قراءة عاشقة في مضامين قصائد مختارة للشاعر عبد السلام أكرش
من حسنات الفايس بوك أن يعرفك أحيانا بشخصيات وازنة، ما كنت لتسمع عنها أو تقرأ لها، فيقرب بينك وبينها، فتتمتن العلاقة بينكما ويصبح الإفتراضي واقعا ملموسا، فتجلس إليها وتشنف مسامعك بروائع ما يجود به اللقاء وترجو لو يطول في الزمن، وكثيرة هي الأسماء التي حظيت بالتعرف عليها وأثرت إلى حد كبير في نفسي، نهلت من مشاربها علما وأدبا وفكرا، ونسوق على سبيل المثال سيرة رجل شهم كريم صاحب تكوين قانوني خبر أصول المرافعات وجاب بحنكة قاعات المحاكم يذكره زملاؤه في مهنة المحاماة بكل خير يتميز بسلوك جاد ومسؤول يؤازر الضعيف، يعمل جاهدا لدفاع عنه من غير أتعاب مادية مرقا لحاله، و هذا ما لمسته فيه عن قرب ومعايشة، فمن يكون هذا الخلوق الطيب؟
إنه المحامي الشاعر الأديب الأستاذ عبدالسلام أكرش يمتع جليسه بالتحليل القانوني يعرفه بالقاعدة القانونية على خلاف المعتاد ويقف عند روح النص ويستحضر اجتهاد الفقهاء و أحكام المجلس الأعلى للقضاء ويذكر أسماء لشخصات قانونية أخذ عنها دراسته الحقوقية، و يذكرني بها وقد نهلت من معينها أنا أيضا من أمثال الدكتور عماد عبد الحميد النجار والدكتور بدراوي والدكتور صاصيلا والدكتور أحمد بنكوكوس والدكتور علم الدين وعبد الرزاق أحمد السنهوري والدكتور اسامة عبد الرحمان والدكتور مرابط والدكتور محمود رعد .. وغيرهم كثير.
عبد السلام أكرش من مواليد مدينة مليلية المحتلة عاش بها طفولته ليلتحق بمدينة الناظور لمتابعة دراسته الابتدائية والاعدادية والثانوية يواصل تعليمه بمدينة الالف سنة وجدة فيتخرج من كلية الحقوق ويلج الى مهنة المحاماة وعلى مدار ثلاثة عقود ينتقل إلى مدينة طنجة التي فتن بجمالها وروعة طبيعتها سهلا وجبلا وبحرا وينصهر مع أهلها الرائعين فتترك فيه عشقا فيكتب عنها ولها وهي حاضرة في قصائده كما هي بخاطره،
يميل الأستاذ عبد السلام أكرش إلى عالم الأدب منذ نعومة أظافره، فيقرأ من جميل ما سطره يراعه ويجود على جلسائه ببديع الشعر قديمه وحديثه يجيد اللغة الاسبانية واللغة الفرنسية والعربية واللغة الأمازيغية كثير الترحال داخل الوطن وخارجه
كنت كجميع متتبعيه شغوفا بما تجود به قريحته فأعلق عليه وأصفق له في حضوره و غيابه و يروق لي تقطيعه لقصائده إلى مقاطع قصيرة -وكأنه يبحث عن موطئ قدم فيما بات يعرف بشعر الهايكو- منسجمة في مظامينها وكأنها أزهار مختلفة الألوان من حديقة جمعت فيها ما يسر الناظر ويبهج الروح ونقتطف من مزهريته بعضا منها لننتذوق شهد المعاني وحلاوة البيان ومنها :
أتوق لمارقة
تسلبك بمفاتنها
تفتنك بطلعات
جفنيها
توقدك بولعات
أظافرها
متعجرفة متموجة
في رقصها
ألوم من ظن بقناعه
قد يطربها
تغتالك بنبل عشقها
وتذهلك بلطف رحيلها
تمتعض الجياد ممن
يساومها وهي أدرى
بفارسها
مولعة بمن يدرك
أصناف أصولها
إنه لا يتحرج في سبر أغوار الأنثى فيدثرها باستبرق الكلمات ويتحدث إليها بعفوية بريئة فهي الجميلة في ناظريه وهي الفرس الذي لا يمل من ترويضها فهو الفارس السائس ولا يخيفه أن يموت بين يديها لقوله:
تغتالك بمبلغ عشقها
وتذهلك بلطف رحيلها
يذكرها في كثير من موضع
بأوصاف مختلفة، فهي حبيبته وصاحبته وأمه وأخته وهي نصفه الٱخر يبثها لواعجه وأشواقه وعشقه ترحل معه في سفره يتأبطها كدفتر يومياته يحاكيها ويحملها ضنك الحياة ومغبة السفر فهي معه في حله وترحاله يراها مدينة وحارة وحديقة ومكتبة يسر إليها بحنينه وعشقه آماله وٱلامه ليستيقظ الشعر الساكن فيه و من ذلك نقرأ له
لماذا القدر
تواعدنا بين التلال
والصفصاف
وعشقها نابض بين
معصميها
لما غازلتها صفقت
بجفنيها
رفرف الحب عبر
البعاد
