بقلم: د. علي اللافي – تونس
خلفيات توسع الاحتجاجات الاجتماعية والسيناريوهات المستقبلية في افق نهاية نوفمبر المقبل
- أولا، لا خلاف في ان الأوضاع في البلاد لا تسر اليوم أي كان، بغض النظر عن موقعه الاجتماعي او هو في مربعات سلطة الامر الواقع ومن بقي من مسانديها أو هو معارض ضمن الجبهات الأربع (جبهة الخلاص – الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية-الدستوري الحر ومن بقي له من حلفاء-مجموعة الأحزاب الرافضة لمشروع سعيد وخاصة انتخابات 17 ديسمبر والتي لا توجد بينها أي أرضية للتحالف)، ولا خلاف في ان الجميع ينظر للوضع بأسف وتحسر على ما وصلت اليه الأمور من بؤس اجتماعي وسياسي لم يسبق له نظير منذ هروب الرئيس المخلوع في بداية سنة 2011 ورغم ان كوارث الحالي هي في جزء منها قائمة على ذلك الإرث المترتب على 23 سنة من التدمير المنهجي ورغم ما للنخبة الحالية من مسؤولية على ما جرى وعلى ما يجري)
- ثانيا، اجتماعيا أينما تذهب فهناك الكوارث والبؤس فلا العودة المدرسية تمت بامان وللجميع ( 400 الف تلميذ لم يعودوا لمدارسهم ولا نقابات التعليم مرتاحة للوضع في المدار س والمعاهد ولا الاطار التربوي مكتمل ومتوفر في كل المواد وفي كل المدارس، كما أن السلع مفقودة وفي كثير من الاحياء تباع بيعا مشروطا (“ستيكة” ماء واحدة في اكبر احياء مدينة اريانة )، ورفوف بعض فضاءات تجارية خالية من السلع على غرار الماء في اكثر من يوم إضافة الى الصفوف اماما الفضاءات التجارية للحصول على مواد أساسية على غرار السكر والصور الملتقطة والموزعة على الشبكات الاجتماعية اكثر تعبيرا من الكلمات ، أما الأسعار فحدث ولا حرج دون بتين هل ان المضاربات والبيع المشروط هو حالة عامة ام هي حالات محصورة لكثير من المستغلين للظروف والوضع….
- ثالثا، عمقت الازمة القائمة الأمور في كثير من المدن والاحياء على غرار الانطلاقة والتضامن وسيدي حسين وبنرزت وجرجيس والسيدة ( قريبا من القرجاني) وسهدت الليالي الماضية عمليات كر وفر مع قوات الامن وعرف الولاة الرئيسسن والمحسوبين على منظومة 25-07-2021 اوقاتا حرجة فقد تم طرد والي مدنين من مدينة جرجيس بطريقة محرجة للوالي وللسلطة المركزية كما ان وضع والي بن عروس غير مريح نتاج كل ما يكتب عنه ومن اتهامات موجهة له من طرف المدونين والصفحات إضافة الى مسؤول جهوي في منظمة كبرى أما والي بنزرت فان الجدل بينه وبين رئيس بلدية المكان والطريقة التي احرجه بها قبيا الاحتفالات بالذكرى 59 لعيد الجلاء كانت جد معبرة إضافة الى ان كثير من المواطنين والمسؤولين المحليين يبدو انهم غير راضين على أدائه على راس الولاية الأقرب للعاصمة…
- رابعا، يبدو الوضع عشية تقديم مطالب الترشح للانتخابات التشريعية وبعد 03 سنوات من دخول الئريس سعيد لقصر قرطاج وبعد سنة من تنصيب حكومة بودن، غير مرضي بكل المعايير فحكومة بودن لم تقدم أي نجاحات تذكر وبدت حكومة تكنوقراط مفككة الاوصال ومشتتة الاهتمامات بالنسبة أوزراها وبعضهم يطمح مستقبلا ان يكون على راس الحكومة، وبغض النظر عن حقيقة وجود صراعات بين ثلاث على الأقل من أعضائها فان الثابت أنه لا يمكن ان تستمر بهذه التركيبة وهذا الأداء واي إضافة لها مقارنة بحكومة المشيشي مثلا، اما