السعودية ترفض الإملاءات وتسييس قرارات أوبك
مواقف السعودية بائنة وسائرة عجائبية لن تنحدر إلى الأسافل، بل جبلت دائما على العلو، لأنها لم تكن قرارتها زمنية، بل كانت دائما قرارات راسخة، وجبلت على كتم غيظها، وكما قال الأمير سعود الفيصل رحمه الله في كلمة له أمام اجتماع لمجلس الأمم المتحدة بقوله نحن العرب نحن في السعودية لا ننكث بالوعد، كما لا نرتضي الوعيد.
قرارات السعودية هي الأكثر أمنا وعقلانية في ملف الطاقة لأنها تدرك أنها أصبحت ملك الطاقة في العالم، ما يجعلها مسؤولة عن أمن الطاقة للمنتجين والمستهلكين، وتعتبرها قوة دافعة لمشروعها الاقتصادي ولبقية الدول المنتجة، وهي دولة محورية صنعت المحاور، وفي نفس الوقت صانعة للسلام، وهي ليست فقط قائد خليجي فقط بل وقائد للأمتين العربية والإسلامية بحكم رعايتها الحرمين الشريفين، بل أصبحت اليوم أحد قادة العالم بعد ترؤسها قمة أوبك بلس المكونة من 23 دولة، وهي الوحيدة القادرة على نزع فتيل الصراع النووي بين روسيا والغرب، لأن التاريخ يشهد لها والمواقف تشهد لها أيضا أن كلمة السعودية صادقة.
أخطأت أمريكا حينما أرادت المواجهة مع ملك الطاقة السعودية عندما تبنت مجموعة السبع قرار سقف أسعار للغاز الروسي، وكان مقرر إقراره في قمة الدول الأوربية في براغ، لكن سارعت السعودية إلى قرار استباقي بتخفيض مليوني برميل يوميا قبل القمة الأوربية بيوم، ما جعل أعضاء الاتحاد الأوربي قراءة قرار أوبك بلس بعناية فائقة ما جعل دول مثل ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا ترفض قرار وضع سقف أسعار للغاز الروسي.
لم تتوقف السعودية عند رفض دول أوروبا قرار وضع سقف لسعر الغاز الروسي، خصوصا بعدما واصلت إدارة البيت الأبيض الضغط على السعودية عبر إعلامها ومسؤوليها في البيت الأبيض، فكان رد السعودية عبر إصدار بيان من وزارة الخارجية بشكل عميق أوضح فيه أن السعودية تعترض على من يريد تسيس الطاقة، وترفض تحويل مجال التفوق إلى مجال الطاقة، وكما ذكر ديلي ميل أن بايدن لم يطلب من السعودية الحفاظ على إنتاج النفط الحالي، بل طلب منهم فقط الانتظار شهرا قبل التخفيض، إنه لا يحاول إنقاذ أوكرانيا من روسيا أو حتى الأمريكيين من ارتفاع أسعار الوقود، إنه يحاول انقاذ حزبه من الناخبين.
هذا التصريح اعتبرته السعودية حيلة سياسية، وترفض التدخل في الانتخابات الأمريكية، ولن تصطف إلى جانب طرف ضد الطرف الآخر، لأنها تتعامل مع أمريكا كدولة، وليس كحزب، بل للسعودية موقف سابق عندما صرح الأمير سعود الفيصل في حرب العراق، وقال إذا كان تدمير النظام العراقي على حساب تدمير العراق فهو مرفوض، وقال مهما ارتكب النظام أخطاء لا ينبغي أن يدفع الشعب العراقي الثمن.