فانسابت دموعها
دونت خيبة
الفراق
في منهل الشفق
وذكرى الأماسي
على مندضتي بقايا ورق
هناك بين التلال
والصفصاف فالعناق
ونسيم الحبق
عصف الفراق
أحرقت أظافري
حتى تفوهت بالدخان
فرجعت منكوبة من
الشفق
وزورقي على وشك
الغرق
أبحرت إليك علقا
عابرا للمضائق وظلمة
النفق
يا راحلا ستقابلك حبيبتك
بلا ورود عند باب
المرفق
ومن هناك سأنطلق إليك
يرقا عبر الفضاء الأزرق
وأثناء مساءلة حبيته عن تيهانها بين أجنحة الظلام وأروقة الطلاسيم يقرأ أجوبته الحيرى بما توسوس له نفسه الظامئة للقاء معشوقته فيخبره الشيطان حين عجزت الألسن عن البوح فلا يدع مجالا للصمت أن يدخله في عالم الكٱبة والشاعر عبد السلام لا يقصد به شيطان ما تعارف في أذهان الناس بل شيطان الحب والصبابة ولم يأت به معرفا بل نكرة ليتعب قارئه ونتناول معه هذا الحكي الشعري الجميل
قابلني شيطان
على هيىة إنسان
ألح علي عقد قران
قلت ،،،له اليس
القران صنوان
أناشدك هل بحبك
أو غفران!؟
قال ،،، لست من جذرة
إنسان أو من بني عمران
ناديني ديبان
عرجت إليك من واد
الدخان
قرعت قاع الفنجان
رصدت ساقين مارقتين
رصدتك تختالين
بين شجيرات الرمان
فقطفت لك عود اللبان
ومهرك أساور وحلي
المرجان
وارتويت من أجل
عشقك مرارة الخل
من ثقوب الدنان
قلي هل أ أنت مارق
ضمٱن؟
قال،،، بسطت حجرتك
بزجاج البلور
وبعشقك أعلنت النهي
عن المحظور
قالت ،،،،هل عاشق أنت؟
قال،،،غازلتك. بالأشعار
وحضنتك بالخواطر
والأذكار
وما عاقبتك بالرجم
والتنور
قال،،،أهناك ما هو مرغوب
من النهيان والغفران؟
ومن خلال النصوص السابقة يمكن أن نستخرج معجما لغويا يقوم على التعدد والتنوع. ويرى الدكتور نورالدين أعراب الطريسي المعجم بالنسبة للقصيدة الشعرية هو مادتها الأولى وهو ينقسم إلى عدة حقول كما صنف ذلك البنيويون في دراساتهم الشعرية ومنهم تودروف وكرستيفا.
ومن خلال الحقول المعجمية
التي تحيلنا عليها هذه النصوص يمكن تقسيمها إلى ثلاثة حقول أساسية هي حقل الغزل وحقل المعاناة وحقل الطبيعة
فحقل الغزل يمكن أن نستدل عليه بالالفاظ والعبارات التالية
المفاتن .الجفون.الرقص.العشق
جفنيها.العناق الحب…
أما حقل المعاناة عباراته الدالة هي:
تغتالك.االبعاد.الفراق.الماسي
دموعي.أحرقت
عصف.الفراق…
وبالنسبة لحقل الطبيعة نجد الالفاظ والعبارات التالية
التلال .الصفصاف.الشفق.الدخان
نسيم .الحبق.شجيرات.الرمان
ولا يمكننا نسيان التراكيب اللغوية وأنواع الجمل ودورها البالغ في جمالية وبلاغة النص الشعري
فالجملة في نصوص شاعرنا الفذ تنحو نحو النمط الاخباري في شكل جملة خبرية تهيمن عليها في كثيرمن الأحيان الطابع السردي
مثل..قال…فقالت…
و هذا الإخبار متعلق بالحالة النفسية والمعنوية العصيبة للشاعر بسبب معاناته مع من يحب .وما يكابده من ٱلام الحب والفراق والاشتياق ومرارته
وقد تتغير هذه الجملة نحو النمط الانشاءي
كالنداء والاستفهام مثلا
كما نجد في بعض الأبيات
وهو ما يناسب كثيرا طبيعة النص الشعري.على اعتبار أن الجمل الانشائية تقوم بوظيفة التعبير عن المشاعر الداخلية المختلفة للشاعر وتنقل انفعالاته النفسية للقارئ والمتلقي
كنت أرجو لو كان لي من الوقت متسعه، ولولا ما أمر به من وعكة صحية لتناولت جميع ما نثره شاعرنا من جميل قصائده بالتحليل والدراسة وقد أترك ذلك لكل مهتم وباحث ليكتشف هذا القادم من عالم القانون ليرصد جمال الأسلوب وروعة المعاني .
وحسبي أنني أعتز بصداقته فهو الأنيق في مظهره واللبق في حديثه والحصيف الأريب الأديب في أدبه وفكره
ٱملا من متتبعي قراءتي العاشقة ومن الشاعر عبد السلام أكرش المعذرة إن لحنت، و إن وفقت فمن الله، و إن أخطأت فمن نفسي
حرر بفالنسيا إسبانيا بتاريخ 29 نونبر 2021