الرئيس سعيد فهو يبدو في وضع لا يحسد عليه بعد 15 شهرا من أعلان حركته ضد باقي مربعات السلطة ورغم انه اخذ كل الصلاحيات فان الاجماع الذي كان حوله صبيحة الانقلاب/الحركة لم يعد قائما فالحوار مع صندوق النقد والوصول معه على اتفاق كان قائما قبل شهرين من 25-07-2021 والوضع الاجتماعي اصبح كارثيا ولا يحتمله أي كان وبالتالي لا حل امام الرئيس الذي حكم سنتين ضمن العشرية التي ينتقدها ويروج أنصاره انها كارثية سوداء وبالتي فهو مطالب فعليا برجة أخرى أو بالعودة للوراء من أجل خطوتين للأمام والسؤال هل هناك تقييم فعلي لأداء السنوات الثلاث الماضية في قصر قرطاج ولأداء حكومته منذ 10 أكتوبر 2021 أم أن الأمور تقرا بعقلية المضي للأمام مهما كانت الاثمان السياسية والاجتماعية وخاصة في ظل شبه عزلة دولية؟
- خامسا، كل يوم تتضاءل السيناريوهات وتنحصر الخيارات وخاصة في ظل تنامي تداعيات الحرب الروسية الأمريكية على كل دول المنطقة وفي ظل ما يجري في دول اساحل والصحراء وما يعرفه العالم من تقلبات مناخية وسياسية (إمكانية دخول واشنطن في حرب باردة مع بكين) وفي ظل انحسار خيارات الفرنسيين افريقيا وتقدم فعل موسكو في غرب ووسط افريقيا لا ينتظر ان تستفيد تونس وخاصة في ظل دبلوماسية أقرب للارتباك (عدم مشاركة الرئيس في المنتظم الاممي في سبتمبر الماضي – الأزمة غير المبررة مع المغرب حيث كان بالإمكان الاكتفاء بمشركة وفد البوليزاريو وليس أكثر- عدم اكتساب هامش المبادرة ومن ثم المرور للوساطة في قضايا بعينها على الأقل – السلبية المفرطة في التعاطي مع الملف الليبي منذ اكثير من سنتين)
- سادسا، يجيب تقرير/مقال الحال حول سؤالين رئيسيين:
- سؤال أول: ما هي خلفيات وأبعاد توسع الاحتجاجات الاجتماعية في وقت الأصل ان يكون الوضع مهيأ لحملة انتخابية؟
- سؤال ثان: ما هي السيناريوهات الممكن ان يتطور اليها الوضع السياسي والاجتماعي في افق نهاية نوفمبر المقبل (أي تقريبا قبل أسبوعين من اجراء الاستحقاق الانتخابي؟
** حول خلفيات وابعاد توسع الاحتجاجات، وهل ستتوسع أكثر؟
- أولا، لا يمكن الجزم ان الاحتجاجات ورغم توسعها الحالي انها قد تتوسع اكثير لان ذلك مرتبط بقدرة الحكومة من عدمه على تحقيق حد أدنى من المطالب بل ان ذلك يجب ان يكون مصحوبا بخطوات سياسية بالأساس على غرار اقالة بعض ولاة وحتى وزراء وقبل ذلك مسؤولين محليين (وخاصة في جرجيس وبنزرت وسيدي حسين والتضامن) ومن ثم تسهيل ترشح كثير من الأطراف والشخصيات للانتخابات التشريعية ( على الأقل بهدف إيجاد روح ان هناك ذهاب للانتخابات) وفي درجة ربما صعبة قطع خطوات للوراء واجراء حوار وطني شبيه بحوار ديسمبر 2013 وبعيدا عن مربح حوار جوان/يونيو الماضي، ولكن الاشكال هنا ان كل هذه الخطوات صعبة لا على الرئيس فقط بل على حكومته وفريقه الاستشاري المباشر وعلى طبيعة سنده السياسي المتبقي ( التيار الشعبي- أصحاب المبادرة الجديدة – اهم عناصر التنسيقيات- حراك 25 جويلية ومربعاته وأمثاله في السند المتبقي…)
