق مصالح للسعودية، لكن حاليا أمريكا لم توف بتحالفاتها مع السعودية، ولا زالت متصالحة مع مليشيا الحوثي الذي يواجه السعودية، ولا زالت أمريكا تتلهف وراء إيران ولا تزال تتوق إلى أن تتفاوض مع طهران دون مراعاة لمصالح السعودية وبقية الدول في المنطقة.
هناك نواب كانوا أكثر عدائية ضد السعودية مثل النائب روخانا الذي دعا للحرب ضد السعودية باعتبار أن السعودية تستنزف الشعب الأمريكي، وأردف قائلا من يظنون انفسهم، واعتبر السعودية من الدرجة الثالثة، وتساءل لماذا التملق لهم، وطالب قطع إمدادات قطع غيار الطائرات، وللسعودية مرد في أن سعر البنزين في الولايات المتحدة مضاعف، لأن المواطن يدفع نصف السعر ضرائب، وكان هناك رد من قبل وزير الخارجية الأمريكي بلينكن من الصعب معاقبة السعودية التي تضر بمصالحنا.