العيش الكريم أبسط مطالب الطبقة المعوزة
بعيدا عن شجون السياسة ونتائج الانتخابات، وما أفرزته التحالفات الحكومية، ودون الغوص في مشاريع الحكومة المقبلة ومدى قابلية تفعيلها وواقعيتها، وبعيدا عن مشاريع الأحلام المهيمنة على تصور الكثيرين من السياسيين، وبعيدا عن مشاكل العلاقات الدولية وتلاطم أمواجها، لكن قريبا من المواطن البسيط وهمومه اليومية وأتعاب الحياة وبؤس الزمن وويلات الواقع.
يئن الملايين من الناس في بلدي وفي جميع بقاع العالم تحت خط الفقر، حتى في تلك البلدان التي تعتبر حلم الكثيرين، لم تسلم من آفة الفقر. هذه الظاهرة التي تتفاقم يوما بعد يوما مع تزايد المد النيوليبرالي المتوحش وما خلفته الأوبئة والحروب والجفاف وعنف الطبيعة.
اليوم، يعيش الملايين من الناس في العديد من الدول أوضاعا مأساوية، لا تلبي أدنى حاجيات الإنسان وحقه في العيش الكريم. رغم الإمكانيات الكبيرة المتوفرة والطعام الكافي، إلا أن العديد يموت جوعا في زمن لم تعد للإنسانية معنى وطغى الاستغلال ومفهوم الربح على مشاعر الإنسان.
في عالم يسمى متحضر كالذي نعيشه، يعيش أكثر من مليار وثلاثة مائة ألف شخص في فقر مدقع. في حين يقبع حوالي مليار طفل في العالم في فقر مأساوي، كما يوجد حوالي ثمان مائة ألف شخص في العالم ليس لديهم من الطعام ما يكفي لسد جوعهم، وتقريبا نفس العدد لا يتوفر على مياه صالحة للشرب.
إن ما يقارب نصف سكان الكرة الأرضية اليوم، يعيشون على أقل من دولارين ونصف في اليوم، الشيء الذي يبرهن الوضع المأساوي للعديد من الأسر حول العالم. في زمن حقق العالم ثورات تكنولوجية غير مسبوقة وابتكارات عجيبة وقدرة كبيرة على مجاراة الطبيعة وفك لغزها، يموت ما يعادل اثنان وعشرون ألف شخص من الجوع يوميا، وهو ما يقارب ثمانية ملايين شخص كل سنة، وهي أرقام مخيفة، لكن لا أحد يوليها أهمية في عصر الجشع وانعدام الضمير الإنساني.
وحسب منظمة الأمم المتحدة، فإنه من المحتمل أن تتضاعف أعداد الفقراء جراء الظاهرة الفيروسية وتأثيراتها على النمو الاقتصادي من خلال الانكماش وتراجع دخل العديد من الأسر مما يؤثر سلبا على الاستهلاك الفردي والقدرة الشرائية للملايين من البشر. كما أن خطة الأمم المتحدة للقضاء على الفقر في أفق 2030 ربما لن تتحقق بسبب التأثير الاقتصادي للجائحة على المدى القصير والمتوسط، إذ من المحتمل أن يتفاقم الوضع الهش ويزداد عدد المهمشين خصوصا في البلدان الفقيرة والتي يعتبر اقتصادها هشا في الأساس.
في وطني، أتمنى أن تأخذ الحكومة الجديدة هذا الملف محمل الجد، فالإحصائيات الأخيرة جد مخيفة بخصوص الواقع المعاش، هناك الآلاف ممن يعانون في صمت في المداشر والقرى والمدن، هناك من لا يجد قوت يومه وهناك من يعاني ويئن في صمت رهيب. فئات عمرية تجاوزت سن التقاعد ولا معيل ولا دخل لديها، وجب مد يد العون لها ومساعدتها على تخطي سنوات أرذل العمر، فئات عمرية مختلفة وكثيرة، وأمراض مزمنة جد مكلفة لا تستطيع تحملها، فتستسلم لواقعها المرير.
كلنا أمل أن يحظى هذا الملف بما يلزم من عناية من طرف الحكومة الجديدة لتوفير أدنى شروط العيش الكريم لهذه الفئة المهمشة.