- ثانيا، الاحتجاجات هذه المرة وعلى عكس الاحتجاجات السابقة (سواء في حقبة بودن او ما قبلها في الحكومات السابقة) أنها لا يمكن إطفاء وتيرتها بسهولة لا امنيا ( العلاقة مع النقابات متوترة وفي حد أدنى هي في مربع السلبية) كما أن مطالب الناس لا يمكن احتواءها بطرق وآليات ناعمة بسبب انها مطالب واقعية على الأرض وتبين للمواطنين زيف سرديات كثير من وسائل الاعلام كما أن قضية التسفير والقول بسوداوية العشرية الماضية وكثير مما تم لوكه تجاه الخصوم اصبح غير مقبول لمواطن لا تكفيه أمواله الزهيدة سواء كان عاطلا أو موظفا او حتى اطارا لتغطية حاجياته وحاجيات منظوريه ومن ثم فان ايقافها صعب بدون صدمات واجراءات اجتماعية مطمئنة ومقنعة ميدانيا وواقعيا وحسابيا بالنسبة لجيبه وعائلته…
- ثالثا، الاحتجاجات الحالية وان لم تتوسع بعد جغرافيا (لم تسلك بعد خارطة ثورة بن غذاهم – ثورة 2011 – احداث انتفاضة 1984) لا يمكن توقفها الا عبر فل ميداني واجتماعي وإجراءات كبرى تهدف لطمأنة المواطنين ومن ثم إيقاف نزيف خساراتهم الاجتماعية يوميا ولن يتم ذلك الا بالصدمة الكبرى سياسيا (حوار وطني جامع – اقالة الحكومة – تأجيل الانتخابات التشريعية) وكلها خطوات من الصعب ان يقدم عليها “سعيد” في ظل منطقه وسياساته الحالية والتي يرى انها صائبة…
- رابعا، رغم اختلاف جبهات المعارضة الأربع فان توحد فكرتها ومعارضتها لسعيد ستعطي مبررات غير مباشرة لمواصلة الاحتجاجات خاصة وان المبررات على الأرض موجود في علاقة بمعيشة المواطن (أسعار – قدرات مالية محدود – عدم توفركثير من السلع ومبررات أخرى كثيرة) ومن ثم فان اجامع المعارضة ولو عبر عدم التوحد التنظيمي والمباشر سيؤجج الاحتجاجات لان قواعد الجبهات ستكون دافعة عبر الشبكات لذلك التوسع ونقلها من حي لأخر أولا وثانيا عبر رافد مضموني واعلامي يومي ومتسارع…
- خامسا، قامت فكرة حركة/انقلاب 25-07 الحقيقة على تمرير الإصلاحات ومرت للفعل عبر تجميد ناعم للأجور (زيادة 5 بالمائة مقبل نسبة تضخم تقارب الـــ9.5 بالمائة فعليا وليس رسميا واحصائيا) ورفع متنامي للدعم وبداية ناعمة للإجراء الثالث ( التفكير في بيع بعض مؤسسات عمومية) وباعتبار ان الاتفاق مع صندوق النقد تم بعيدا عن اعين الاتحاد حسب تصريح الطاهري على الأقل فانه من الصعب إيجاد خطوات لإقناع المحتجين ان ظروفهم قد تتحسن وانها لن تذهب في حد أدنى للأسوأ ومن ثم فان الثابت ان أي اجراء سياسي يتناقض مع فكرة الإصلاحات لن يكون ممكنا أو سيكون مربكا للحكومة والتزاماتها لا مع صندوق النقد فقط بل حتى مع قدرتها على المضي في أي خطوات وإجراءات دون نسيان أن وضع ميزانية 2023 سيزيد في تعميق ازمة المواطن وهنا السؤال هل ستكون حكومة بودن قريبة من ذهنية حكومة مزالي نهاية سنة 1983 مع فوارق الزمن والالتباس والخصوصية الاجتماعية والسياسية رغم ان كثير من التشابه قائم…
- سادسا، الخلاصة في هذه النقطة تبدو الإجراءات اجتماعيا محدودو لطمأنة المواطنين وتبدو الخطوات السياسية او ما يسمى بإحداث الصدمة لتغبير المعادلة القائمة شبه مستحيلة وبالتالي فالاحتجاجات ستستمر أولا وستتوسع ثانيا ولكن السؤال هو المدى الزمني لتواصلها ومجال توسع جغرافيا وذلك ستجيب عليها الساحات والأيام القادمة ولا يمكن الحديث عن أسابيع لان الوضع معقد وغامض وملتبس بل ومتطور ومتغير في كل الاتجاهات ومرتبط بقرارات وإجراءات قد تعلن وقد يكون الإعلان عنها صعب بل ومكلف أكثر من الاحتجاجات نفسها….
** السيناريوهات السياسية المرتقبة في افق نهاية نوفمبر المقبل
- أولا، لو أقدم سعيد على خطوة تأجيل الانتخابات – وهو امر صعب وغير ممكن بالنسبة لقراءة من داخل منظومته السياسية-ولو تم فالسيناريوهات ستتغير بل وستتغير كل المعادلة وطبعا مطالبة حزبي الراية والائتلاف – رغم حجمها المتواضع تنظيميا وسياسيا – ليس صدفة كما أن موقف آفاق تونس – مقرنة بموقفه في الاستفتاء – وموقف ائتلاف صمود غير طبيعي وينم على كواليس دافع للمواقف الأربعة خاصة وأنها في رأينا قُوى وظيفية بالأساس سواء لمربعات الإقليم أو لقراءات دولية للوضع في تونس…
- ثانيا، الوضع حرج سياسيا واجتماعيا نعم ولكنه ممكن التفكيك في علاقة السياسي بالاجتماعي وسرديات مثل -أنه حتى في فرنسا هناك صفوف وطوابير حول الوقود لن تجدي نفعا في ترحيك الوضع أو في دفعه نحو هذا الاتجاه او ذلك وثوة الاحتجاجات وتوسعها ستكون سلاح ذو حدين سواء لدفع الأمور لأقصاها لإيجاد ترتيبات وحلول مستقبلية أو هي للضغط نحو المسار المحدد منذ صبيحة 26-07-2021 لتمرير الإصلاحات (المرغوب فيها من طرف فاعلين رئيسين في الدولة التونسية وصندوق النقد الدولي ومربعاته المختلفة أو من يسميهم بعض محللين بـــــــــ”الرعاة” )…
- ثالثا، ما يجب التأكيد عليه أن أزمة السياسية في تونس ليست متوقفة فقط على الاجتماعي أولا لان التغيير في أي بلد قد يحصل بناء على مسوغات غير اجتماعية بالضرورة كما أن الاتفاق مع صندوق النقد لا أثر سياسي له أي انه لن يحل الاشكال السياسي بين سعيد معارضيه ومن ناحية ثانية فانه قد يعمق الازمة الاجتماعية عوض حلها…
- رابعا، فعليا نحن اما سيناريوهات ثلاث لا رابع لها ولا سيناريوهات فرعية لثلاثتها حاليا، وهي:
- سيناريو أول: قدرة الرئيس سعيد وحكومة السكرتاريا على احتواء الاحتجاجات أو التعايش معها وشق واحتواء المعارضة ومزيد دفع بعض وسائل الاعلام لترذيل مشاريعها ومقولاتها ومطالبها ومن ثم احداث قطيعة ينها وبين الشارع ، وفي الخلاصة ان هذا السيناريو وبغض النظر عن تفصيلاته يعني مواصلة المنظومة الحالية للحكم وتمرير برلمان عليل وعلى قدر المقاس حسب رؤية المعارضين له على الأقل سيناريو ضعيف ولكنه قد يصبح واقعا وتتراوح نسبته بين 20 بالمائة و60 بالمائة والبقاء فيه وفي مربعاته تحددها عوامل أخرى كثيرة لا يمكن ايرادها أو تصمينها في مقال الحال وهي ترتبط أساسا بمحددات غير التي أوردناها أعلاه…
- سيناريو ثان: وهو ان تتطور الاحداث سريعا وتدفع سعيد لاتخاذ خطوات كبيرة وإجراءات بعينها ومن أهمها اجلاس كل الأطراف السياسية والاجتماعية لطاولة الحوار أو في ان يقب سيعيد نفسه برئيس حكومة من خارج مربعاته الحالية يدير هو الحوار ومن يمكن قبول اجتماعي وسياسي لمرحلة انتقالية بعينها بغض النظر عن الشكل والآليات سواء عبر مواصلة المسار الانتخابي الحالي أو تأجيله وهذا السيناريو ضعيف فعليا لأنه لن يقدم عليه سعيد في افق نهاية أكتوبر على الأقل، وتتراوح نسبته بين 20 بالمائة و40 بالمائة…
سيناريو ثالث: وهو يتمثل في تواصل الاحتجاجات وتوسعها وتظافر العوامل الدفعة لتوسعه جغرافيا وزمنيا وعند ذلك سنجد أنفسنا امام مربعات استثنائية لتطور الأمور ولا يمن في تلك الحالة تقدير الأوضاع لأننا لن نصل اليها الا بتطورات دراماتيكية بعينها وهو ما يعني تغير معادلات الاصطفاف لا السياسي فقط بل حتى داخل الحكومة والمربع الاجتماعي بل وداخل مربعات السند السياسي الحالة لمنظومة 25-07-2021 ، ونسبة هذا السيناريو تتراوح أيضا بين 20 و60 بالمائة وتتغير تلك النسبة وفي السيناريو الحالي بتغير المعادلات السياسية والاجتماعية بتغيير المعادلة السياسية القائمة بأدوات أخرى غير سياسية وهو ما تم أيضا مساء 25-07-2021….