أخبارتقارير وملفات

ليبيا..المبعوث الأممي السابع وسعي لترتيب خارطة توافقية وجامعة    

بقلم: علي عبداللطيف اللافي-كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

بعد وصوله للعاصمة وفي ظل تعدد الإشكالات امام المسارين التنفيذي والدستوري 

  1. أولا، يُشكك بعض المراقبين في قدرة المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا على تحديد مسار توافقي يُفضي إلى تنظيم انتخابات وطنية شاملة وذات مصداقية في أقرب فرصة ممكنة بالاستناد إلى إطار دستوري متين، خاصة وان الخلاف بين رئيس الحكومة الوطنية المنتهية ولايتها “عبدالحميد الدبيبة” ورئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب في الشرق “فتحي باشاغا” قد زادت حدته ومعلوم أن “الدبيبة” قد حذر نهاية الأسبوع الماضي (تحديدا الجمعة 14 أكتوبر الحالي)، كل المؤسسات العامة في البلاد من التعاطي مع أيّ قرار تصدره الحكومة المنافسة له برئاسة “باشاغا”، في خطوة تصعيدية تزامنت مع وصول المبعوث الأممي إلى العاصمة طرابلس، وقال “الدبيبة” إن حكومته “تُخلي مسؤوليتها من أي التزامات مالية ترتبها الحكومة الموازية” في إشارة إلى الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة “فتحي باشاغا” بل أن الرجل – أي الدبيبة- قد نبّه في منشور عمّمه على الوزراء ورؤساء الهيئات والمصالح والأجهزة والجهات والشركات العامة وما في حكمها إلى أنه “لا يعتد بأي قرارات أو إجراءات تصدر عن الحكومة المكلفة من مجلس النواب والتي من شأنها المساس بالمال العام ومقدرات الدولة أو إحداث تغيير في المراكز القانونية بالمؤسسات العامة…”، وأوضح “الدبيبة” في خطابه الذي نشرته منصة “حكومتنا” (الناطقة باسم حكومته) عبر صفحتها على فيسبوك أن هذا الإجراء يأتي “انطلاقًا من دور حكومة الوحدة الوطنية منذ مباشرة مهامها لتوحيد مؤسسات الدولة وإنهاء الانقسام السياسي الذي طال أمده وأثَّر سلبًا على مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية…”
طرابلس قلب ليبيا النابض
  • ثانيا، “الدبيبة” أكد أيضا أن حكومته “أولت اهتمامها بعودة الحياة، وتوحيد المؤسسات، والحفاظ على الاستقرار، وتوفير الحياة الكريمة لأبناء الوطن لينعموا بثرواته، وتحقيق تطلعاتهم في التنمية والرخاء، وانتقد ما أسماها “المناكفات التي تواجه عمل الحكومة من خلال التضييق عليها بتشكيل حكومة موازية والعودة إلى المربع الأول من الانقسام السياسي…”، لما لذلك من تأثير مباشر على حياة المواطن، وتأتي تلك التصريحات في ما يبدو ردا على التحركات الأخيرة لحكومة “باشاغا” وإعلانها إجراء انتخابات المجالس البلدية في 5 مناطق بعد إعادة تشكيل اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية التابعة لوزارة الحكم المحلي، وكذلك قرارها بترقية 588 ضابطا بوزارة الداخلية وتطالب حكومة باشاغا، التي تحاول تلمس بدأ ممارسة مهامها من مدينتي “بنغازي” و”سرت” بعد فشل محاولات دخولها العاصمة طرابلس، بتوفير موازنة لتسهيل وتمويل عملها، وتنفيذ البرامج والمشاريع التي تعهدت بها والتزمت بتنفيذها…
  • ثالثا، رغم كل تلك المصاعب والعراقيل تتالت اللقاءات أمميا ودوليا وإقليميا مع بعض الفاعلين وتواصلت عمليات جس النبض والتفاعل للمضي في الحلول المكنة -والتي وسمناها أعلاه وفي مقالات/تقارير سابقة بأنها مُسكنات ولا ترتقي لحلول نهائية ودائمة- وفي ثاني لقاءاته عقب وصوله إلى طرابلس التقى الممثل الخاص للأمين العام ورئيس البعثة الأممية برئيس المجلس الرئاسي “محمد المنفي” ونائبه بالمجلس “عبد الله اللافي” واللذين أشادا بجهود الأمم المتحدة في دعم العملية السياسية مؤكدَين وجود اتفاق تام على أن الحاجة الآن ملحة للوصول إلى حل سياسي عاجل للأزمة الليبية أكثر من أي وقت مضى، في حين أشار “باثيلي” إلى أهمية أن يكون الحل ليبيًّا ليبيًّا، مبديا حرصه على إيجاد حل للأزمة في ليبيا، وكان المبعوث الاممي قبل ذلك قد التقى رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبد الحميد الدبيبة” والذي أكد دعم حكومته لمساعي المبعوث الأممي، واستعرض معه رؤيته لخيارات تعزيز السلام والاستقرار في البلاد، أما مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى “باربرا ليف” فقد أكدت  خلال زيارتها القاهرة أن ـ واشنطن تواصل سعيها بالتعاون مع مصر ودول أخرى في المنطقة لإنهاء الصراع في ليبيا وإجراء الانتخابات ـ واشنطن والقاهرة تشتركان في العديد من المخاوف والأهداف بشأن ليبيا ـقبل أن تُضيف أنه توجد فرصة حقيقية أمام ملايين الليبيين في الذهاب إلى مراكز الاقتراع وانتخاب حكومتهم وأن يكون هناك جيش موحد وأن يستفيد الليبيون جميعا من موارد بلادهم، كما بينت موقف بلادها عبر القول “نحن في واشنطن لا نحترم كثيرا فكرة أن تقوم حكومة بعينها بتحديد مناطق لنفوذها (موقف مبطن وسلبي من باشاغا) وعلى الحكومة الانتقالية في ليبيا الدفع نحو انتخاب حكومة تمثل الشعب الليبي ويجب العمل على المنظومة الديمقراطية في ليبيا، وإذا لم يكن الدبيبة على استعداد أن يدير هذا الأمر فعليه أن يتنحى جانبا مثل الآخرين، وهو حر في اختياراته، إذ يجب أن يتم تنفيذ الخطوات وإلا لن نرى أي تغيير…

 ** المبعوث الأممي السابع والمهمة صعبة: خارطة توافقية وجامعة

  1. أولا، لا خلاف في ان الوضع في ليبيا – وكما وصفناه أعلاه – مُعقد وغامض ومُتشابك الخيوط محليا وإقليميا ودوليا، ورغم معادلة “توازن الضعف” القائمة محليا وإقليميا ودوليا فإن الوضع لا يمت بصلة للودية ولا للوردية بين مختلف الأطراف وخاصة بين المنطقتين الشرقية والغربية ( بالمعنى السياسي) ذلك أن مجلس النواب المنتخب منذ 2014 يغرد دوما خارج السرب هو ورئيسه – أي عقيلة صالح – وهو غير موحد واغلب اجتماعاته لا علاقة لها لا بالنصاب ولا بالشرعية قانونيا بينما سيبقى دور المجلس الأعلي للدولة استشاريا في ظل الأوضاع الراهنة رغم ما أعطاه له اتفاق الصخيرات سنة 2015، وفي حين تُصر أطراف في الإقليم على دعم حكومة باشاغا ودفع “صالح” الى مواصلة دعمها ومن ذلك أنه تم منحها موازنة ولكن المصرف المركزي (والذي مول ويمول حكومة “الدبيبة”) لا يزال يرفض تسييل الموازنة لها، ومما لا شك أن خطاب الدبيبة المتزامن مع وصول مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا “عبدالله باتيلي” إلى العاصمة طرابلس يُنبأ ربما باحتدام الخلاف مع الحكومة الموازية في ظل الصراع الذي يدور بينهما منذ مارس الماضي حين منح مجلس النواب الثقة لحكومة باشاغا، والتي لم تتمكن منذ ذلك الحين من ممارسة مهامها ودخول العاصمة طرابلس، ومعلوم أن العاصمة وبعض المدن الليبية قد شهدت منذ بداية الصائفة اشتباكات متقطعة بين موالين لحكومة الدبيبة وأنصار حكومة باشاغا، ما زاد من تعقيد الوضع الأمني والسياسي في البلاد.
  • ثانيا، فور وصوله إلى طرابلس تعهد “باتيلي” في بيان نشرته البعثة الأممية على موقعها الإلكتروني بالتواصل “مع جميع الأطراف الليبية في عموم البلاد بمن فيهم المجتمع المدني والنساء والشباب للاستماع إلى آرائهم بخصوص الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية ومعرفة رؤاهم بالنسبة إلى مستقبل بلادهم خلال الأيام المقبلة”، وأوضح باتيلي أن الأولوية بالنسبة إليه هي “تحديد مسار توافقي يفضي إلى تنظيم انتخابات وطنية شاملة وذات مصداقية في أقرب فرصة ممكنة بالاستناد إلى إطار دستوري متين…”، مبينا أن “استعادة العملية الانتخابية كفيلة بتعزيز الوحدة الوطنية والاستقرار وتجديد شرعية المؤسسات في البلاد…”، وأشار “باتيلي” إلى أن الأمم المتحدة “ملتزمة بدعمها لليبيا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة…”، مؤكدا أنه “لا بد من احترام إرادة الملايين من الليبيين الذين سجلوا للتصويت في الانتخابات، وقال إنه “سيتولى قيادة المساعي الحميدة للأمم المتحدة والقيام بجهود الوساطة من أجل التوصل إلى حل سلمي ومستدام يقوده ويملك زمامه الليبيون، وتنتظر “باتيلي” مهمة صعبة تتمثل في حل أزمة تشهدها ليبيا تتمثل في صراع بين حكومتين إحداهما برئاسة فتحي باشاغا كلفها مجلس النواب، والأخرى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة “عبدالحميد الدبيبة” الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب، ومعلوم أنه تم تعيين “باتيلي” مبعوثا للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها للدعم لدى ليبيا في سبتمبر الماضي خلفا لـــــــــ”يان كوبيش” الذي عين بالمنصب في ديسمبر 2020 واستقال في نوفمبر 2021، ومعلوم أن جهود ترعاها الأمم المتحدة قد تعثرت لتحقيق توافق ليبي حول قاعدة دستورية تجرى وفقها انتخابات يأمل الليبيون أن تقود إلى نقل السلطة وإنهاء نزاع مسلح يعاني منه بلدهم الغني بالنفط منذ سنوات.

** الخلاصة، أو في طبيعة الحلول/المسكنات التي يمكن هندستها في افق جوان/2023

  1. أولا، خلال الساعات والأيام القادمة وبعد مباشرة المبعوث الاممي في ليبيا لمهامه ستتسارع فعليا الخطوات لتذليل الصعاب – المشار اليها أعلاه- ومن ثم تقريب وجهات النظر ومن ثم حسم بعض ملفات للتوصل لترتيب الملف الليبي ككل عبر رسم معالم خارطة توافقية وجامعة وقبل ذلك سيصبح المجلس الرئاسي الأكثر فاعلية ورحى الحل وستبقى إمكانية الذهاب للحل الثالث أمر واردا وخاصة في ظل التصريحات والتصريحات المضادة بين “بشاغا” و”الدبيبة” (وهذا الأخير لا يزال في وضع مريح على الأرض وعلى المستوى القبول الدولي رغم تصريحات مساعدة وزير الخارجية الأمريكي منذ يومين)، ولا شك في ان الحلول/المسكنات قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من التنزيل وخاصة في ظل مربعات ثلاثية الواجهة دوليا وإقليميا حيث ستكون للبريطانيين والجزائريين والألمان مساحات كبرى لتريب التفاصيل وهندسة خارطة الطريق نحو الانتخابات ومعلوم أن بريطانيا قد ستقبل قريبا رئيس مجلس النواب ولاحقا مؤتمرا دوليا غير معلن في ليبيا في حين قد يتم المرور الى برلين4 أو المضي في تنزيل خطوات مؤتمرين لبرلين1 و2 ومتابعة مخرجات لقاء أو مؤتمر برلين3 وخاصة بعد لقاء المبعوث الألماني لكل الفاعلين الرئيسيين عبر جولة مكوكية قادته الى طرابلس وتونس وبنغازي في حين كانت زيارة المنفي للجزائر مكثفة كميا وكيفيا ومهمة زمنيا للرجل وللرئيس الجزائري خاصة وأن هذا الأخير يبحث عن نجاحات ترتيبية للقمة العربية المزمع عقدها في الفاتح من نوفمبر المقبل…
  • ثانيا، الخلاصة أنه بناء على معطيات الفقرة السابقة وعلى تعقد الأوضاع في الإقليم واختلاط الأوراق مجددا وفي ظل ما يجري في منطقتي “غرب” و”وسط” افريقيا من تقدم للفاعل الروسي وتراجع للفرنسيين وخاصة في ظل صدماتهم المتكررة في كل من “مالي” و”النيجر” و”بوركينافاسو” و”التشاد”، وأمام تنامي التداعيات المترتبة على الحرب الروسية/الأوكرانية على دول شمال افريقيا (وخاصة في ظل بداية تدخل الغرب في الكثير من مربعاتها واتون تلك الحرب)، وأمام مخرجات مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني ونتائجه المباشرة على مستقبل العلاقات الصينية الأمريكية وفي انتظار حرب باردة ثانية مرتقبة بينهما وبناء على الخطوط الحمراء الأمريكية الثلاث في القارة السمراء (إيقاف تدفق النفط – امتداد التنظيمات الإرهابية – التواجد الروسي القوي)، وبناء على امتداد معادلة توازن القوى (أو توازن الضعف) وخاصة محليا وإقليميا، فإنه لا مناص للأمريكيين من مسك الملف الليبي عبر سياسية توظيفية لكل حلفائهم في المنطقة سواء كانوا دوليين أو اقليميين مع مساحات تفاضلية – وكما أسلفنا تبيانه أعلاه وفي مقالي الأسبوع الماضي- لكل من الجزائريين والأنقليز والألمان دون اغفال أدوار “القاهرة” و”انقرة” و”الرباط” و”الدوحة” و”أبوظبي” و”روما” وحتى “باريس” أيضا (وان بحجم اقل نتاج غرقها في أوحال إفريقيا وإعادة تريب علاقاتها مع الجزائر)، ومعلوم ان ليبيا هي من ضمن عشر دول ستُفعل واشنطن بشأنها سياسة دعم الاستقرار والمرسومة منذ 2020 وكل ما سبق يعني يؤكد أن هندسة الحل والخارطة التوافقية الجامعة ورغم كل العراقيل والصراعات والتجاذبات سيتم المضي فيها ولن ترى الاجسام والفاعلين الحاليين بعد جوان/يونيو 2023  وان الأتيان لم ولن يكون صدفة ذلك أن بلاده أولا وأخيرا تترأس الاتحاد الافريقي وهذا له خلفياته وابعاده التي يعلم كنهها وأسرارها واضعي السياسات ومنزليها في البيت الأبيض وفي عواصم حليفة في الإقليم…

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button