الفقر ظاهرة اجتماعية في كل المجتمعات، ويعتبر من أبشع الظواهر الاجتماعية انتشارا، كما أن نسبته تتفاوت من مجتمع لآخر. يرى علماء الاجتماع أن الفقر هو حالة اجتماعية تتميز بانعدام الموارد الضرورية للبقاء الأساسي أو ضروري للوفاء بمستوى معين من مستويات المعيشة المتوقعة للمكان الذي يعيش فيه المرء. كما أن مستوى الدخل الذي يحدد الفقر يختلف من مكان لآخر، لذلك يعتقد علماء الاجتماع أنه من الأفضل تعريفه بشروط وجوده ، مثل عدم الوصول إلى الغذاء والملبس والمأوى. ويعاني الناس الذين يمسهم الفقر، من الجوع أو التجويع المستمر، أو عدم كفاية أو غياب التعليم والرعاية الصحية، وعادة ما ينفرون من المجتمع الرئيسي.
إلا أن الفقر ليس محصورا فقط في الدخل المادي، كما يذهب إلى ذلك تعريف البنك الدولي الذي يصنف كل شخص دخله اليومي أقل من دولارين أمريكيين بأنه فقير، بل له أبعاد متعددة. وقد جاء في تقرير التنمية البشرية لعام 2019، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن أكثر من 1،3 مليار شخص يعانون من الفقر في العالم.
إذن، الفقر يعتبر سببا مباشرا لانتهاك حقوق الإنسان واستغلال الناس وإجبارهم على العمل في ظروف لا إنسانية، كما يعتبر أيضا نتيجة لانتهاك حقوق الإنسان في مجتمعات لا عدالة اجتماعية فيها ولا حقوق متساوية. لذلك اعتبرت مسألة القضاء على الفقر من قضايا حقوق الإنسان، وليس عملا خيريا للدول والحكومات، بل حق من الحقوق المهضومة للأفراد والتي يجب أن ترجع لأصحابها، لأنه في انتهاكها انتهاك لكرامة الفرد، واستمرار الفقر هو في الوقت نفسه استمرار انتهاك حق الفرد في العيش الكريم.
كما أن قضية الفقر ليست حتمية، بل نتيجة لسياسات اللامساواة والتوزيع الغير العادل للثروات وتوغل الرأسمالية المتوحشة والشركات العابرة للقارات. وهو أيضا ناتج عن إخفاقات أنظمة الحماية الاجتماعية، وأشكال كثيرة من التمييز بين الأفراد والطبقات والجماعات في مجتمعات شتى سواء كانت متقدمة أو متخلفة.
فجحيم الفقر المتواصل والإقصاء الاجتماعي وغياب الحلول الطويلة الأمد، يدفع العديد من الأسر إلى المعاناة في صمت رهيب، في الوقت الذي كان للظاهرة الفيروسية أثر سلبي كبير على الطبقات الهشة، ودفعت الملايين من البشر إلى براثين الحاجة، في المقابل، حصد الأثرياء والشركات أرباحا طائلة أثناء الجائحة.
شعار الأمم المتحدة لهذه السنة “الكرامة للجميع”، لكن كيف؟ في مجتمع يسوء يوما بعد يوما، وتتوحش الامبريالية والاستغلال ونفوذ المال، رغم ما يعيشه العالم اليوم من تنمية وتطور تكنولوجي ومواصلات إلا أن الملايين لا زالوا يعيشون خارج عجلة العصر، وعلى هامش هذه المجتمع الذي نسميه خطأ بالمتحضر.
رغم أن النمو الاقتصادي ملحوظ في الكثير من الدول، إلا أنه لم يقلص من نسبة الفقر بالشكل المطلوب بل بالعكس تؤدي الاستثمارات أحيانا إلى التفقير أكثر من خلق فرص شغل للتخلص من الفقر. فقد اتسعت فجوة التفاوتات في مختلف البلدان، حتى في الدول التي شهدت نموا اقتصادياً سريعا، من بينها الصين والهند. ورغم أن النمو يؤدي عادة لتقليص نسبة الفقر، فإنه لا يترجم بالضرورة إلى خلق فرص عمل.
فالعالم بحاجة لسياسات عميقة وحلول بنيوية للقضاء على الفقر وتمكين الناس من حياة كريمة، وتوفير حقوقهم الأساسية في مجتمعات متفاوتة بشكل كبير، لكن بالإرادة الحقيقية والسياسات الرشيدة وتوفير الحماية الاجتماعية وتوزيع الخيرات وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، يمكننا القضاء على الفقر.