ورفض الأمير سعود الفيصل رحمه الله استخدام أراضي السعودية والانطلاق من قاعدة الظهران لضرب العراق، عندما قالت أمريكا يجب أن تدفع السعودية الثمن لأنه موقفا لم يكن متوقعا، وكان للمك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله عندما بعثت أمريكا الحسن العلوي للمك عبد الله فأراد إرسال رسالة لأمريكا عبر الحسن العلوي فقال له قل لهم عرشنا عربي ومسلم وفوق رؤوسهم حسب تصريح صادر من الحسن العلوي، وأمريكا شعبا وحكومة لا تؤيد تصرفات إدارة بايدن، بل هناك من يظهر على قناة فوكس نيوز الشهيرة ويخاطب السعوديين على الهواء ويبادل السعوديين بعبارات السلام والحب لمملكة العربية السعودية نحن جميعا معكم.
فقانون جاستا وقانون موبك الذي عرض نحو أكثر من عشر مرات في الكونغرس وفشل ولم يجد تأييد، لأن أوبك بلس دول لا يوجد ربط قانوني، خصوصا هناك لوبي قانوني يرفض الموافقة على أي استهداف لأوبك، بل إنترمب هو من شجع تحالف أوبك بلس عندما حدث صراع بين السعودية وروسيا عندما رفضت روسيا الاستجابة لتخفيض الإنتاج من أجل دعم الأسعار في 2020 بسبب كرونا.
كما أن السعودية ترى أن أمن الطاقة ركيزة أساسية لمعركة التصدي لتغير المناخ، ولا ينبغي نبذ مصدر من مصادر الطاقة، وفي جلسة مؤتمر LEAP تم التركيز على أمن الطاقة الذي يشكل عنصرا رئيسيا للوصول إلى انتقال سلس للتعامل مع أزمة التغير المناخي التي تستوجب الكثير من الاستثمارات والبرامج، من دون أمن الطاقة لا يمكننا الحفاظ على الأسس الاقتصادية الأخرى، والحفاظ على النمو الاقتصادي العالمي، وتحقيق الازدهار ضروري لتسهيل استثمارات التغير المناخي، وفي حالة عدم وجود أمن للطاقة فلن يكون هناك انتقال سلس للطاقة.
لذلك أكد بيان وزارة الخارجية على أنها ترفض تسيس قرار تحالف أوبك بلس بخفض الإنتاج، مشددة على أن مخرجات الاجتماع تم تبنيها عبر التوافق الجماعي بين الأعضاء، واتخذت من منظور اقتصادي بحت يراعي توازن العرض والطلب ويحد من تقلبات السوق، فيما أيدت منظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، موقف السعودية في مواجهة التصريحات المغلوطة، وأشاد بدور الرياض في حماية الاقتصاد العالمي واستقرار أسواق الطاقة.
وترفض الرياض اتهامها من أنها منحازة في صراعات الدولية، وأن القرار بني على دوافع سياسية ضد الولايات المتحدة، وشدد بيان وزارة الخارجية السعودي الرفض التام لمثل تلك التصريحات التي لا تستند إلى الحقائق، وتستند في أساسها على محاولة تصوير القرار خارج إطاره الاقتصادي البحت، بل أوضح البيان أن السعودية من منطلق قناعتها بأهمية الحوار وتبادل وجهات النظر مع الحلفاء والشركاء من خارج أوبك بلس حيال أوضاع السوق البترولية بينت عبر تشاورها المستمر مع الإدارة الأمريكية أن جميع التحللات الاقتصادية تشير إلى تأجيل اتخاذ القرارلمدة شهر حسب ما تم اقتراحه ستكون له تبعات اقتصادية سلبية، لحماية الاقتصاد العالمي من تقلبات أسعار الطاقة وضمان إمداداتها وفق سياسة متوازنة تأخذ بالحسبان مصالح الدول المنتجة والمستهلكة، والتصريحات بحق السعودية لن تحجب الحقائق، ولن تثني السعودية عن الاستمرار بنهجها المتوازن والنهوض بواجباتها والتزاماتها كركيزة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وهي لا تقبل الإملاءات الصادرة من بعض أعضاء الحزب الديمقراطي تحديدا بربط القرار بدوافع سياسية ضد الولايات المتحدة.
أستاذ الجغرافية الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقا