حتى لا نبني مجتمعا معوقا ! الأسرة والمدرسة بحاجة لتعاقد جديد
من المسلم به عند أهل الاختصاص، من علماء اجتماع وعلماء تربية والتخصصات ذات صلة بالموضوع، وكل العاملين بقطاع التربية والتعليم، أن الأسرة تعد النواة الأساسية التي يبدأ فيها تشكل الفرد وتكون سلوكه ونمطه الاجتماعي،إنها النواة التي تبدأ منها بدايات التربية والسلوك، فهي أهم مؤسسة اجتماعية تؤثر بشكل مباشر ومبكر في شخصية الإنسان.
بدون أسرة لا يمكن للمجتمع أن يستمر أو أن يوجد أصلا، فهي الضامنة لتربية الأجيال على الأخلاق والسلوك الحسن مما يساهم في تربية جيل واعي قادر على النهوض بالمجتمع وتحقيق القيم الاجتماعية.
من يريد إجهاض عمل الأسرة؟
ولماذا صارت المدرسة مكانا عاديا، بينما كانت في يوم من الأيام نواة ثانية بعد الأسرة، لبناء المجتمع؟
تعد المدرسة أيضا المؤسسة الأبرز من حيث القصد والتوجيه ووضوح الأهداف، فالمجتمع المغربي كباقي المجتمعات الأخرى عرف تغيرات عديدة ثقافيا، اجتماعيا، اقتصاديا وسياسيا منذ الاستقلال حتى الآن، ويسعى جاهدا لبناء جيل متوازن سوي. فالمدرسة مجتمع مصغر ينتقل من خلالها الطفل من محيطه الأسري إلى محيط أوسع، يكتشف من خلاله العالم الخارجي والمجتمع الذي يعيش فيه، كما أنها تتبنى طرق تدريسية وتعليمية تتماشى والغايات الوطنية، القومية والقطرية واستراتيجيات المجتمع الذي توجد فيه. فهي تسعى دوما لتلقين الناشئة مختلف أنماط السلوك الإيجابي والقيم الإجتماعية المثلى بغية بناء المجتمع المنشود.
إذن تشكل الأسرة والمدرسة كينونة اجتماعية وثنائية تلزم ضرورة إيجاد صيغ تعاقدية ملائمة ودائمة لتوطيد الصلة والعلاقة بينهما ومد جسور التكامل والتواصل الناجح بينهما حتى تكون المدرسة فعلا مؤسسة تربوية- تعليمية تضمن امتدادا حقيقيا للأسرة.
لكن الملاحظة اليومية لمجتمعنا ودراسة الواقع الحالي، يتبين جليا الانحلال الأخلاقي في العديد من جوانب الحياة، وغياب التربية الذي يسبب الكثير من السلوكيات الشاذة داخل المجتمع والعاهات التي تصيب الجسم المجتمعي مما يعطل العديد من قواعد السلم والتعايش الآمن بين كل أفراد المجتمع.
ولمقاربة الإصلاح التربوي – التعليمي والأسري بمجتمعنا المعاصر، يجب أن نتوقف عند سؤال جوهري وهو مدى توفر الشروط العامة الضرورية لإنجاح عملية الإصلاح؟ أي مدى وعي الأسرة المغربية المعاصرة بدورها الرئيسي ومهامها التربوية، أي انخراط الآباء في معادلة الإصلاح : أسرة – مدرسة كما يجب البحث أيضا في حدود وشروط التكامل بينهما؟ والطريق الأمثل لإنجاح هذا التكامل لتحقيق إصلاح فعلي ومشترك. ومن أين يجب أن نبدأ: الأسرة أم المدرسة؟
قبل أن نصل إلى سؤال عام وهام وهو لماذا فشل المجتمع العربي عموما في إصلاح منظوماته التعليمية والتربوية؟ وخصوصا حين نقوم مقارنته بدول أخرى كانت تعيش نفس الظروف الاجتماعية والاقتصادية مع نهاية الخمسينيات والستينيات كدول جنوب شرق آسيا مثل سنغافورة وماليزيا وأيضا كوريا الجنوبية.
وحين نتحدث عن عمليات الإصلاح التعليمي والتربوي، يجب أن لا ننسى دور الإعلام الحالي في نشر ثقافة التفاهة وغياب القدوة ونشر الفكر الرديء، والمؤسف أن هذا الإعلام التافه هو ثمرة ونتيجة هذا التعليم الفاشل وهذه التربية الناقصة، وهو نفسه من يواصل نشر التفاهة الفارغة.